كيف أصبحت مراكز توزيع المساعدات الإنسانية في غزة ساحة للقتل؟

“إنها ساحة للقتل: الجنود الإسرائيليون تلقوا أوامر بإطلاق النار عمدًا على غزيين عُزل ينتظرون الحصول على مساعدات إنسانية، بهذا العنوان نشرت صحيفة هآرتس العبرية تقريرًا مطولًا يتضمن شهادات جنود إسرائيليين حول أوامر بإطلاق النار على مدنيين قرب مراكز توزيع المساعدات في غزة، خلال الشهر الماضي بهدف طردهم أو تفريقهم على الرغم من عدم تشكيلهم أي تهديد

كيف أصبحت مراكز توزيع المساعدات الإنسانية في غزة ساحة للقتل؟
كيف أصبحت مراكز توزيع المساعدات الإنسانية في غزة ساحة للقتل؟

ونقلت الصحيفة عن أحد الجنود وصفه للوضع بأنه “انهيار تام للقواعد الأخلاقية داخل الجيش الإسرائيلي”، موضحة أن إحصاءات السلطات الصحية في غزة تشير إلى استشهاد 549 شخصًا قرب مراكز توزيع المساعدات، في المناطق التي كان ينتظر فيها السكان وصول شاحنات الأمم المتحدة المحمّلة بالغذاء منذ 27 مايو، فيما تجاوز عدد المصابين أربعة آلاف، من جانبها، لم تُعلن إسرائيل أي أرقام رسمية حول عدد الضحايا.

1_1_11zon

وقالت هآرتس إن المدّعي العام العسكري الإسرائيلي أصدر توجيهات لوحدة مختصة داخل الجيش بفتح تحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب قرب مواقع توزيع المساعدات، مضيفة أن “منظمة غزة الإنسانية” تدير 4 مواقع لتوزيع الغذاء، ثلاثة في جنوب غزة ومركز واحد في وسطها، يعمل بها عمال أمريكيون وفلسطينيون، بينما يقتصر دور الجيش الإسرائيلي على تأمين محيطها من مسافة بضعة مئات من الأمتار.

ووفقًا للصحيفة، يتردد على هذه المراكز آلافُ الغزيين يوميًا، وأحيانًا عشراتُ آلاف، للحصول على مساعدات غذائية، لكن الواقع يظهر فوضى عارمة في نقاط التوزيع، حيث يتدافع المتجمهرون نحو أكياس الغذاء، بعيدًا عن المنهج المنظم الذي وعدت به المنظمة.

ورصدت هآرتس 19 حادثة إطلاق نار بالقرب من مراكز توزيع الغذاء التابعة للمنظمة، مشيرة إلى أن هوية مطلقي النار لم تكن دائمًا واضحة، لكنها شددت على أن الجيش الإسرائيلي لا يسمح بوجود عناصر مسلحة تابعة له في تلك المناطق دون تنسيق مسبق.

وتفتح المراكز أبوابها لساعات قليلة صباحًا فقط لمدة ساعة واحدة يوميًا، إذ قال ضباط وجنود خدموا في هذه المستويات إن الجيش يطلق الرصاص على من يقترب قبل أو بعد هذا الوقت لتفريقهم، وأضافوا أن بعض حوادث إطلاق النار وقعت خلال الليل، مما قد يشير إلى عدم رؤية المدنيين الحدود المرسومة بوضوح جراء الظلام.

أحد الجنود روى: إنها ساحة للقتل.. لقد رأيت يوميًا ما بين شهيد إلى خمسة شهداء من الغزيين.. يتم التعامل معهم كقوة معادية، لا توجد وسائل تفريق مثل الغاز المسيل للدموع، فقط الرصاص الحي والرشاشات الثقيلة وقذائف الهاون، ما إن يفتح المركز أبوابه حتى يتوقف إطلاق النار، وسيلتنا الوحيدة في التواصل هي الرصاص

2_2_11zon

وأبلغ جنود لدى هآرتس أن الجيش يمنع عرض أي لقطات أو تسجيلات لما يحدث حول المراكز، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، وأوضحوا أن تواجد منظمة غزة الإنسانية ساعد في منع انهيار الشرعية الدولية لاستمرار العمليات العسكرية داخل القطاع.

وقال جندي آخر إن الجيش الحوّل قطاع غزة إلى “فناء خلفي” منذ بدء المواجهة مع إيران، مضيفًا: لم تعُد غزة محل اهتمام أحد؛ فقد أصبحت مكانًا تُخسر فيه حياة الإنسان بلا اعتبار، ولا تُعدّ الحوادث موتًا يستدعي الالتفات

في حادث منفصل شهد وسط القطاع، استشهاد عشرات الأشخاص خلال إطلاق نار بالقرب من مركز مساعدات تابع للمنظمة، ضمن سجل من الحوادث المماثلة.

أكدوا أن الأوامر بإطلاق النار جاءت من القادة العسكريين مباشرة، رغم أن المحتشدين كانوا بلا أسلحة ولا يشكلون تهديدًا.

جندي إسرائيلي وصف المكان بأنه “حقل قتل”، وقال: في موقعي، كان يُقتل من واحد إلى خمسة أشخاص يوميًا، ولا تُستخدم وسائل تفريق، فقط أسلحة ثقيلة، رشاشات، قاذفات قنابل، وقذائف هاون

وأضاف ضابط أنه: لواء قتالي ليس مجهزًا للتعامل مع المدنيين في مناطق حرب، استخدام قذائف هاون لإبعاد الجياع ليس احترافيًا ولا إنسانيًا

وأعلنت هآرتس أن المدعي العسكري العام كلف آلية تقييم الحقائق التابعة لهيئة الأركان بمراجعة الحوادث للتحقق من الانتهاكات المحتملة لقوانين الحرب.

من جانبه، أصدر الجيش الإسرائيلي بيانًا ينفي فيه تلقي أي أوامر بإطلاق النار على المدنيين، موضحًا أن توجيهاته تحظر الهجمات المتعمدة على سكان غير مسلحين.

كما نشر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس بيانًا وصف فيه التقارير بأنها “فرية دم” و”أكاذيب شريرة” تستهدف تشويه سمعة الجندي الأخلاقي، مؤكدَين أن الجيش يعمل في ظروف معقدة لمواجهة “عدو إرهابي” يختبئ خلف المدنيين.

وأشار البيان إلى أن الجيش قد حظر إيذاء المدنيين الأبرياء، وأنه يدعو دولًا ديمقراطية وواعية للوقوف إلى جانبه في مواجهة ما وصفه بالإرهاب.

وذكرت هآرتس أن وزارة الخارجية الأمريكية وافقت على تمويل قدره 30 مليون دولار لمنظمة “غزة الإنسانية”، وهي المساهمة الحكومية الأمريكية الأولى المعلنة لها، وتستخدم المنظمة شركات أمريكية خاصة في عملياتها اللوجستية، بينما يكفل الجيش الإسرائيلي حماية محيط مواقع التوزيع.

3_3_11zon

عقب نشر التقرير، طالبت حركة حماس الأمم المتحدة بإنشاء لجنة دولية للتحقيق في “جريمة قتل المدنيين المنتظرين عند مراكز المساعدات”، مشيرة إلى سقوط حوالي 570 شهيدًا حتى تلك اللحظة.

ووصفها البيان بأنها “آلية إبادة” تُستخدم بعد تجويع السكان وطالت الترسانة الأسطورية للعدوان على المدنيين، حسب زعمهم.

منذ 7 أكتوبر 2023، ومنذ انطلاق ما يُعرف بـ “طوفان الأقصى”، تنفذ إسرائيل ما تصفه بحرب إبادة تجاه القطاع، تشمل القتل والتدمير والإجبار على التهجير، في ظل تجاهل دولي وأوامر أصدرتها المحكمة الدولية.

ووفق إحصاءات متداولة، خلف العدوان أكثر من 189 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب 11 ألف مفقود، وملايين المشردين ونازحين، ومجاعة أودت بحياة المئات.

بالرغم من التوصل إلى وقف إطلاق نار في 15 يناير بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية، عاودت إسرائيل الهجوم في مارس، وأعادت فرض حصار شامل منع دخول الأدوية والغذاء.

وفي أواخر مايو، بدأ برنامج توزيع مساعدات بقيادة “غزة الإنسانية”، مدعومًا من واشنطن وتل أبيب، لكن عمليات القتل أثناء محاولة السكان الوصول للمراكز استمرت، وأسفرت حتى الآن عن سقوط عشرات القتلى من المدنيين.