الإسماعيلية – أميرة يوسف:

ممكن يعجبك: بعد الهجوم الإيراني، الجيش الإسرائيلي يحذر المواطنين بالدخول إلى المناطق المحمية فورًا
مع بزوغ أول خيوط الشمس في سوق السمك بالإسماعيلية، كان هاني صالح، التاجر الأربعيني المعروف، يقف في مكانه المعتاد، حيث اعتاد أن يبدأ يومه مبكرًا منتظرًا قوارب الصيادين القادمة من مياه قناة السويس، متأملاً أن يجود البحر اليوم بما يكفي لإعالة أسرته.
تتداخل الروائح المميزة للأسماك الطازجة مع صوت المزايدات، وصناديق الجندوفلي والبوري والجمبري التي تُفتح واحدة تلو الأخرى، كانت تلك المشاهد مألوفة لهاني، ولكنه في هذا الصباح لمح شيئًا مختلفًا تمامًا، إذ لفت نظره صندوق خشبي كبير بداخله كائن ضخم يتحرك ببطء، وحوله بعض الصيادين يتجادلون في السعر.
شوف كمان: هجوم إسرائيلي على مطار مهرآباد في طهران يثير القلق الدولي
اقترب بخطوات ثابتة، فوجد وجه سلحفاة بحرية ضخمة، مُقيدة بحبل سميك، مُلقاة على ظهرها، تئن بصمت، لكن ما أوقفه حقًا لم يكن حجمها أو نوعها، بل عينيها، حيث قال: “شفت دمعة في عينيها.. والله دمعة حقيقية.. وكأنها بتبكي، وكأنها بتقولّي أنقذني”، هكذا وصف هاني اللحظة التي غيرت مجرى يومه، وربما مجرى حياة الكائن النادر.
كانت تلك السلحفاة من نوع “الترسة البحرية”، متوسطة الحجم، واحدة من السلاحف النادرة المهددة بالانقراض، لم يكن صيدها قانونيًا، لكنها وقعت في شباك أحد الصيادين الذي كان مُصراً على بيعها، مستندًا على طلبات المطاعم ومحلات التحف التي تدفع آلاف الجنيهات مقابل لحمها وصدفتها.
وذكر التاجر أن عددًا من المطاعم عرضت عليه شراء السلحفاة بمبالغ وصلت إلى 7 آلاف جنيه، حيث يُعتقد أن شرب دمائها يمنح القوة، كما أن لحمها يُعتبر من أغلى أنواع اللحوم، ويسعى البعض لاقتناء صدفها لأغراض التحنيط أو لأسباب أخرى.
دفع 4200 جنيه، كل ما جمعه خلال أيام طويلة من العمل في السوق، وحمل السلحفاة بين يديه كأنها طفل بين الحياة والموت، غسل صدفتها من القواقع والطين، وقدم لها وجبة خفيفة من الكابوريا والجمبري، ورغم أنها كانت مرهقة، إلا أن فيها رغبة واضحة في الحياة، وكأنها فهمت أنه جاء لينقذها لا ليؤذيها.
توجه هاني إلى أحد شواطئ الإسماعيلية المطلة على قناة السويس، وهناك، تحت ضوء الشمس وهدوء البحر، جلس قليلًا، ثم أطلقها في الماء، ووقف يراقبها تسبح، تبتعد شيئًا فشيئًا، بينما تدمع عيناه هو الآخر في صمت.
وقال هاني: “أنا تاجر، بس الضمير أهم من الربح، مش كل حاجة تتباع، والسلحفاة دي روح ربنا خلقها، وإحنا واجبنا نحافظ على اللي فاضل من الطبيعة، مش ننهشه”.
ليست كل البطولات صاخبة، فبعضها يبدأ في سوق بسيط، بنظرة رحمة، ودمعة في عين سلحفاة، ورجل اختار أن يسمع النداء، هاني صالح لم يُنقذ كائنًا فقط، بل أعاد إلينا الأمل في أن الخير لا يزال ساكنًا في القلوب.
وتُعتبر هذه السلحفاة واحدة من 7 أنواع نادرة من السلاحف البحرية الموجودة في مصر، وتلعب دورًا بيئيًا مهمًا، خاصة في التغذية على قناديل البحر، مما يساعد في الحفاظ على التوازن الطبيعي في مياه البحار.
من جهتها، ناشدت وزارة البيئة المواطنين بالإبلاغ عن أي عمليات صيد أو اتجار غير مشروع بالكائنات البحرية المهددة، عبر الخط الساخن 19808 أو رقم واتساب 01222693333 المتاح طوال الأسبوع وعلى مدار الساعة.