أعلنت مصر عن نقل ملكية أراضٍ مملوكة للدولة بمساحة تصل إلى 174.4 مليون متر مربع في منطقة رأس شقير على البحر الأحمر إلى وزارة المالية، وذلك بهدف استخدام هذه الأراضي في تقليل الدين العام للدولة وإصدار صكوك سيادية، وفقًا لما ذكرته الجريدة الرسمية.

شوف كمان: مصر تحقق زيادة سكانية قدرها 750 ألف نسمة في 228 يوماً فقط
تعتبر الصكوك السيادية- المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية- من الأدوات التمويلية الحديثة التي تعتمد عليها وزارة المالية لجمع السيولة، سواء من خلال طرحها في الأسواق الدولية بالعملة الأجنبية أو في السوق المحلية بالجنيه المصري.
ووفقًا لبيانات الموازنة الجديدة، رفعت وزارة المالية حاجتها للاقتراض بنسبة 25% خلال العام المالي المقبل، حيث ستصل إلى 3.575 تريليون جنيه، وذلك على شكل أذون وسندات خزانة وصكوك، مما يساعد في سداد مديونيات العام الماضي وعجز الموازنة.
يرى هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، أن تخصيص الأرض لوزارة المالية لا يعني بيعها، بل هو حق استغلال للمستثمرين، حيث يمكن استخدام حصيلة توريق الإيرادات المستقبلية في إصدار صكوك لسداد الدين، ويتوقع أن يسهم هذا التخصيص في جذب تريليون جنيه لسداد مديونية الدولة.
وقال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، لنبأ العرب، إن الأرض مملوكة للدولة وتم تخصيصها وليس بيعها لوزارة المالية، مما يعني أنه لا يجوز للوزارة بيع تلك الأرض حاليًا أو مستقبلاً لأي جهة محلية أو خارجية، ويؤكد أن الهدف من عملية التخصيص هو استخدام هذه الأرض في خفض الدين العام للدولة.
الاتجاه للصكوك
في فبراير 2023، طرحت وزارة المالية أول صكوك سيادية بقيمة 1.5 مليار دولار في بورصة لندن بضمان أصول عقارية، حيث حققت إقبالًا واسعًا من المستثمرين، وتم تغطيته أكثر من 4 مرات.
وخلال العام الحالي، أشار أحمد كجوك، وزير المالية، إلى أن مصر تستهدف طرح صكوك سيادية بالجنيه المصري لأول مرة في تاريخها بحلول عام 2025، بهدف جمع السيولة وتنويع مصادر الدين.
تمويل مشروعات وليس بيع
يؤكد محمد عبد العال خلال حديثه مع “نبأ العرب”، أن قرار نقل ملكية الأراضي إلى وزارة المالية لإصدار صكوك يقوم على فلسفة تمويل إقامة مشروعات وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، مثل الإيجارة أو المشاركة أو المرابحة أو المضاربة، وليس البيع لمستثمر محلي أو أجنبي.
وأوضح أن الصكوك الإسلامية تعد مصدرًا جيدًا وسهل الترويج لها على مستوى الداخل والخارج، حيث يتم اعتمادها في الدول الخليجية والأسواق العالمية، وأكد عبد العال أن الصكوك لا تمثل ديونًا على الدولة مثل السندات، حيث يكون حامل الصك مشاركًا في ربح وخسارة المشروع، مما يعزز وجود تمويل جديد للدولة، ومن فائض ربح المشروع يتم سداد عجز الدين.
عبء الدين
تستهدف وزارة المالية خفض الدين العام إلى 80% بنهاية يونيو 2027، بعد أن هبط من 96% في العام المالي يونيو 2023 إلى 89% في يونيو 2024، وفق بيانات وزارة المالية.
بحسب بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فإن الدين العام لمصر ارتفع إلى 13.33 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر 2024، وخلال النصف الأول من العام المالي 2024-2025، ارتفع عبء خدمة الدين- المتمثل في فوائد وأقساط الدين الخارجي- إلى نحو 21.3 مليار دولار، كنتيجة أساسية لارتفاع المسدد من الأقساط، وفق بيانات البنك المركزي المصري.
مواضيع مشابهة: أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم.. تعرف على أحدث الأسعار!
وبحسب بيان المركزي، فإن رصيد الدين الخارجي ارتفع بمقدار 2.2 مليار دولار في النصف الثاني من العام المالي الحالي إلى نحو 155.1 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2024، مقارنة بنحو 152.88 بنهاية يونيو 2024.
الفرق بين رأس شقير ورأس الحكمة
أشار محمد عبد العال إلى أن تخصيص رأس شقير المطلة على البحر الأحمر بنظام طرح صكوك يختلف عن صفقة رأس الحكمة، فالأولى تعتمد على نظام المشاركة مع القطاع الخاص دون حق التملك، بينما الثانية تتمثل في بيع مباشر لمستثمر.
وأوضح أن الأمر ببساطة يستهدف إتاحة أرض مميزة يمكن لوزارة المالية استخدام عوائد استثمارها في استثمارات مباشرة أو مشتقة، عبر إصدار سندات سيادية تستخدم صافي عائداتها في خفض عجز الموازنة والدين العام.
في فبراير 2024، وقعت مصر على أكبر صفقة استثمارية مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار لتطوير مدينة رأس الحكمة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، على مساحة 170 مليون متر مربع، وقد تلقت مصر خلال النصف الأول من العام الماضي 24 مليار دولار من صفقة رأس الحكمة، بجانب تسوية ودائع إماراتية مستحقة على مصر بقيمة 11 مليار دولار.
إعادة هيكلة الدين
أكد عبد العال أن تخصيص أرض لوزارة المالية ومنحها القدرة على إصدار الصكوك السيادية الإسلامية، يهدف لتحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية المتكاملة، منها استخدام حصيلة الصكوك في تمويل المشروعات الاستثمارية والاقتصادية القومية الجديدة، أو إعادة هيكلة بعض المشروعات القائمة.
يستهدف هذا الإجراء خفض عبء تكلفة وخدمة الدين العام، وزيادة أجل محفظة الدين، بما يتماشى مع استراتيجية الدولة في ضرورة خفض معدل نمو الدين العام، وبحسب عبد العال، فإن ذلك يتوافق مع التوجهات الاقتصادية العالمية، خاصة مع توجه بعض الدول لخفض أسعار الفائدة، مما قد يقلل من تكلفة التمويل عبر أدوات مثل الصكوك، ويعزز الطلب على أدوات التمويل الإسلامي، الذي يتزايد خاصة في الدول ذات الاقتصاد الإسلامي القوي.
سيحفز ذلك، وفق عبد العال، الطلب على الإصدارات الحكومية من الأوراق المالية وأدوات الدين العام، بالجنيه المصري أو بالنقد الأجنبي، بالإضافة إلى تلبية الطلب على صكوك التمويل المستدام، مع تزايد استخدام أدوات التمويل الأخضر، واهتمام متزايد بالمشاريع المستدامة والصديقة للبيئة، وإمكانية إصدار صكوك للمشاريع الرقمية.
كان جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، قد أشار سابقًا إلى ضرورة خفض مصر لمعدل الدين من الناتج المحلي الإجمالي، وتحسين إدارته، وهو ما يوسع رقعة الاقتصاد ويوفر القدرة على تحمل الأعباء، وأوضح أن خفض الدين سيأتي من خلال تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي للمشاركة في المشروعات، مما ينعكس على تراجع تكلفة الدين، وهو موضوع ضروري وأساسي في ظل حالة عدم اليقين التي يمر بها العالم.