في صمت الليل، وبين أزقة حي السيدة زينب، انفجرت الفاجعة، دقيقة واحدة فقط كانت كفيلة بتحويل عقار مكوّن من خمسة طوابق إلى كومة من الأنقاض، تُغلفها رائحة الغبار والدم، وفي سباق مع الزمن، تحوّلت منطقة السيدة زينب إلى ما يشبه خلية نحل، حيث بذل رجال الحماية المدنية مجهودًا هائلًا في محاولة لإنقاذ أرواح العالقين تحت الأنقاض.

ممكن يعجبك: إضراب شامل يوقف حركة القطارات في هولندا يوم الجمعة احتجاجًا على الأجور
بينما كان الجيران يمدّون يد العون، وقفت العيون على حافة الدموع، تترقب أن يُبعث الأمل من تحت الركام، مشاعر متضاربة من الخوف والرعب والحزن اجتاحت أقارب الضحايا، وألسنتهم لا تكف عن الدعاء أن يُخرج لهم القدر أحبّاءهم على قيد الحياة.
يروي أحد سكان العقار المجاور تفاصيل اللحظة الأولى، قائلاً: “صحيت مفزوع على صوت خبط رهيب.. افتكرت في انفجار.. نزلت أجري لقيت الناس بتصرخ من تحت الأنقاض وبيعيطوا ويقولوا إلحقونا”، حاول الأهالي بكل ما أوتوا من قوة انتشال من يمكنهم إنقاذه قبل وصول رجال الإنقاذ، الذين وصلوا سريعًا وفرضوا كردونًا أمنيًا حول محيط العقار، فيما منعت قوات الشرطة الأهالي من الاقتراب حفاظًا على حياتهم.
من نفس التصنيف: التضامن تصرف 100 ألف جنيه ومعاش استثنائي لأسرة بطل إنقاذ حريق محطة البنزين
وعلى بعد خطوات من موقع الانهيار، كانت سيارات الإسعاف في وضع الاستعداد القصوى، جاهزة لنقل أي ناجٍ أو مصاب، بينما اصطفّت سيارات الإطفاء في الجانب المقابل، استعدادًا لأي طارئ قد ينجم عن الحادث الذي خلف وراءه مأساة إنسانية، و9 ضحايا، كان آخرهم شاب ووالدته جمعت بينهما النهاية تحت الركام كما جمعت بينهما الحياة.
كان الشاب “مسلم” في العقد الثالث من عمره، يعمل عامل توصيل بأحد المطاعم، يحمل على عاتقه مسؤولية إعالة والدته، وفي اللحظة التي انشق فيها جدار الحياة، سقط العقار ودفن “مسلم” تحت أنقاضه، ورغم الجهود المتواصلة من رجال الحماية المدنية، لم تكن النجاة حليفه، وبعد ساعات من انتشال جثمانه، وبينما لم تجف دموع أهله، تم العثور على جثمان والدته، لترتفع حصيلة الضحايا إلى 9 حالات وفاة.
لم تكن مأساة “مسلم” الوحيدة، ففي توقيت آخر، تمكنت فرق الإنقاذ من انتشال جثمان “سمير”، طالب الثانوية العامة، الذي ظل عالقًا أسفل الحطام لأكثر من 12 ساعة، قبل أن يُعلن عن وفاته وسط حالة من الصدمة بين أسرته وجيرانه الذين ظلوا يترقبون خبراً سعيداً لم يأتِ، ولم تقتصر الأضرار على الأرواح فقط، بل تحطّمت عشرات السيارات التي كانت متوقفة أسفل العقار، بعدما سقطت عليها كتل خرسانية ضخمة، إثر انهيار المبنى بالكامل.
وفيما كانت فرق الإنقاذ تنقّب تحت الركام، كانت النيابة العامة تنتقل إلى موقع الحادث لإجراء معاينة تفصيلية، وتبدأ تحقيقات موسعة للوقوف على أسباب الانهيار، بعدما تبيّن أن العقار انهار بشكل مفاجئ فجر الثلاثاء، ما أدى إلى مصرع 4 أشخاص وإصابة 6 آخرين في بداية الحادث، قبل أن ترتفع الأرقام تباعًا مع تقدم أعمال البحث والإنقاذ.
النيابة استمعت إلى أقوال شهود العيان، وأمرت بندب لجنة هندسية من محافظة القاهرة لفحص الحالة الإنشائية للعقار المنهار، والعقارات المجاورة للتأكد من صلاحيتها للسكن، كما قررت ندب مفتش الصحة لمناظرة جثامين الضحايا والتصريح بالدفن بعد إعداد التقارير الطبية اللازمة، وسماع أقوال المصابين الذين تم نقلهم إلى المستشفيات القريبة لتلقي العلاج.
ومع استمرار عمليات رفع الأنقاض، فرضت أجهزة الأمن كردونًا أمنيًا حول مكان الحادث، وأخلت العقارات المجاورة كإجراء احترازي، كما تم قطع المرافق من غاز وكهرباء ومياه عن محيط المنطقة لضمان سلامة الأهالي ومنع حدوث أية كارثة جديدة، ولا تزال الأجهزة المعنية تواصل أعمالها بحثًا عن مفقودين محتملين، وسط ترقب الأهالي، وقلوبهم معلقة بخيط أمل أخير، بينما تباشر النيابة العامة تحقيقاتها لكشف ملابسات الحادث.