من عامل اليومية إلى طالب العلم.. قصص مؤثرة يرويها الناجون وأسرهم عن حادث الطريق الإقليمي

المنوفية – أحمد الباهي:

من عامل اليومية إلى طالب العلم.. قصص مؤثرة يرويها الناجون وأسرهم عن حادث الطريق الإقليمي
من عامل اليومية إلى طالب العلم.. قصص مؤثرة يرويها الناجون وأسرهم عن حادث الطريق الإقليمي

سادت أجواء من الحزن بين الأسر في المنوفية، بعد أن تحولت رحلة عمل يومية إلى مأساة مروعة، إثر حادث انقلاب سيارة أجرة ميكروباص على الطريق الإقليمي اليوم السبت، مما أسفر عن وفاة 9 أشخاص وإصابة 11 آخرين، وقد كشفت شهادات الناجين وأهالي الضحايا والمصابين عن تفاصيل مؤلمة تتعلق بهذا الحادث.

أول يوم شغل لصلاح

بصوت مليء بالألم، تحدث والد الطفل صلاح هلال زقزوق (15 عامًا)، أحد مصابي الحادث، لموقع “نبأ العرب”، كاشفًا أن نجله كان في طريقه إلى العمل بمركز وادي النطرون، في أول يوم له في العمل.

وتابع الأب قائلاً: “ابني صلاح خرج في الصباح، وجاءني اتصال بعد ذلك يخبرني بأنه أصيب وحالته خطيرة، وعنده نزيف في المخ”، وذكر أنه لم يتمكن من التعرف على نجله عندما رآه في غرفة العناية المركزة بسبب التورم الكبير في الرأس جراء الاصطدام والنزيف.

وأضاف: “أنا رجل على باب الله أجمع البلاستيك وأبيعه، وابني البالغ من العمر 15 عامًا ينزل للعمل في الإجازة لمساعدتي، لكن للأسف خرج ولم يعد”.

وأوضح أصدقاء صلاح أن الفتى كان يعمل سابقًا في مخبز، لكن الأجر لم يكن جيدًا، ورغب في تحسين دخله، فقرر العمل في مزرعة للدواجن بوادي النطرون بأجر يومي قدره 200 جنيه، فاستقل السيارة الميكروباص من أشمون في رحلة لم تكتمل.

شريف عامل يومية ترك 4 أطفال

في مشهد مؤلم، أنهت أسرة الشاب شريف محمود إبراهيم (38 عامًا) إجراءات دفنه بمستشفى الباجور التخصصي، تمهيدًا لتشييع جثمانه في قرية الخور بأشمون.

وأوضح والد شريف، لـ”نبأ العرب”، أن نجله كان عاملًا باليومية، ينتقل يوميًا من أشمون إلى السادات بحثًا عن لقمة العيش.

وقال الأب والدموع في عينيه: “ابني ترك 4 أطفال صغار ورحل”، معبرًا عن عمق الفاجعة التي حلت بأسرته بعد تلقيهم خبر وفاة شريف جراء الحادث الأليم الذي وقع في نطاق محافظة الجيزة.

عبد اللطيف “اتصل بأهله قالهم ألحقوني”

في ذات السياق، تلقت أسرة الشاب عبد اللطيف السيد عبد اللطيف (27 عامًا)، وهو محاسب، نبأ إصابته في الحادث بصدمة لا تقل عن باقي الأسر.

نُقل عبد اللطيف بشكل عاجل إلى مستشفى الباجور التخصصي بعد انقلاب السيارة الميكروباص التي كانت تقله من أشمون إلى السادات.

وأكد أصدقاء عبد اللطيف، لـ”نبأ العرب”، أن إصابته تقتصر على كدمات وسحجات متفرقة بالجسد، وأن عائلته حضرت من قرية دروة بأشمون فور علمهم بالحادث، بعد أن اتصل بهم ليخبرهم: “أنا عملت حادثة، ألحقوني رايح المستشفى”.

الشيخ أحمد: فقدت ابنتي ونور عيني

كانت الطالبة الجامعية “منة الله أحمد زكي” ابنة قرية ساقية أبو شعرة، تستقل الميكروباص المنكوب من أشمون متجهة نحو مدينة السادات لأمر خاص يتعلق بالدراسة بكلية الدراسات الإسلامية بنات جامعة الأزهر، لكن القدر كان أسرع.

بصوت متهدج، قال الشيخ أحمد زكي، إمام وخطيب مسجد عمر بن الخطاب، والد منة الله: “اتصلوا بي ليبلغوني بالحادث، لم أصدق في البداية، حتى ذهبت إلى مستشفى وردان بالجيزة ورأيتها بنفسي… لقد فقدنا ابنتنا ونور عيوننا”.

وتابع: “منة الله كانت حافظة للقرآن الكريم، وكانت بارة بوالديها وأخواتها، ومحبوبة من كل من عرفها في القرية”، وعمت حالة من الصدمة والحزن أرجاء قرية ساقية أبو شعرة فور انتشار خبر وفاة منة الله، وتجمع الأهالي أمام منزل الشيخ أحمد زكي استعدادًا لإقامة صلاة الجنازة عليها بعد صدور تصريح الدفن من نيابة الجيزة، مؤكدين أن منة الله كانت مثالًا للأدب والأخلاق، وفقدانها صدمة كبيرة لجميع أهالي القرية.

شهادات الناجين

كشف عدد من مصابي الحادث الناجين لـ”نبأ العرب”، أن السبب الرئيسي وراء هذه الكارثة هو رعونة السائق وسرعته الجنونية خلال الرحلة.

يروي المصابون أن السائق كان يتفادى السيارات بشكل مُخيف، وأن ركابًا آخرين نادوا عليه للانتباه، لكن دون جدوى، وكشفوا أن الحادث الأليم وقع عندما حاول السائق “عمل غرزة”، ليتفاجأ بسيارة أخرى أمامه، فاصطدمت السيارة الميكروباص بها وانقلبت على الفور بسبب سرعتها الفائقة.

محافظ المنوفية يتابع حالة المصابين

توجه اللواء إبراهيم أبو ليمون محافظ المنوفية إلى مستشفى الباجور العام للاطمئنان على الحالة الصحية للمصابين والتأكد من تقديم الرعاية الطبية الشاملة لهم، بحضور الدكتور عمرو مصطفى وكيل مديرية الصحة، والدكتور محمد سلامة مدير الطب العلاجي، والدكتور محمد المرسى مدير المستشفى، والدكتورة ولاء عبد الرازق مدير هيئة إسعاف المنوفية، وفتحى شلبى رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة الباجور.

وجه المحافظ جامعة المنوفية بإرسال فريق طبي من كبار الاستشاريين لمعاونة الأطقم الطبية بمستشفى الباجور العام لتقديم الدعم الطبي اللازم للمصابين والتأكد من مدى احتياجهم للتدخلات الجراحية إذا لزم الأمر.

أجرى المحافظ حوارًا مع المصابين للاستماع إلى مطالبهم والعمل على تلبيتها فورًا، مؤكدًا أنه سيتابع بنفسه الحالة الصحية للمصابين، وموجهًا الأطقم الطبية بالمتابعة والملاحظة الدقيقة للحالات وتهيئة الأجواء المناسبة لتلقيهم العلاج اللازم.

تحرك فوري من وزارة الصحة

في سياق متصل، كلف الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة، الدكتور محمد الطيب، نائب وزير الصحة والسكان، بالتوجه فورًا إلى محافظة المنوفية لمتابعة تقديم كل أوجه الرعاية الطبية والنفسية للمصابين.

أكد الوزير على ضرورة التأكد من توافر جميع الإمكانيات اللازمة، بما في ذلك الأطقم الطبية المتخصصة، الأدوية، المستلزمات الطبية، وأكياس الدم بجميع فصائلها، مع إعداد تقرير مفصل حول الحالة الصحية للمصابين والخدمات المقدمة لهم.

بينما تُواصل الأجهزة الأمنية تحقيقاتها لكشف ملابسات الحادث وتحديد المسؤوليات، تبقى قلوب الأسر المتضررة معلقة على أمل الشفاء لمصابيهم، داعين بالرحمة للضحايا.