بي بي سي.

من نفس التصنيف: الرئيس الفرنسي يزور جرينلاند في رحلة مهمة الأسبوع المقبل
في يوم الجمعة، بعد شن إسرائيل هجوماً غير مسبوق على إيران، توجه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى الإيرانيين مباشرةً باللغة الإنجليزية، مؤكداً أن الوقت قد حان للوقوف ضد “نظام شرير وقمعي”، كما وصفه، وأعلن أن العمليات العسكرية الإسرائيلية “تمهد الطريق أمامكم لتحقيق حريتكم”.
ومع تصاعد المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل وتوسع نطاق الأهداف، يطرح الكثيرون تساؤلات حول الغاية الحقيقية لإسرائيل.
هل الهدف هو ببساطة إنهاء “تهديد النظام الإسلامي النووي والبالستي” كما أشار نتنياهو في أولى الغارات؟
أم أن هناك هدفاً أكبر، وهو إنهاء أي مفاوضات محتملة بين الولايات المتحدة وإيران حول اتفاق جديد، للحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات المؤلمة؟
هل قد تكون رسالته للإيرانيين عن تحقيق الحرية إشارة إلى محاولة إنهاء حكم رجال الدين في إيران؟
من الجنرالات إلى ترامب: من الذي يصغي إليه؟
تميزت مسيرة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة بتحذير العالم من المخاطر التي تمثلها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سواء عبر رسومات كاريكاتورية لقنبلة عرضها في الأمم المتحدة، أو من خلال تكراره على مدى العشرين شهراً الماضية أن إيران هي التهديد الأكبر.
الرؤساء الأمريكيون وقادة نتنياهو العسكريون نصحوه أكثر من مرة بعدم إصدار أوامر بضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه لم يمنح الضوء الأخضر، لكن حتى الإشارة التحذيرية كانت كافية.
وأكد مسؤول غربي أن “نتنياهو الآن منغمس بالكامل في اللعبة”، مشيراً إلى أن الهدف الرئيسي لإسرائيل هو شل البرنامج النووي الإيراني.
تمت إدانة هذا القرار على نطاق واسع من قبل دول في المنطقة، وكذلك من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث أكد مديرها العام رافائيل غروسي أنه “لا ينبغي أبداً استهداف المنشآت النووية، بغض النظر عن السياق أو الظروف”.
كما أدان خبراء قانونيون الضربات، مؤكدين أنها غير قانونية بموجب القانون الدولي.
ومع ذلك، يطرح الكثيرون تساؤلات حول ما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى لتحقيق الأهداف نفسها التي يسعى إليها مستشاروه وحلفاؤه المقربون.
تقول الدكتورة سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث: “بينما راهن نتنياهو شخصياً على تغيير النظام، فإن المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ملتزمة بإعاقة البرنامج النووي الإيراني بشكل جذري”
وتضيف: “قد يكون الهدف الثاني صعباً، لكنه قابل للتحقيق إلى حد ما، بينما يبدو أن تحقيق الهدف الأول أشد صعوبة خلال صراع متزايد الحدة”
تدمير البرنامج النووي الإيراني
وصف نتنياهو عملية إسرائيل بأنها ضربات استباقية لتدمير تهديد وجودي، مشيراً إلى أن إيران كانت “في الدقيقة التسعين” من تطوير قنبلة نووية، أي في اللحظات الأخيرة.
ردد الحلفاء الغربيون تصريحه بأنه لا ينبغي السماح لطهران بتجاوز هذا الخط، لكن تم التشكيك في جدول نتنياهو الزمني بصورة واسعة.
نفت إيران مراراً أنها قررت صنع قنبلة، وفي مارس، شهدت تولسي جابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، بأن مجتمع الاستخبارات الأمريكي “يواصل تقييمه بأن إيران لا تبني سلاحاً نووياً”.
قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أحدث تقرير ربع سنوي لها إن إيران قد جمعت ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60%، ما يُعد على مسافة تقنية قصيرة من درجة تصنيع الأسلحة (90%)، الأمر الذي قد يمكنها من صنع تسع قنابل نووية.
في هذه الأيام القليلة الأولى، تم استهداف 3 منشآت رئيسية في البرنامج النووي الإيراني: نطنز، أصفهان، فردو، حيث أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مصنعاً تجريبياً لتخصيب الوقود في نطنز قد دُمّر
شوف كمان: اكتشاف جثة شاب داخل سيارة في أكتوبر بجانب مسدس.. تفاصيل مثيرة تكشف اللغز
أفادت الوكالة أيضاً بأن أربعة “مبانٍ ذات أهمية كبيرة” تضررت في أصفهان، وتصف إسرائيل الأضرار التي لحقت بالمنشآت الإيرانية بأنها “كبيرة”، بينما تقول إيران إنها محدودة.
تضرب إسرائيل أيضاً “مصادر المعرفة” باغتيال ما لا يقل عن 9 علماء نوويين حتى الآن، بالإضافة إلى قائمة متزايدة من كبار القادة العسكريين، وتتوسع قائمة أهدافها لتشمل القواعد العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ والمصانع، لتشمل الآن المنشآت الاقتصادية والنفطية.
ترد إيران بقائمة متزايدة من الضربات الخاصة بها، بينما تتزايد الخسائر المدنية في كلا البلدين.
لكي تتعامل إسرائيل مع ضربة حاسمة للبرنامج النووي الإيراني الواسع، سيتعين عليها إلحاق أضرار جسيمة بفردو، ثاني أكبر مواقع إيران وأكثرها حماية، حيث يعتقد بعض الخبراء أن المجمع، الموجود على عمق تحت الأرض في جبل، هو المكان الذي خزّنت فيه إيران الكثير من اليورانيوم القريب من درجة تصنيع الأسلحة.
تقول تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية إن الهدف الحالي هو محاولة قطع الوصول إلى المنشأة.
وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تملك القنابل الخارقة للتحصينات اللازمة لتحطيم هذا الكم من الصخور، إلا أن سلاح الجو الأمريكي يمتلكها، والمعروفة باسم مول MOP – القنبلة الضخمة الموجهة بدقة بوزن 30 ألف رطل، ومع ذلك، سيظل الأمر في حاجة إلى العديد من الضربات على مدار أيام طويلة لإحداث أضرار جسيمة.
قال ريتشارد نيفو، المسؤول الأمريكي السابق والخبير الإيراني في مركز كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، لبرنامج “نيوز أور” في بي بي سي: “أعتقد أن السيناريو الأرجح هو أن يتصل نتنياهو بترامب ويقول: ‘لقد قمت بكل هذا العمل، وتأكدت من عدم وجود تهديد للقاذفات B-2 وللقوات الأمريكية، لكنني لا أستطيع إنهاء برنامج الأسلحة النووية'”
قال مسؤول غربي لي: “ما زال من غير الواضح أي اتجاه سيختاره الرئيس ترامب”
هل ما حدث يهدف إلى تعطيل محادثات السلام؟
يواصل ترامب التردد، ففي بداية الأسبوع الماضي، حث إسرائيل على التوقف عن تهديد إيران عسكرياً لأن الهجوم قد “يفسد الأمر” عندما يتعلق بالمفاوضات النووية مع إيران التي قال دائماً إنه يفضلها.
وبمجرد أن هاجمت إسرائيل، أشاد بالضربات ووصفها بأنها “ممتازة”، وحذر من أن “المزيد قادم”، لكنه تساءل أيضاً عما إذا كانت الضربات قد تساعد في دفع إيران نحو عقد صفقة.
ثم قال في منشور يوم الأحد على منصته “تروث سوشيال”: “سنشهد سلاماً قريباً بين إسرائيل وإيران! العديد من المكالمات والاجتماعات تجري الآن”
يشعر المفاوضون الإيرانيون حالياً بالشك في أن المحادثات، التي كان من المقرر استئنافها في العاصمة العمانية مسقط يوم الأحد، كانت كلها خدعة لإقناع طهران بأن هجوماً إسرائيلياً لم يكن وشيكاً، على الرغم من تصاعد التوترات، وجاءت الضربات الإسرائيلية العنيفة صباح الجمعة بمثابة مفاجأة لهم.
يرى آخرون أن التوقيت مهم، حيث تقول إيلي جرانميه، نائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “صُممت الضربات الإسرائيلية غير المسبوقة لقتل فرص الرئيس ترامب في إبرام اتفاق لاحتواء البرنامج النووي الإيراني”
وأضافت: “بينما يجادل بعض المسؤولين الإسرائيليين بأن هذه الهجمات تهدف إلى تعزيز النفوذ الأمريكي في المسار الدبلوماسي، إلا أنه من الواضح أن توقيتها وطبيعتها واسعة النطاق يهدفان إلى تعطيل المحادثات تماماً”
كان مسؤولون على علم بهذه المفاوضات قد أخبروني الأسبوع الماضي أن “الاتفاق كان قريب المنال”، لكن كل ذلك كان يعتمد على ابتعاد الولايات المتحدة عن مطالبها القصوى بأن توقف إيران جميع عمليات التخصيب، حتى من النسب الصغيرة جداً المتماشية مع برنامج مدني، واعتبرت طهران ذلك “خطاً أحمر”.
بعد انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 في ولايته الأولى، جزئياً تحت إلحاح متكرر من نتنياهو، ابتعدت إيران عن التزامها بالحد من التخصيب عند 3.67 %، وهي النسبة المستخدمة لإنتاج وقود لمحطات الطاقة النووية التجارية، وبدأت أيضاً في التخزين.
في هذه المحاولة الثانية، أعطى الرئيس الأمريكي إيران “60 يوماً” لعقد صفقة – وهي نافذة زمنية رأى وسطاء ذو خبرة ومعرفة في هذا المجال أنها صغيرة للغاية بالنسبة لقضية معقدة كهذه.
وهاجمت إسرائيل في اليوم الـ61
تقول الدكتورة وكيل: “قناة عُمان أُغلِقت في الوقت الراهن، لكن الجهود الإقليمية جارية لتهدئة الأوضاع وإيجاد مخارج”
مزاج نتنياهو ‘التشرشلي’
من وجهة نظر طهران، هذا التصعيد لا يتعلق فقط بمستودعات الأسلحة وأجهزة الطرد المركزي والصواريخ فرط الصوتية.
يقول فاليري نصر، أستاذ دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز ومؤلف كتاب “الاستراتيجية الكبرى لإيران” الصادر عام 2025: “إنهم يرون أن إسرائيل تريد، بشكل قاطع، تقليص قدرات إيران كدولة، ومؤسساتها العسكرية، وتغيير ميزان القوى بين إيران وإسرائيل بطريقة حاسمة، وربما الإطاحة بالجمهورية الإسلامية ككل، إن استطاعت”
لا يزال من غير الواضح كيف قد يتفاعل الشعب الإيراني مع هذا الأمر.
لسنوات، عانت الدولة التي يقطنها تسعون مليون نسمة، من آثار عقوبات دولية قاسية بالإضافة إلى فساد منهجي، واشتعلت الاحتجاجات عاماً بعد عام بسبب قضايا مثل التضخم المرتفع إلى البطالة، ونقص المياه والكهرباء إلى حماسة شرطة الأخلاق في تقييد حياة النساء.
في عام 2022، طالبت موجات احتجاج غير مسبوقة بمزيد من الحريات، وواجهتها حملة قمع شديدة.
يقيم نصر المزاج العام حالياً قائلاً: “ربما في البداية، عندما قُتل أربعة أو خمسة قيادات عسكرية غير محبوبة، ربما شعروا بشيء من الارتياح، لكن الآن تُستهدف مبانيهم السكنية، ويُقتل مدنيون، وتتعرض البنية التحتية للطاقة والكهرباء في البلاد للهجوم”
وأضاف: “لا أرى سيناريو يتجه فيه أغلبية الإيرانيين إلى الانحياز إلى معتدٍ ضد بلدهم بينما يقوم بقصفهم، وينظرون إلى ذلك بطريقة ما على أنه تحرير”
تصريحات نتنياهو تواصل التلميح إلى استهداف أوسع.
في يوم السبت، حذر نتنياهو من أن بلاده ستضرب “كل موقع وكل هدف تابع لنظام المرشد”.
وفي يوم الأحد، عندما سُئل تحديداً على قناة “فوكس نيوز” حول إن كان تغيير النظام جزءاً من الجهود العسكرية الإسرائيلية، أجاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه “يمكن أن يكون بالتأكيد نتيجة لأن النظام الإيراني في غاية الضعف”.
يقول أنشيل فايفر، مراسل “الإيكونوميست” في إسرائيل ومؤلف سيرة ذاتية عن نتنياهو: “إنهم يريدون استغلال مخاوف النظام من فقدان السيطرة كجزء من حربهم النفسية”
وأضاف: “يُجمع أعضاء الاستخبارات الإسرائيلية على أن التنبؤ بسقوط النظام الإيراني أو التخطيط له أمرٌ لا طائل منه، قد يحدث ذلك قريباً، أو بعد عشرين عاماً”
ومع ذلك، يعتقد فايفر أن تفكير رئيس الوزراء قد يكون مختلفاً، قائلاً: “أعتقد أن هناك احتمالاً معقولاً بأن نتنياهو، على عكس رؤساء أجهزة الاستخبارات لديه، يؤمن بالفعل بالرسالة؛ فهو في مزاج ‘تشرشلي’
بحلول مساء الأحد، بدأت التقارير تظهر في وسائل الإعلام الأمريكية، كل منها ينقل عن مصادره الخاصة، بأن الرئيس ترامب قد استخدم حق النقض “الفيتو” في الأيام الأخيرة ضد خطة إسرائيلية لاغتيال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، وبدأ الحديث عندما نشرت وكالة “رويترز” القصة لأول مرة نقلاً عن مسؤولين أمريكيين مجهولين.
هناك شخصيات إسرائيلية وُجه إليها سؤال عن أهدافهم، من بينهم وزير الخارجية جدعون ساعر ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، وقد أكد جميعهم أن تركيزهم لا ينصب على القيادة السياسية الإيرانية؛ لكن هنغبي استدرك بعبارة ختامية قائلاً “إن مفهوم ‘الوقت الحالي’ صالح لفترة محدودة”.
في النهاية، ستتشكل ملامح هذه النهاية من خلال مسار مواجهة خطيرة وغير متوقعة، ورئيس أمريكي غير متوقع.
يقول دانيال ليفي، رئيس مشروع الشرق الأوسط الأمريكي والمستشار السابق للحكومة الإسرائيلية: “يُعرّف النجاح أو الفشل إلى حد كبير بمدى إمكان جر الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة وحدها القادرة على أن تضع حداً نهائياً لهذا في المستقبل القريب من خلال تحديد النتائج والنهايات”