لماذا يفضل السوريون في الأردن البقاء بعيدًا عن وطنهم بعد رحيل الأسد؟

(بي بي سي).

لماذا يفضل السوريون في الأردن البقاء بعيدًا عن وطنهم بعد رحيل الأسد؟
لماذا يفضل السوريون في الأردن البقاء بعيدًا عن وطنهم بعد رحيل الأسد؟

“أحن لسوريا، لكن عندما أفكر في العواقب أقول لنفسي: خليني هون أحسن”، هذا ما قالته اللاجئة السورية في الأردن ريهام، معبرة عن رفضها للعودة إلى وطنها في الوقت الراهن أو في المستقبل القريب، وهذا الأمر يتكرر أيضاً مع اللاجئة السورية رانيا التي أكدت: “لا شيء يشجعني على العودة”

بعد سقوط نظام عائلة الأسد في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، شهدت حركة عودة اللاجئين السوريين من مختلف دول العالم، بما في ذلك الأردن، تسارعاً ملحوظاً، إلا أن بعض اللاجئين لا يزالون مترددين في اتخاذ تلك الخطوة والانتقال من حالة اللجوء إلى المواطنة.

تقرير “الاتجاهات العالمية” الذي يصدر سنوياً عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أشار إلى أن الجانب الإيجابي الوحيد هو انتعاش العودة الطوعية إلى الوطن، خاصة إلى سوريا، حيث بلغ عدد اللاجئين العائدين إلى سوريا منذ سقوط حكم الأسد وحتى 12 يونيو/حزيران 577,266 لاجئاً، ومن بينهم أكثر من 86 ألف لاجئ سوري عادوا من الأردن إلى وطنهم.

في فبراير/شباط الماضي، نشرت المفوضية مسحاً إقليمياً حول تصورات اللاجئين السوريين في أربع دول، منها الأردن، بشأن العودة إلى سوريا، حيث أبدى 27 في المئة فقط من اللاجئين السوريين المشاركين في المسح نيتهم العودة خلال 12 شهراً مقبلة، مقارنة بـ 1.7 في المئة في مسح العام الماضي.

“بيتي على الأرض”

1_1_11zon

تنحدر ريهام، وهو اسم مستعار، من قرية خربة غزالة في محافظة درعا، لكنها كانت تعيش في مخيم اليرموك قرب دمشق قبل أن تصل إلى الأردن مع أفراد من عائلتها في 2013، بعد اندلاع “الثورة السورية”، وعاشت ريهام (39 عاماً) في مخيم الزعتري شمالي الأردن، بعد أن فقدت زوجها برصاص قناص خلال أحداث العنف في سوريا، وكان لديها طفلان اصطحبتهما إلى الأردن بحثاً عن الأمان.

بعد أكثر من عقد من اللجوء وما يتضمنه من معاناة، لا تفكر ريهام في العودة لبلادها بعد سقوط حكم الأسد، وتتساءل: أين سأسكن؟ “ما عندي بيت، وما عندي مصاري (مال) … بيتي في مخيم اليرموك قرب دمشق على الأرض بعد دماره بشكل كامل خلال الحرب، ومنطقة سكني لا يوجد بها أحد”، هكذا تروي ريهام لبي بي سي

66 في المئة من اللاجئين السوريين في الأردن يرون أن المخاوف بشأن توافر الممتلكات تمنعهم من العودة خلال العام.

2_2_11zon

أما رانيا الخالدي (45 سنة) من مدينة حلب، فقد وصلت إلى عمّان في 2012، بعد عام من اندلاع “الثورة”، وهي لا تبدي رغبة في العودة لوطنها لأسباب عديدة، حيث تعيل رانيا عائلتها بعد وفاة زوجها منذ عام، من خلال إكمال عمله في مجال صنع الصابون الذي تشتهر به حلب، وتقوم ببيعه في عمّان، وتقول: “بيتي ومشغل زوجي الخاص بالصابون في حلب مدمران بشكل كامل”

“أولادي متعلقون بالأردن”

3_3_11zon

تضيف رانيا: “لا شيء يشجعني على العودة، وأولادي متعلقون بالأردن… جميع أقاربي في حلب غير موجودين بسبب الوفاة أو السفر والشتات”، كما أشارت إلى دراسة أولادها في الأردن، بينما تشير ريهام إلى أن نجلها يدرس في الجامعة في تخصص الأمن السيبراني، والآخر يدرس في الصف العاشر، وترى ريهام أن التعليم في سوريا ليس جيداً، مضيفةً: “لا يوجد في سوريا تخصص أمن سيبراني حتى يكمل ابني دراسته، ولا توجد وظائف مناسبة لتخصصه الدراسي”

41 في المئة من اللاجئين السوريين بالأردن المشاركين في المسح، عبروا عن أن المخاوف بشأن توافر الخدمات، مثل الصحة، والتعليم، والمياه، والكهرباء، والبنية التحتية، تمنعهم من العودة لبلادهم خلال العام، كما تتواصل ريهام مع أشخاص في سوريا يخبرونها بمشاكل حالية تتعلق بالكهرباء والمياه.

أما أحمد نعسان الذي يسكن عمّان، فقد عبر لبي بي سي عن قلقه من عدم توافر المستلزمات الطبية للعلاج والرعاية الصحية.

مخاوف أمنية

لا يرى أحمد (55 عاماً) الذي وصل إلى الأردن عام 2012، أن السلم الأهلي متوافر في سوريا ومنطقته في ريف دمشق، مما يثير المخاوف لديه، وتتشارك ريهام مع أحمد في المخاوف الأمنية، متحدثة عن “وجود اغتيالات وقتل” وتصفية حسابات في بلادها، وتشكل المخاوف المتعلقة بالسلامة والأمن مانعاً لنحو 51 في المئة من المشاركين في المسح في الأردن، من العودة لسوريا خلال عام.

“مهنتي تعد من الكماليات في سوريا”

4_4_11zon

يعمل أحمد في فن الأرابيسك والمشغولات اليدوية الخاصة بهذا الفن، ويبيع أعماله، ويدرب آخرين في هذا المجال، ولديه مشغل في عمّان، ويقول: “لا أفكر في العودة… وقد تعرض بيتي ومشغلي في سوريا للدمار”، ويضيف: “مهنتي تعد في سوريا حالياً من الكماليات، لأن سوريا في مرحلة البناء”

يبدو على أحمد التعلق بالأردن، ويشير إلى أنه لا يسعى إلى قطع ارتباطه بالأردن حتى في حال عودته، وتشكل التحديات الاقتصادية في سوريا مانعاً لـ36 في المئة من المشاركين في المسح في الأردن، من العودة لسوريا خلال العام، حيث تعمل السلطات السورية الجديدة، بعد رفع عقوبات غربية عن البلاد، على دفع عجلة التعافي الاقتصادي تمهيداً لبدء مرحلة الإعمار الذي تقدّر الأمم المتحدة كلفته بأكثر من 400 مليار دولار، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس.

في نهاية يناير/كانون الثاني، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي المجتمع الدولي إلى دعم إعادة الإعمار في سوريا لتسهيل عودة ملايين اللاجئين والنازحين إلى ديارهم.

قرار “طوعي”

5_5_11zon

ماريا ستافروبولو، ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، أكدت لبي بي سي أن قرار العودة للاجئين هو طوعي ويعود للاجئ نفسه، وتحدثت ستافروبولو عن نوعين من المخاوف، الأول يتعلق بالاستقرار والأمن، والثاني يتعلق بالظروف الاقتصادية وفرص كسب العيش، والحصول على الخدمات الأساسية، حيث يعتمد الأمر على المكان الذي يقصدونه، ومدى شعورهم بالأمان الكافي، وما هو متاح لهم من خدمات أساسية.

“تهيئة الظروف”

6_6_11zon

الأردن، الذي يشترك مع سوريا في حدود برية تمتد إلى نحو 375 كيلومتراً، يضغط من أجل “ضرورة الاستمرار في دعم اللاجئين والمنظمات التي تعنى بهم والدول المستضيفة، بالتزامن مع العمل المكثّف على تهيئة البيئة التي تتيح عودتهم الطوعية إلى بلدهم”، وفق تصريح لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وهو الأمر الذي تطرق له العاهل الأردني عبدالله الثاني في فبراير/شباط الماضي، عندما بحث مع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في عمّان “تهيئة الظروف من أجل عودة اللاجئين السوريين”.

المفوضية أكدت في أبريل/نيسان عدم تخطيطها لإغلاق مخيمي الأزرق والزعتري، وهما أكبر مخيمين للاجئين السوريين في الأردن، حيث يسكن في المخيمين قرابة 108 آلاف لاجئ سوري، ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن 534,694 منهم 111 ألف في 4 مخيمات للاجئين، وفق سجلات المفوضية في مطلع الشهر الحالي.

7_7_11zon

عمّان تقول إنها تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع النزاع في البلد المجاور، وذلك في ظل وجود عدد كبير من اللاجئين غير المسجلين لدى الأمم المتحدة.

مبادرة لتوفير خدمات نقل مجانية

8_8_11zon

المفوضية تتوقع عودة قرابة 1.5 مليون لاجئ سوري من الخارج، منهم 200 ألف من الأردن بحلول نهاية 2025، وأطلقت المفوضية في يناير/كانون الثاني 2025 مبادرة لتوفير المواصلات، وفق حديث الناطق الإعلامي للمفوضية في الأردن يوسف طه، الذي أكد أن برنامج النقل التابع للمفوضية يوفر خدمات نقل مجانية للاجئين السوريين الذين يتقدمون بطلبات للعودة الطوعية إلى سوريا، وقدمت المفوضية حتى الآن مساعدة في النقل لقرابة 2800 لاجئ، كما تقدم استشارات للعودة، تشمل مشاركة معلومات مُحدثة ومُوثّقة حول الأوضاع في مناطق العودة، وتقديم المساعدة القانونية، وضمان الدعم عند المعابر الحدودية، وتهدف هذه الجهود إلى مساعدة اللاجئين على اتخاذ قرارات مستنيرة والعودة بطريقة تحفظ حقوقهم وسلامتهم، كما تشمل الخدمات فحوصات طبية قبل المغادرة، واستشارات فردية حول الأوضاع في سوريا، وحول مراكز المفوضية المجتمعية والخدمات المتاحة للعائدين في سوريا.