5 أيام من الهدوء.. كيف انتهت حرب إيران وإسرائيل برسالة شكر للتعاون؟

يُستخدم مصطلح “أيام الحمائم” من قبل بعض الباحثين في العلاقات الدولية للإشارة إلى الفترات التي تشهد هدوءًا نسبيًا أو تواصلًا دبلوماسيًا بين أطراف متصارعة، على الرغم من تصاعد الأحداث في العلن، وفي هذا السياق، يوضح الدكتور عبد الوهاب المسيري، المفكر وأستاذ علم الاجتماع، في كتابه “الحمائم والصقور والنعام”، أن مصطلح “الحمائم والصقور” ينقسم إلى شقين، حيث تعكس “الحمائم” سياسة ضبط النفس الاستراتيجي والاعتدال، بينما يشير “الصقور” إلى التشدُّد واستخدام القوة.

5 أيام من الهدوء.. كيف انتهت حرب إيران وإسرائيل برسالة شكر للتعاون؟
5 أيام من الهدوء.. كيف انتهت حرب إيران وإسرائيل برسالة شكر للتعاون؟

قبل أن تتوقف الحرب بشكل مفاجئ بين إيران وإسرائيل، كانت الأوضاع في الإقليم تنذر بانفجار واسع، وشهدت المنطقة حالة من التوتر الشديد، رافقها تبادل مكثف للضربات والتصريحات النارية، إلا أن هناك أمورًا كانت تدور خلف الكواليس لتخفيف التصعيد أو ربما للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وخلال الأيام الخمسة التي سبقت إعلان وقف إطلاق النار، جرت تحركات غير معلنة تُرجمت لاحقًا على أنها مؤشرات واضحة على أن نهاية الحرب قد كُتبت قبل إطلاق الصاروخ الأخير، ويعزز ذلك ما أشار إليه عدد من الخبراء حول وجود تنسيق مسبق بين طهران وواشنطن.

في هذا السياق، نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين يوم الاثنين، أن إيران نسّقت هجماتها على قاعدة العديد الأميركية في قطر مع مسؤولين قطريين، موضحة أن طهران قدمت “إشعارًا مسبقًا” لتقليل حجم الخسائر المحتملة، وأوضح المسؤولون أن “إيران كانت بحاجة، من الناحية الرمزية، إلى الرد على الولايات المتحدة”، لكنها حرصت في الوقت نفسه على تنفيذ الضربة بطريقة تمنح جميع الأطراف فرصة لتجنّب التصعيد.

نستعرض في السطور التالية أبرز ما دار في الأيام الخمس الأخيرة من حرب إسرائيل وإيران، وذلك قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف إطلاق النار بين البلدين.

قاعدة العديد شبه خالية

في الأيام الخمسة التي سبقت التهدئة، وبالتحديد يوم الخميس 19 يونيو، كشفت صور الأقمار الصناعية عن سحب عشرات الطائرات العسكرية الأميركية من مدرج قاعدة العديد الجوية في قطر، وذلك بين 5 و19 يونيو 2025، فالقاعدة، التي تُعد من أبرز المواقع العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، ظهرت شبه خالية، إذ لم يتبقَّ فيها سوى ثلاث طائرات نقل، من أصل نحو أربعين.

صورة. 11

وأكدت وزارة الخارجية القطرية لاحقًا في بيان صدر يوم الاثنين لإدانة الهجمات الإيرانية على القاعدة الأمريكية الموجودة على أراضيها، أن القاعدة “كانت قد أُخليت مسبقًا ضمن الإجراءات الأمنية والاحترازية المعتمدة، في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة”، مضيفة أنه “تم اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان سلامة العاملين في القاعدة، من القوات المسلحة القطرية والقوات الصديقة وغيرهم”.

اليورانيوم المخصب يُنقل لمواقع بعيدة

بالتوازي مع هذه التطورات، التقطت أقمار صناعية تابعة لشركة “ماكسار تكنولوجيز” الأميركية نشاطًا غير معتاد قرب منشأة فوردو النووية الإيرانية، حيث أظهرت الحركة الكثيفة للشاحنات والمركبات، التي رُصدت يومي الخميس والجمعة، استعداد إيران لنقل مواد حساسة.

صورة 2 _

أكد مصدر إيراني لوكالة “رويترز” أن اليورانيوم المخصب بنسبة 60% قد تم نقله بالفعل من المنشأة، كما تم تقليص عدد العاملين فيها، تحسبًا لهجوم متوقع.

أمريكا تضرب فوردو

وفي فجر الأحد، نفذ الجيش الأميركي هجومًا جويًا استهدف منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، في عملية وُصفت بأنها “واسعة ودقيقة”، إذ صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدها بأن الهجوم تم بنجاح وأن “جميع الطائرات عادت بسلام”، موجهًا التحية للقوات المسلحة.

صورة 3. _

رغم حجم العملية، أكدت طهران لاحقًا أن المنشآت النووية لم تتعرض لأضرار كبيرة، ولم ينتج عن العملية أي إشعاع، فيما أوضحت المملكة العربية السعودية ودول الخليج أنه لم يتم رصد أي تلوث إشعاعي في أجوائها.

إيران تقصف قاعدة “العديد”

رد طهران لم يتأخر، مساء الإثنين 23 يونيو، أعلنت إيران تنفيذ عملية “بشائر الفتح”، عبر إطلاق صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى على قاعدة العديد الجوية في قطر، ووصفتها بأنها “مركز القيادة المركزية الأميركية في المنطقة”.

صورة 4

ورغم حدة التصريحات الإيرانية، إلا أن المعلومات المسرّبة من واشنطن أكدت أن البيت الأبيض كان على علم مسبق بالهجوم، ما يفسر خلو القاعدة من الطائرات والجنود، وعلى إثر ذلك الهجوم الذي استهدف القاعدة الأمريكية بقطر، جاء رد الخارجية القطرية واضحًا: “ندين بشدة الهجوم الإيراني على قاعدة العديد، ونعتبره انتهاكًا صارخًا لسيادتنا”، مع التأكيد أن القاعدة كانت قد أُخليت مسبقًا وأن سلامة الأفراد تم تأمينها.

إعلان بإنهاء الحرب

عقب الهجوم الإيراني على القاعدة، مساء الإثنين، نشر ترامب تغريدة على منصة “تروث سوشيال” قال فيها: “رد إيران ضعيف للغاية، أسقطنا 13 من أصل 14 صاروخًا، وشكرًا لإيران على إبلاغنا مسبقًا… لم يُصب أحد، ونأمل في سلام دائم”.

صورة 5

ومع انتهاء اليوم نفسه (الإثنين) وبالتزامن مع أولى ساعات يوم الثلاثاء، أعلن ترامب رسميًا وقف إطلاق النار الكامل بين إيران وإسرائيل، موضحًا أن التنفيذ سيتم على مرحلتين، تبدأ بإيران ثم إسرائيل خلال 12 ساعة، يعقبها إعلان نهائي بإنهاء الحرب.

ما بين النار والحمائم

يشير محمود جابر، المتخصص في الشأن الإيراني، إلى أن اللافت في الأمر أن كل ما جرى خلال الأيام الخمسة لم يكن تصعيدًا تقليديًا بقدر ما كان عملية ضبط محسوبة للغضب والردع السياسي، وأشار جابر في تصريحات لـ”نبأ العرب”، إلى أن إيران ردّت دون أن تتجاوز “الخطوط الحمراء”، وأميركا ضربت دون نية في إشعال نزاع شامل قد يجرها إلى حرب طويلة، هكذا كانت قصة الأيام الخمس الأخيرة التي سبقت وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب رسميًا، بداية من تحركات لإخلاء قاعدة العديد إلى تغريدة ترامب بعد القصف الإيراني على القاعدة: “شكرًا لإيران على إبلاغنا مسبقًا”.