-مارينا ميلاد:

مقال مقترح: مصارع أيرلندي يحقق انتصارًا مذهلاً على خصمه الإسرائيلي في مواجهة تدعم حرية فلسطين (فيديو)
في فجر يوم 1 يونيو، استيقظ “محمد” متفقدًا هاتفه، مترقبًا ما ستعلنه “مؤسسة غزة الإنسانية” المسؤولة عن توزيع المساعدات، بعد حصار دام لأكثر من ثلاثة أشهر، مما جعله وأطفاله الأربعة يقضون ليالي طويلة بلا طعام، وعند الرابعة صباحًا، عثر على منشور المؤسسة الذي ينص على: “سيكون هناك موقع توزيع واحد في تل السلطان جنوب غزة، ندعو الأهالي للوصول للموقع بدءًا من الساعة 05:00 صباحًا، الممر الآمن سيكون عبر شارع الرشيد، وسيتواجد جيش الدفاع الإسرائيلي في المنطقة لتأمين الممر، يُمنع استخدامه قبل هذه الساعة”.
انطلق “محمد” من مخيم دير البلح نحو الموقع، ملتزمًا بالتعليمات، وكان أمامه ساعتان للوصول بعربة “كارو” إن وجد مكانًا، سلك الطريق الذي سرعان ما ازدحم بمئات الأشخاص، متأملًا أن تنجح محاولته في الحصول على صندوق طعام واحد لعائلته المكونة من 6 أفراد، وهي الكمية المحددة من المؤسسة لكل عائلة، لكنه لم يعد بالصندوق ولم يعد إليهم من الأساس، قُتل “محمد” مع ثلاثين شخصًا وأصيب أكثر من 176 آخرين بنيران القوات الإسرائيلية بالقرب من مركز التوزيع في رفح.
لم تكن تلك الحادثة الوحيدة قرب مواقع مؤسسة غزة الإنسانية منذ بدء عملها في القطاع في أواخر مايو الماضي.
بعد أن تحرك “محمد” نحو شارع الرشيد، انقطع تواصله بالإنترنت، وفي تلك الأثناء، نشرت المؤسسة عبر صفحتها أن “موقع تل السلطان مغلق الآن” عند الساعة الخامسة وعشر دقائق، أي بعد الموعد المحدد بعشر دقائق، ربما لم يصل الخبر لـ”محمد” ومن معه، أو ربما وصل إلى البعض واستمروا في الأمل بفتح الموقع مرة أخرى من جانب “الشركة الأمريكية”، فبلغوا مشارف محافظة رفح، وزاد العدد والصخب حولهم، واضطر للمشي مسافات طويلة حين بات الطريق لا يتحرك.
عبر حاجز، ثم دوت أصوات الطلقات النارية، ركض “محمد” ومن حوله في كل الاتجاهات، يروي سامح حمودة (33 عامًا) الذي كان في المكان وقتها لفرانس برس: “أطلقت طائرات مسيّرة النار على الناس المنتظرين للمساعدات، كذلك أطلقت دبابات نيرانًا كثيفة وقتل أشخاص أمامي”، وكان بين هؤلاء “محمد”.
لم تعلق مؤسسة غزة الإنسانية على الحادثة، لكنها أعلنت في اليوم التالي أنها وزعت نحو 20 ألف طرد غذائي، بما يعادل 1,159,200 وجبة، ليكون إجمالي ما وزعته منذ الأيام الأخيرة من شهر مايو أكثر من 5 ملايين و800 ألف وجبة، وفقًا لما ذكرته.
واصلت نشر تعليماتها المنسقة مع القوات الإسرائيلية، ولم تختلف تلك التعليمات في يومي 2 و3 يونيو، حيث حددت نفس المسار باعتباره “آمنًا” والساعة نفسها، إلا أن ثلاثين شخصًا قتلوا خلال اليومين في المنطقة ذاتها عند الفجر، وقرب مركز التوزيع، وفق ما أكدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر والدفاع المدني في قطاع غزة.
قال الصليب الأحمر الذي استقبل مستشفاه الميداني أكثر من مائة مصاب، إن معظمهم أصيبوا بالرصاص.
تكررت الحوادث يومي 9 و11 يونيو، بعد فتح ثلاث مراكز توزيع: الأول بوادي غزة، والثاني بالقرية السويدية في منطقة تل السلطان والثالث بالحي السعودي في رفح، بينما أعلنت توزيع ما يعادل 1.6 مليون وجبة غذائية يوم 9 يونيو، قُتل عشرة أشخاص وأصيب أكثر من 30 خلال محاولتهم الوصول إلى مركزي توزيع المساعدات، كما ذكر الدفاع المدني في قطاع غزة، وأضيف لهم 31 آخرين في اليوم التالي.
دفعت تلك الوقائع فيليب لازاريني (المفوض العام للأونروا) لوصف عملية توزيع المساعدات في غزة بأنها “مصيدة للموت”، مطالبًا إسرائيل برفع الحصار والسماح بدخول المساعدات وتوزيعها بأمان تحت إشراف الأمم المتحدة.
ترفض الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الإغاثية العمل مع “مؤسسة غزة الإنسانية” بسبب مخاوف بشأن طريقة عملها وحيادها، وقد استقال جيك وود (مديرها التنفيذي) بمجرد بدء عملها، مبررًا ذلك بعدم إمكانية تنفيذ خطة توزيع المساعدات مع الالتزام بمبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة.
أعلنت الولايات المتحدة في فبراير الماضي تدشين “مؤسسة غزة الإنسانية” GHF لتقديم المساعدات للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.
تعرف على المؤسسة وأعضائها في تقريرنا السابق.
يرى مفوض الأونروا أن الخطة الإسرائيلية الأمريكية، التي وضعت مركز توزيع في أقصى جنوب رفح، تعد “نظامًا مُهينًا يجبر آلاف الأشخاص الجوعى على السير عشرات الكيلومترات إلى منطقة شبه مدمرة”.
حتى من نجا وعاد من تلك الرحلة الخطرة، لم يحصل على شيء، فقالت إحدى السيدات، بدت عليها علامات التعب واليأس: “أتضور جوعًا، لم أتمكن من أخذ أي صندوق طعام من نقطة التوزيع، عدت بدون أي شيء، كل شيء سُرق”، فيما يكمل الحديث رجل يدعى محمد أبو رزق، يحمل بقايا طعام سقطت من الناس على الأرض: “هذه مساعدات الذل والإهانة، الكميات القليلة نفدت وسأذهب للعيال مكسور الخاطر”.
بينما لم يتحرك أحمد الصفدي، الذي يسكن مدينة غزة، باتجاه المساعدات مثلهم، فهو لم يأمن لها من البداية، يقول: “كيف بدنا نروح لرفح وإحنا محاصرين في غزة؟ على مين نركب؟ ومين يضمن الطريق؟ ولو وصلنا، مين يضمن إنه ما حد يعتقلنا؟ إذا بدهم يأكلونا بهالطريقة، ما بدنا ياها!”.
في وقت تنفي إسرائيل بعض وقائع الاستهداف وتراها “روايات كاذبة”، تشير في أحيان أخرى إلى “إطلاق النار بعد تحديد هوية عدد من المشتبه بهم قرب مركز لتوزيع المساعدات، وأنها على علم بسقوط ضحايا”، تتهم مؤسسة غزة الإنسانية حركة حماس بأنها “تتسبب في تعطيل توزيع الطرود الغذائية بعد أن أصدرت تهديدات ضدها”، كما اتهمتها بشن هجوم وصفته بـ”الشنيع والمتعمد” على حافلة كانت تقل أفرادًا من المؤسسة، مما أسفر عن سقوط خمسة قتلى وعدد من الجرحى.
اقرأ كمان: نشرة التوك شو.. موجة حارة تصل ذروتها يوم الإثنين ووزير الزراعة يوضح تفاصيل فيروس الدواجن الغامض
اقرأ أيضًا: