بي بي سي.

مقال مقترح: سائق يتعرض للاحتجاز بعد قيادته عكس الاتجاه في البساتين
أفادت وسائل إعلام إيرانية بأن علي شمخاني، المستشار السياسي البارز للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، في حالة مستقرة بعد إصابته بجروح بالغة جرّاء ضربة إسرائيلية، وجاء ذلك بعد أيام من معلومات متضاربة حول مقتله، فمن هو شمخاني وما الذي نعرفه عن تدرجه في سلم الحكم في إيران؟
قال علي شمخاني في رسالة موجهة إلى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، الجمعة: “أنا على قيد الحياة ومستعد للتضحية بنفسي”، وجاء في رسالته: “النصر قريب، وسيُخلد اسم إيران في أعالي التاريخ كعادته”.
يُعتبر علي شمخاني (1955) من المؤسسين الأوائل للحرس الثوري الإيراني، ومن كبار قادته خلال الحرب الإيرانية-العراقية، حيث شغل منصب المستشار السياسي للمرشد الأعلى علي خامنئي، وكان أمينًا سابقًا للمجلس الأعلى للأمن القومي، وظل شخصية بارزة في المجالين العسكري والأمني في الجمهورية الإسلامية، وغالبًا ما وُصف بألقاب مثل القائد، والأدميرال، والاستراتيجي، والدبلوماسي، وكان يعتبر نفسه “ابن الثورة”، حيث صرح ذات مرة: “كل هويتي مستمدة من هذه الثورة، ولا زلت أعتبر نفسي جنديًا في صفوفها”.
يُعتبر شمخاني من الشخصيات “المعتدلة” في المؤسسة العسكرية، وأحد القلائل الذين بقوا فاعلين في ميادين السياسة والأمن والعسكر منذ بدايات النظام، لكن في السنوات الأخيرة، طغت ملفات تتعلق بأنشطة أقربائه الاقتصادية على تاريخه العسكري والسياسي، حيث أثارت وسائل الإعلام انتقادات واسعة حول “الثروة الأسطورية لأبنائه وحفل زفاف ابنته الباذخ في فندق إسبيناس بالاس في مايو 2024″، ولم يُسأل علنًا عن مصادر هذه الثروة أو نمط حياته الفاخر المزعوم، وفق تقرير لبي بي سي فارسي.
من جماعة “منصورون” إلى تأسيس الحرس الثوري
وُلد علي شمخاني عام 1955 في مدينة الأهواز، وهو عربي من محافظة خوزستان، وله أربعة أبناء، وكان ناشطًا سياسيًا ضد نظام الشاه قبل الثورة واعتقل عدة مرات، وفي عام 1975، شارك إلى جانب محسن رضائي، وغلام علي رشيد، ومحمد باقر ذو القدر، ومحمد جهان آرا، وإسماعيل دغاغي وآخرين في تأسيس جماعة “منصورون” المسلحة، حيث قُتل بعض أعضاء الجماعة قبل الثورة، وبعد انتصارها في 1979، ساهم شمخاني ورفاقه في تأسيس الحرس الثوري الإيراني.
وبحسب كتاب “الحركات والتنظيمات الدينية السياسية في إيران” لرسول جعفريان، نشأت جماعة منصورون في خوزستان حوالى عام 1971، وأعيد تنظيمها عام 1975 لتضم شخصيات مثل شمخاني ورضائي، قبل أن تتوسع لتشمل مدنًا أخرى كطهران، وأصفهان، وقم، وكاشان، وأراك.
نفّذت الجماعة عدة عمليات مسلحة في عامي 1977 و1978، وقال بعض أعضائها إنهم كانوا على تواصل مع رجال دين كبار عبر حسين راستي الكاشاني من رابطة مدرسي الحوزة العلمية في قم، وبعد الثورة، ساهم شمخاني في تأسيس “منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية” عبر دمج عدة مجموعات لمواجهة منظمة مجاهدي خلق، لكن بعد أمر الخميني بمنع العسكريين من الانخراط السياسي، انسحب شمخاني ومجموعته من المنظمة، التي تفككت لاحقًا بسبب الانقسامات الداخلية، قبل أن يُعاد إحياؤها عام 1991.
الحرس الثوري والقيادات العسكرية
كان شمخاني من مؤسسي الحرس الثوري وقادته الأبرز خلال الحرب الإيرانية-العراقية، حيث تولى قيادة فرع خوزستان، ثم أصبح نائب القائد العام للحرس الثوري بين عامي 1981 و1989، مع تولّيه في الوقت نفسه قيادة القوات البرية للحرس، ومنصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة لشؤون الاستخبارات والعمليات، كما شغل لفترة قصيرة منصب “وزير الحرس الثوري” في حكومة مير حسين موسوي، قبل أن تدمج الوزارة بوزارة الدفاع، ثم نُقل لاحقًا إلى الجيش النظامي حيث تولى قيادة البحرية بين 1989 و1997، إضافة إلى قيادته البحرية التابعة للحرس الثوري منذ عام 1990.
مقال له علاقة: ارتفاع سعر الريال السعودي أمام الجنيه بمقدار 22 قرشًا في 4 بنوك اليوم
“أبو الحسن بني صدر لم يكن خائنًا”
برز اسم شمخاني خلال الحرب بخطابه الشهير “أنقذونا!” الذي وجّهه للمسؤولين في بدايات الحرب، حيث قال: “أنقذونا! ما هذه المؤسسة الرسمية التي لا تملك حتى سلاحًا فرديًا؟ لم تُدرّبوا الحرس الشهداء… من بين 150 من حراس المحمرة، لم يبقَ سوى 30، يمكننا أن نصمد بثلاثين قذيفة هاون لثلاثة أشهر… شهداؤنا الذين سقطوا قبل 25 يومًا ما زالوا دون دفن، أنقذونا، نحتاج سلاحًا وإمدادات”، وفي كتابه المقتضب “أنقذونا!”، اعترف بأنه كان يفتقر للمعرفة العسكرية في تلك المرحلة، حيث لم يكن يعرف حتى معنى الأسهم على خرائط العمليات، وكان يظن أن رجلًا قوي البنية يحمل رشاشًا قادرًا على إسقاط طائرات عراقية، وأثار جدلًا بتصريحه أن “أبو الحسن بني صدر لم يكن خائنًا، بل كانت له رؤية مختلفة”، ما أزعج دوائر في النظام، وأوضح في الكتاب أنه كان على تواصل شخصي مع بني صدر، الذي كان ودودًا لكنه “لم يرسل سلاحًا أبدًا”، وأبو الحسن بني صدر هو أول رئيس للجمهورية الإسلامية في إيران بعد الثورة عام 1979، وأقيل من منصبه عام 1981 بسبب خلافات حادة مع رجال الدين، ثم عاش في المنفى بفرنسا حتى وفاته عام 2021.
الترشح للرئاسة والمناصب التنفيذية
بحسب مذكرات هاشمي رفسنجاني، ترشح شمخاني للانتخابات الرئاسية عام 2001 “بتشجيع من قادة الحرس”، حيث نال رتبة الأدميرال عام 1999، ووسام “الفتح” ثلاث مرات من المرشد الأعلى، تولى وزارة الدفاع في عهد الرئيس محمد خاتمي، وحصل عام 2000 على وسام الملك عبد العزيز من السعودية، وهو أعلى وسام سعودي، ترشح عام 2001 في مواجهة خاتمي، لكنه نال أقل من مليون صوت (نحو 2.5٪) وخسر بفارق كبير، ورغم خيبة أمل الإصلاحيين، بقي في منصبه وزيرًا للدفاع.
أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي والعودة إلى الواجهة
ومن أبرز الأحداث التي شهدها عهده: إسقاط الطائرة الأوكرانية على يد الحرس الثوري، احتجاجات ديسمبر 2017، نوفمبر 2019، صيف 2021، واحتجاجات مهسا أميني في 2022، وموجات احتجاجات نقابية وطلابية، حيث حاول شمخاني تبرئة قادة الحرس في أزمة الطائرة الأوكرانية، قائلًا إن الأمر يعود إلى “وحدة خارجة عن السيطرة”، واصفًا الحدث بأنه “ألم غير مسبوق لقيادة الحرس”، كما قلل من أهمية احتجاجات 2017، واعتبرها “محدودة جدًا”، متهمًا السعودية ودولًا أخرى بالتحريض الإلكتروني، أما في 2019، فاتهم المعارضة بتزوير أعداد الضحايا، وفي مارس 2023، لعب دورًا محوريًا في استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، ومع تولي إبراهيم رئيسي الرئاسة عام 2021، راجت شائعات متكررة عن استقالته، حتى أُعلن في مايو 2023 عن تعيين علي أكبر أحمديان بديلًا له، لتنتهي بذلك فترة استمرت عقدًا من الزمن، وفي الوقت نفسه، عيّنه خامنئي عضوًا في مجمع تشخيص مصلحة النظام ومستشارًا سياسيًا، ليبقى داخل دائرة النظام.
وسط مسيرته الطويلة في الأمن والسياسة والعسكر، ظل الجدل قائمًا حول “الثروة الأسطورية” لعائلة شمخاني، مع تداول واسع لصور منازل فاخرة منسوبة إليه وإلى صهره، حيث رد شمخاني وحلفاؤه بأن هذه الاتهامات مدفوعة سياسيًا، ولم يعلّق علنًا على أي من هذه المزاعم، بينما يُقال إن ابنه، حسين شمخاني، يدير شركة “أدميرال شيبّينغ”، وفي فبراير 2022، أثار احتجاز سفينة تدعى “كابل” تابعة للشركة ضجة إعلامية، حيث أفادت وكالة إيلنا أن “إخوة شمخاني” يمتلكون الشركة، فيما أعلنت وكالة فارس لاحقًا أن العائلة رفعت دعوى قضائية ضد إيلنا، وفي مايو 2024، نشرت صحيفة “جمهوري إسلامي” افتتاحية طالبت فيها شمخاني بأن “يختار بين ممارسة التجارة أو البقاء في هرم السلطة”، مشيرة إلى أنه يعتبر الأنشطة الاقتصادية لنفسه ولـ”أبناء الجبهة والحرب” مباحة بل ومحمودة.
بحسب معلومات نشرتها خدمة الرصد الإعلامي في بي بي سي، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية في 4 فبراير الماضي بيانًا أعلنت فيه مسؤوليتها عن محادثات الملف النووي، ردًا على تقارير إعلامية تشير إلى علي شمخاني بصفته مسؤولًا عن هذا الملف، حيث أكدت وزارة الخارجية أنه “لم يطرأ أي تغيير” وأنها لا تزال “مسؤولة عن إجراء المحادثات والمفاوضات بشأن الملف النووي كما كانت في السابق”، وأضاف البيان: “من البديهي أن المجلس الأعلى للأمن القومي سيواصل تحديد استراتيجية التفاوض والتنسيق بين الجهات المعنية”، ويأتي هذا البيان بعد أن أشار موقع منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في الثالث من فبراير إلى علي شمخاني، باعتباره “الشخص المسؤول عن الملف النووي الإيراني”، حيث نشر الموقع الرسمي للحكومة الإيرانية تقارير عن زيارة شمخاني لمعرض “أحدث الإنجازات في الصناعة النووية”، مُشيرين إليه باعتباره المسؤول عن الملف النووي الإيراني، وكانت مسؤولية المحادثات الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني تقع سابقًا على عاتق المجلس الأعلى للأمن القومي، ولكن نُقلت إلى وزارة الخارجية عام 2013، حيث شغل شمخاني منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي من عام 2013 إلى عام 2023.