في الساعات الأخيرة، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي توجيهًا لحكومة المهندس مصطفى مدبولي بدراسة اتخاذ خطوات لإغلاق الطريق الدائري الإقليمي في المناطق التي تشهد أعمال رفع الكفاءة والصيانة، مع توفير بدائل آمنة، وذلك لحماية سلامة المواطنين وضمان سرعة إنجاز الأعمال.

مقال له علاقة: أبشع جريمة قتل في المنيا تثير الرعب.. أب يقتل أطفاله الثلاثة ويسلم نفسه للشرطة
تأتي هذه الخطوة بعد وقوع حادثين مروعين على الطريق في الآونة الأخيرة، مما أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا.
الحادث الأول، الذي وقع صباح يوم الجمعة 27 يونيو 2025، كان مأساة حقيقية حيث فقدت 18 فتاة وسائقهن، جميعهن من قرية كفر السنابسة بمركز منوف، ولا تزال ثلاث فتيات أخريات في غيبوبة في غرف العناية المركزة.
أما الحادث الثاني، فقد وقع يوم السبت 5 يوليو 2025، حيث انقلبت سيارة أجرة “ميكروباص” كانت في طريقها من أشمون إلى مدينة السادات، مما أدى إلى وفاة 10 أشخاص وإصابة 11 آخرين، ليكون هذا الحادث أيضًا مأساة تضاف إلى قائمة الحوادث المروعة.
لم تكن هاتين الكارثتين مجرد أرقام في سجلات الحوادث، بل كانت صرخة مدوية تعبر عن واقع مرير على الطريق الدائري الإقليمي الذي تم افتتاحه رسميًا في النصف الثاني من عام 2018 بعد 10 سنوات من العمل، ليصبح شريان حياة يربط المحافظات، لكنه تحول إلى طريق يلتهم الأرواح عامًا بعد عام.
تشير بيانات موقع “نبأ العرب” إلى صورة قاتمة لحجم الكارثة، حيث شهد الطريق الدائري الإقليمي في النصف الأول من عام 2025، تحديدًا من 1 يناير إلى 30 يونيو، 35 حادثة مروعة، أسفرت عن فقدان 61 روحًا وإصابة 225 شخصًا بجروح متفاوتة، بعضهم قد يحمل آثارها الجسدية والنفسية مدى الحياة.
أين يكمن الخطر؟
تتضافر البيانات الحكومية مع رصد “نبأ العرب” لتكشف عن النقاط الأكثر خطورة على الطريق الدائري الإقليمي، حيث حدد تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر في أبريل 2025 المناطق الأكثر فتكًا على هذا الطريق، والتي جاءت كالتالي:
• القاهرة: المنطقة بين الجبلاين والنفق غير الممهد، وطريق المحاجر
• الجيزة: الطريق بأكمله يعتبر منطقة خطرة
• القليوبية: مطلع الإقليمي باتجاه القاهرة، تقاطع الإقليمي مع نزلة المنوفية في الاتجاهين، تقاطع الإقليمي مع طريق شبرا بنها، ونزلة الإقليمي باتجاه الإسكندرية
• الفيوم: أمام وطنية القارون باتجاه نزلة الواحات، واتجاه بوابة العياط والصف
• الشرقية: نزلة غيتة، قبل كارتة بلبيس باتجاه العاشر، وقبل كارتة بلبيس باتجاه الصنافين
لم يختلف رصد “نبأ العرب” كثيرًا عن ذلك، حيث أظهرت الأشهر الستة الماضية وقوع الحوادث في:
• المنوفية: 14 حادثًا، تركزت في أشمون والباجور
• الشرقية: 11 حادثًا، معظمها في بلبيس ومنيا القمح
• الجيزة: 7 حوادث، تركزت في منطقة الصف
• القليوبية: حادث واحد بعد طلعة الباجور
عند تحليل النقاط حسب طبيعة الموقع، نجد أن:
• بالقرب من النزلات: 8 حوادث
• بالقرب من القرى: 9 حوادث
• بالقرب من الكارتات: حادثان
• مواقع محددة أخرى: 3 حوادث
• مناطق عامة/غير محددة: 13 حادثًا، مما يشير إلى أن الخطر يمتد على مسافات واسعة من الطريق
تظهر إحصائيات “نبأ العرب” أن سيارات النقل هي المتورط الرئيسي في 20 حادثة من أصل 35، تليها الميكروباص والسيارات الملاكي، مما يشير إلى أن المركبات الكبيرة هي الأكثر تسببًا في الكوارث على الطريق الإقليمي، كما أن التصادمات بين مركبات متعددة وحوادث الانقلاب بسبب خطأ السائق أو السرعة الزائدة تمثل نسبًا كبيرة من أنواع الحوادث التي رصدها “نبأ العرب”.
من المتهم؟
في الحادث الأول، وجهت الجهات الرسمية أصابع الاتهام إلى سائق “التريلا”، حيث اتهمته النيابة العامة بالقيادة المتهورة تحت تأثير المخدرات، إلا أن السائق ألقى اللوم على الطريق، مشيرًا إلى أنه كان يقود بسرعة لا تتجاوز 50 كيلومتر في الساعة، وادعى أنه فوجئ بحجر كبير في منتصف الطريق، مما أدى إلى فقدانه السيطرة واصطدامه بالميكروباص دون قصد.
تشير اعترافات سائق التريلا إلى وجود أعمال صيانة للطريق، مما أدى إلى تحويل حركة المركبات في بعض المناطق، والخلط بين سيارات النقل والملاكي والأجرة أثناء إجراء الصيانة.
من نفس التصنيف: مرضى يكرمون مدير مركز طبي بالأقصر بتنظيم ممر شرفي احتفاءً بعطائه (صور)
وفي الحادث الثاني، كشفت التحقيقات الأولية عن اصطدام سيارة ميكروباص بالرصيف، مما أدى إلى انحرافها بشكل مفاجئ نحو اليمين، وتصادمت مع سيارة أخرى كانت تسير خلفها، مما أسفر عن هذا العدد الكبير من الضحايا، وأظهرت التحريات أن رخص السيارتين كانت سارية، مما يرجح أن الحادث نجم عن خطأ مفاجئ في القيادة.
اتهم عدد من مصابي الحادث سائق الميكروباص بالتسبب في الحادث، حيث أكد بعضهم أنه كان يقود بسرعة كبيرة، مما أدى إلى وقوع الكارثة.
حالة الطريق
يمثل الطريق الدائري الإقليمي، الذي نفذته وزارتا النقل والإسكان والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، إنجازًا ضخمًا، بطول 400 كيلومتر، يمر عبر أربع محافظات رئيسية، ويضم 50 كوبريًا و64 نفقًا، وكان الهدف من إنشائه هو تخفيف الكثافات المرورية.
في 20 أغسطس 2024، أعلن محافظ المنوفية عن إسناد أعمال صيانة ورفع كفاءة الطريق الإقليمي، حيث بدأت الشركة الوطنية للطرق في تجهيز المعدات اللازمة لبدء التنفيذ.
يقدر العمر الافتراضي للطرق المصممة بشكل جيد بـ 12 عامًا، إلا أن الطريق الدائري الإقليمي بدأ أعمال الصيانة بعد 8 سنوات فقط من إنشائه، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا التآكل المبكر.
كشف مستشار تخطيط وهندسة المرور عن أن السبب الرئيسي في انخفاض العمر الافتراضي للطريق يعود إلى تحميله بحمولات زائدة قد تتجاوز 100% من طاقته القصوى، مما يستدعي تدخلات صيانة مبكرة.
وأوضح أن الطريق يمثل شريانًا حيويًا لسيارات النقل، وأن الحمولات الزائدة القادمة من الموانئ تؤثر عليه بشكل ملحوظ، مما أدى إلى سرعة تهالكه، لذلك بدأت وزارة النقل في أعمال صيانة شاملة باستخدام الطرق الخرسانية لتحمل الأحمال العالية.
تبلغ تكلفة تطوير ورفع كفاءة الطريق الدائري الإقليمي حوالي 50 مليار جنيه، حيث يجري العمل حاليًا على 110 كم من المرحلة الأولى، على أن يتم استكمال باقي الأجزاء تباعًا.