هل ستتأثر الدول المجاورة بالتلوث الإشعاعي بعد استهداف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية؟

شنت إسرائيل هجومًا صاروخيًا واسع النطاق، فجر الجمعة، استهدف مواقع نووية وعسكرية داخل إيران، وشملت الضربات منشآت حساسة وأهدافًا بارزة في عدة مناطق، بما في ذلك العاصمة طهران، وأسفرت عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين، مثل محمد باقري وغلام علي رشيد وحسين سلامي وعلي شمخاني.

هل ستتأثر الدول المجاورة بالتلوث الإشعاعي بعد استهداف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية؟
هل ستتأثر الدول المجاورة بالتلوث الإشعاعي بعد استهداف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية؟

ومع استمرار الضربات الصاروخية المتبادلة، تتزايد المخاوف من احتمال وقوع تسرب إشعاعي في حال تضررت المنشآت النووية الإيرانية، مما يثير قلقًا خاصًا لدى دول الجوار، وفي مقدمتها دول الخليج، فإلى أي مدى نجحت إسرائيل في استهداف منشآت إيران النووية؟ وهل سجلت المنطقة تسرب إشعاعي؟

أبرز المنشآت النووية الإيرانية

استهدفت إسرائيل ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية، وهي نطنز وأصفهان وفوردو، وقتلت 14 عالمًا نوويًا إيرانيًا على الأقل، بعضهم بتفجير سيارات ملغومة، وأظهرت صور الأقمار الصناعية حجم الدمار الذي تعرضت له المنشآت النووية الإيرانية جراء الضربات الإسرائيلية.

ورغم الهجوم الواسع، لا تزال الكثير من التفاصيل غامضة، إذ إن المنشآت النووية الإيرانية الأكثر حساسية تقع في أعماق تحت الأرض، مما يصعّب تقدير حجم الأضرار بدقة، وقد قدم الطرفان روايات متضاربة: فقد صرح مسؤول عسكري إسرائيلي، خلال مؤتمر صحفي يوم السبت، بأن الضربات التي استهدفت منشآت نطنز وأصفهان النووية ألحقت “أضرارًا كبيرة”، بينما أكدت طهران أن الأضرار كانت محدودة

صورة 1

نطنز

استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي منشأة نطنز النووية في محافظة أصفهان، ولكن لا توجد تقارير حتى الآن تتحدث عن وجود تلوث نووي، وفق ما أعلنه التلفزيون الإيراني الرسمي يوم الجمعة الماضي.

تشير التقييمات الأولية إلى أن الضربات الإسرائيلية على منشأة نطنز النووية كانت “فعالة للغاية”، إذ لم تقتصر الأضرار على الهياكل السطحية، بل تسببت في انقطاع الكهرباء عن المستويات السفلية من المنشأة، حيث تُخزن أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم، بحسب ما قاله مسؤولان أمريكيان لشبكة CNN.

ووفق الشبكة الأمريكية، أسفرت الضربات الإسرائيلية عن تدمير الجزء السطحي من محطة نطنز التجريبية لتخصيب الوقود، وهي منشأة ضخمة تعمل منذ عام 2003، وكانت إيران تستخدمها لتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 60%، بحسب ما أفادت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويُشار إلى أن درجة التخصيب اللازمة لصناعة الأسلحة النووية تبلغ 90%.

صورة 2

ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن البنية التحتية الكهربائية في نطنز، بما في ذلك مبنى إمداد الطاقة الرئيسي ومولدات الطوارئ والاحتياط، قد دُمرت، مشيرة إلى أنه لا يبدو أن إسرائيل ألحقت أضرارًا مباشرة بتلك الأجزاء الموجودة تحت الأرض من المحطة، ولكن انقطاع التيار الكهربائي “ربما ألحق الضرر بأجهزة الطرد المركزي هناك”.

وأكدت الوكالة “عدم وجود تأثير إشعاعي خارجي”، مشيرة إلى أن مستويات النشاط الإشعاعي خارج نطنز بقيت طبيعية، رغم وجود تلوث إشعاعي وكيميائي محدود داخل المنشآت، لكنه تحت السيطرة.

تضم منشأة نطنز النووية ستة مبانٍ فوق الأرض وثلاثة تحت الأرض، اثنان منها يمكن أن يضما نحو 50 ألف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، وفقًا لمنظمة “مبادرة التهديد النووي” غير الربحية، وتعتبر أجهزة الطرد المركزي آلات قادرة على تخصيب اليورانيوم عن طريق تدوير الغاز بسرعات عالية.

أصفهان

أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن أربع منشآت رئيسية في موقع أصفهان النووي تعرضت لأضرار، في تناقض مع تصريحات بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، الذي زعم أن الأضرار في الموقع – أكبر مجمع للأبحاث النووية في إيران – كانت محدودة، واقتصرت على اندلاع حريق في سقيفة بالمنشأة.

بينما ادعت إسرائيل أن الضربات ألحقت “أضرارًا كبيرة” بالموقع، وأظهرت صور الأقمار الصناعية تدمير ثلاث مبانٍ، مع صعوبة التأكد من حجم الضرر في المنشآت تحت الأرض.

صورة 3

قالت إيران إنها نقلت معدات من نطنز وأصفهان قبل الضربات، لكن لم يتم التحقق من هذه التصريحات، وبُنيت منشأة أصفهان بدعم صيني، ويعمل فيها نحو 3000 عالم، ويُشتبه في أن الموقع “يمثل مركزًا” للبرنامج النووي الإيراني، وفق شبكة CNN.

فوردو

يُعدّ استهداف منشأة فوردو لتخصيب الوقود النووي أصعب بكثير من الموقعين السابقين، نظرًا لموقع المنشأة في أعماق الجبال قرب مدينة قم شمال إيران، كما تضم أجهزة طرد مركزي متطورة تُستخدم لتخصيب اليورانيوم إلى درجات نقاء عالية، وفق الشبكة الأمريكية.

وشنت إسرائيل هجومًا على موقع فوردو النووي فجر الجمعة، إلا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت أن الموقع لم يتعرض لأي أضرار، كما لم يتحدث الجيش الإسرائيلي عن وقوع أضرار جسيمة في الموقع، وفي السياق ذاته، ذكرت قناة “برس تي في”، التابعة للإعلام الرسمي الإيراني، أن الدفاعات الجوية الإيرانية أسقطت طائرة مسيّرة إسرائيلية قرب المنشأة.

صورة 4

وفي عام 2023، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه تم العثور على جزيئات اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء 83.7% – وهو ما يقترب من مستويات التخصيب البالغة 90% اللازمة لصنع قنبلة نووية – في فوردو.

قال جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، في مقال نُشر الجمعة، إن استمرار تشغيل منشأة فوردو يعني أن الضربات الإسرائيلية قد تؤدي فقط إلى “إبطاء” تقدم إيران نحو امتلاك سلاح نووي، دون أن توقفه بشكل كامل، وأوضح أن إسرائيل قد تتمكن من تدمير مدخل المنشأة، لكن استهداف أجزاء أوسع من موقع فوردو سيكون صعبًا.

أهداف أخرى

يبدو أن منشأة آراك النووية، الواقعة في وسط إيران، نجت من الضربة الإسرائيلية الأولى دون أن تتعرض لأضرار، وتضم المنشأة مفاعلًا يعمل بالماء الثقيل، ما يثير مخاوف الدول الغربية، إذ يمكن استخدام هذا النوع من المفاعلات لإنتاج البلوتونيوم، وهو مسار ثانٍ لصنع قنبلة نووية محتملة، بحسب ما أوردته CNN.

صورة 5

دول مهددة بالتلوث الإشعاعي

هناك مخاوف من حدوث تسرب إشعاعي جراء القصف الإسرائيلي للمنشآت النووية في إيران، خاصة وأن خطر التلوث الإشعاعي لن يقتصر على إيران فقط بل يمتد إلى الدول المجاورة لها في المنطقة، الأمر الذي ينذر بكارثة بيئية وصحية.

واحتمال تعرض دول الخليج إلى خطر الإشعاع الناتج عن استهداف المنشآت النووية في إيران، خاصة محطة بوشهر النووية، مرتفع، إذ تشير الدراسات إلى أن أي تسرب من المحطة سيؤثر على إمدادات المياه في دول الخليج، وخاصةً على تشغيل محطة تحلية المياه، وفق ما أوردته قناة ALARABIA ENGLISH في تقرير نُشر عام 2013 عقب زلزال بقوة 6.3 درجة ضرب منطقة قريبة من المنشأة.

ووفق التقرير، فإنه في حال حدوث تسرب إشعاعي، ستنتقل سحب من المواد المشعة إلى دول الخليج في غضون 15 ساعة فقط، وسيتأثر ما بين 40% و100% من السكان، بينما سيؤثر الإشعاع على حوالي 10% فقط من سكان إيران، وذكر التقرير أن التأثير لن يقتصر على مياه الشرب فحسب، بل سيمتد ليشمل البيئة وشحن النفط والغاز الطبيعي والسلع والخدمات البحرية الأخرى.

السعودية

أكدت المملكة العربية السعودية، أمس السبت، عدم رصد أي تلوث بيئي في محيط منشأتي تخصيب اليورانيوم في نطنز وأصفهان، وذلك في أعقاب الضربات الإسرائيلية التي وقعت يوم الجمعة على المنشآت النووية الإيرانية.

وأفاد مركز عمليات الطوارئ النووية التابع لهيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية، بأن هذا التقييم يستند إلى إحاطة من مركز الحوادث الطارئة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، استنادًا إلى بيانات وفّرتها الهيئة الإيرانية للرقابة النووية، وأوضحت الهيئة السعودية أن هذه المعلومات تم تبادلها بموجب اتفاقية الإبلاغ المبكر عن الحوادث النووية.

وأشارت الهيئة إلى أن القدرات الوطنية في المملكة لرصد واستباق أي تداعيات إشعاعية تشمل جميع دول مجلس التعاون الخليجي، لكنها لا ترى أن الوضع الحالي يستدعي تفعيل خطط الطوارئ النووية.

الكويت

أعلن مركز الشيخ سالم العلي الصباح للدفاع الكيماوي والرصد الإشعاعي بالحرس الوطني الكويتي، اليوم الأحد، أن الأوضاع الإشعاعية والكيميائية في البلاد طبيعية تمامًا، ولا توجد مؤشرات على أي ارتفاع في مستوياتها.

وقال المقدم خالد لامي، ركن العمليات في المركز خلال مقابلة مع قناة “الأخبار” نقلها حساب القناة على منصة “إكس”، إن الحرس الوطني يُعد الجهة الأولى المسؤولة عن الاستشعار المبكر لأي تهديدات في مجال الدفاع ضد أسلحة الدمار الشامل، ويمتلك قدرات متقدمة أبرزها منظومة متكاملة للرصد الإشعاعي والكيمياوي.

وأشار لامي إلى أن هناك عددًا من محطات الرصد البرية المنتشرة في المناطق الحدودية، وتقوم بأخذ قراءات دورية على مدار الساعة، مؤكدًا وجود تنسيق وتعاون وثيق مع الجهات المختصة داخل الدولة لتبادل المعلومات وضمان الجاهزية الأمنية.

مصر

نظرًا لبعد المسافة بين مصر وإيران والتي تُقدر بأكثر من 2200 كيلومتر، فإنه من غير المحتمل على الإطلاق أن تصل إشعاعات نووية إلى مصر نتيجة أي حادث نووي قد يحدث في منشآت إيران النووية، وذلك وفقًا لما قاله الرئيس السابق لهيئة محطات الطاقة النووية المصرية، أمجد الوكيل.

وذكر الوكيل، في منشور على صفحته الرسمية بـ”فيسبوك” الجمعة، أن انتشار الإشعاع النووي يتوقف على عوامل عدة، منها: نوع الحادث، كمية المواد المشعة المنطلقة واتجاه الرياح وسرعتها، مشيرًا إلى أن كل هذه العوامل تجعل من المستبعد أن تتأثر مصر بالإشعاع النووي الإيراني

وبدورها، أكدت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية، أن الوضع الإشعاعي في منشأة نطنز الإيرانية لا يزال مستقرًا، ولا توجد أي مؤشرات على حدوث تسرب إشعاعي حتى الآن.

وأوضحت الهيئة، في بيان الجمعة، أنها تتابع التطورات المرتبطة بالموقف الإشعاعي من خلال شبكة الرصد والإنذار المبكر المنتشرة في جميع محافظات الجمهورية، وأضافت أنها تقوم برصد قياسات الخلفية الإشعاعية بشكل متواصل، وتنسق بشكل دائم مع الجهات المعنية لضمان سلامة المواطنين وحماية البيئة.