أسواق الذهب في حالة ترقب حذر قبيل اجتماعات حاسمة.
تعيش أسواق الذهب العالمية حالة من الترقب الشديد خلال الساعات القليلة المقبلة، حيث يعقد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اجتماعه مساء اليوم لمناقشة أسعار الفائدة على الدولار، وسط توقعات واسعة بخفضها للمرة الثانية على التوالي، مما يزيد من حدة التوتر في الأسواق العالمية. وفي السياق ذاته، يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غدًا نظيره الصيني شي جين بينج للتوصل إلى قرار نهائي بشأن الاتفاق التجاري بين البلدين، وهو ما يضع المعدن النفيس أمام مفترق طرق بين الصعود والهبوط.
يشير خبراء اقتصاديون إلى أن الاجتماعين يمثلان أهم حدثين اقتصاديين خلال الربع الأخير من العام، حيث قد يتراجع سعر الذهب بشكل مؤقت إذا تحقق الاستقرار التجاري بين واشنطن وبكين، إلا أنه سيظل محتفظًا بمكانته كملاذ آمن في ظل التقلبات العالمية.
شهدت أسعار الذهب خلال الشهر الجاري قفزة غير مسبوقة، حيث ارتفعت الأونصة لتلامس مستويات قياسية بلغت نحو 4398 دولارًا، وكان هذا الارتفاع مدفوعًا بعدة عوامل، من أبرزها المخاوف المتزايدة عالميًا من تفاقم النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى أزمة الإغلاق الحكومي في أمريكا، وغموض مستقبل سعر الفائدة الأمريكية. ومع ذلك، فقد شهد سعر الذهب تراجعًا ملحوظًا في الأيام القليلة الماضية، حيث هبط إلى مستوى يقارب 3982 دولارًا للأونصة، مما يمثل موجة تصحيح للسوق، قبل أن يعود للارتفاع قليلاً خلال تعاملات اليوم.
في هذا السياق، يرى لطفي منيب، نائب رئيس شعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية، أن تأثير قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض الفائدة سيكون محدودًا مقارنة بتأثير الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين، مؤكدًا أن حالة "الهدوء والانسجام" بين البلدين إن تحققت ستكون الدافع الأقوى لتشجيع الاستثمار المباشر وتوجيه رؤوس الأموال نحو القطاعات الإنتاجية بدلًا من الذهب. كما أشار منيب إلى أن ارتفاع الذهب في الفترات السابقة كان نتيجة مباشرة للتوترات الاقتصادية والرسوم الجمركية المتبادلة، مؤكدًا أن أي اتفاق فعلي بين الجانبين سيؤدي إلى تراجع واضح في الأسعار.
من جانبه، يؤكد نادي نجيب، سكرتير شعبة الذهب السابق بالغرف التجارية، أن الأسواق تمر بحالة ترقب غير مسبوقة منذ بداية العام، حيث ينتظر المستثمرون إشارة واضحة من الفيدرالي حول مسار الفائدة، بينما يراقبون ما ستسفر عنه قمة ترامب وشي. ويشير نجيب إلى أن خفض الفائدة الأمريكية، حال إقراره، سيؤدي مبدئيًا إلى زيادة الطلب على الذهب باعتباره بديلاً عن الودائع البنكية منخفضة العائد، إلا أن هذا الصعود سيكون قصير الأجل إذا تحقق الاستقرار التجاري.
وفيما يتعلق بمستقبل أسعار الذهب، يقول الدكتور سيد خضر، الخبير الاقتصادي، إن أسعار الذهب ستتحدد بناءً على تفاعل ثلاثة عوامل رئيسية، وهي مسار الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين، ومدى الاستقرار الجيوسياسي العالمي، وقرارات البنوك المركزية الكبرى بشأن أسعار الفائدة. ويؤكد خضر أن تخفيض الرسوم الجمركية المتبادلة بين أمريكا والصين يمثل العامل الأهم في تحديد اتجاه الذهب، حيث إن أي اتفاق بين الرئيسين ترامب وشي جين بينج على تخفيض تلك الرسوم سيفتح الباب أمام عودة الاستثمارات الحقيقية إلى الأسواق الإنتاجية، مما يقلل من اعتماد المستثمرين على الذهب كملاذ آمن.
أما الدكتور إيهاب الدسوقي، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، فيرى أن خفض الفائدة الأمريكية سيظل عامل دعم رئيسيًا للذهب، حيث إن العلاقة بين المعدن النفيس والفائدة "عكسية بطبيعتها". ويشير الدسوقي إلى أن العالم ما زال يواجه تحديات اقتصادية عدة، مثل ارتفاع الأسعار واستمرار معدلات التضخم في الاقتصادات الكبرى، مما يجعل الذهب يحتفظ بجاذبيته كملاذ آمن رغم أي اتفاقات تجارية.
فيما يتعلق بأداء الدولار، يرى مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، أن العامل الحاسم في تحديد مستقبل الذهب خلال الأيام المقبلة هو أداء الدولار الأمريكي بعد اجتماعي الفيدرالي والبيت الأبيض. ويشير شفيع إلى أن الاتفاق التجاري بين الصين والولايات المتحدة قد لا يدعم الدولار بالقدر المتوقع، بل ربما يؤدي إلى تراجعه تدريجيًا، مما يعزز من جاذبية الذهب كملاذ آمن وسط احتمالات خفض الفائدة للمرة الثانية على التوالي.
بناءً على ما سبق، يبدو أن الأسواق ستظل تحت ضغط التوترات التجارية والاقتصادية، مما قد يؤثر بشكل كبير على أسعار الذهب في المستقبل القريب.


تعليقات