ألقى فضيلة الدكتور أسامة هاشم الحديدي، المدير العام لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، كلمة افتتاحية للندوة الدولية التي تُعقد في العاصمة البريطانية لندن، والتي ينظمها المركز بالتعاون مع هيئة الإفتاء والشئون الشرعية بالمركز الثقافي الإسلامي بلندن، ومجمع الفقه الإسلامي بجدة، تحت عنوان: (النوازل الفقهية في الزواج والطلاق)، بحضور عدد من العلماء والمفتين، وسفراء الدول الإسلامية، وقيادات دينية وشبابية من مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى ممثلين عن منظمات دولية، وصحفيين، ومتابعين للشأن الديني والفقهي في الغرب

شوف كمان: ضبط قضايا اتجار بالعملة بقيمة 4 ملايين جنيه في 24 ساعة فقط
وفي كلمته، عبّر الحديدي عن سعادته البالغة بالمشاركة في هذا المحفل الدولي الهام، داعيًا الله أن تكون هذه الندوة منارة هداية للمسلمين في كل مكان، خاصة في ظل التحديات المعاصرة التي تواجه الأسرة المسلمة في المجتمعات الغربية.
وأكد مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى، أن المتغيرات السريعة التي يشهدها العالم اليوم أفرزت نوازل فقهية عديدة تتعلق بمختلف مجالات الحياة، خصوصًا الأسرة، وهو ما يتطلب اجتهادًا شرعيًّا دقيقًا قادرًا على التعامل مع هذه النوازل بوعي وفهم، مع ضرورة التكامل بين العلوم الشرعية والإنسانية.
اقرأ كمان: إيران لم تنقل اليورانيوم قبل الضربة العسكرية والبيت الأبيض يكشف التفاصيل تحت الأنقاض
وشدد الحديدي على أن الشريعة الإسلامية، كونها خاتمة وعالمية وصالحة لكل زمان ومكان، تمتلك من مقومات المرونة والانضباط ما يمكنها من استيعاب المتغيرات وضبط المستجدات بما يتماشى مع أصولها ويحقق مصالح الناس في الحاضر والمستقبل، مشيرًا إلى أن فقهاء كل عصر بذلوا جهودًا كبيرة في تكييف مستجدات عصرهم بشكل علمي سليم، واستنباط أحكام وفتاوى تتناسب معها.
وخلال كلمته، أشار أيضًا إلى أن الأسرة المسلمة في المجتمعات الغربية لم تكن بعيدة عن التحولات العالمية والثقافية، بل تأثرت بشكل مباشر في بنيانها القيمي والاجتماعي نتيجة تعرضها لأيديولوجيات دخيلة، وعوامل معاصرة خطيرة، مثل الغلو، والعولمة الثقافية، والصراعات الإلكترونية، وحملات التشويه التي تستهدف تشكيل وعي الأفراد، وتسطيح الهوية الحضارية للمسلمين.
وأكد الحديدي أن هذه التحديات تفرض على المؤسسات الفقهية والاجتماعية أن تعمل بتكامل، وأن تتحمل مسؤوليتها في دراسة النوازل المتعلقة بالزواج والطلاق بدقة، وتقديم حلول فقهية تضمن كيان الأسرة واستقرارها، وتحقيق مقاصد الشريعة في بناء أسر متماسكة.
وبيّن فضيلته أن الفتوى المؤسسية، الصادرة عن جهات دينية معتمدة ووسطية، تمثل الركن الأساسي في ضبط القضايا المستحدثة، بخلاف الفتاوى الفردية أو الصادرة عن غير المتخصصين أو الجماعات المتشددة، التي تسهم في تشويه صورة الإسلام وتعميق مشكلات المسلمين في الغرب، بل وتغذي ظواهر مثل “الإسلاموفوبيا”.
وأوضح الحديدي أن الاختيار الفقهي في قضايا النوازل يجب أن يبنى على قواعد الترجيح المعتمدة، ومراعاة المقاصد الشرعية الأصيلة والتكميلية، وفهم الأعراف والعادات، والنظر في مآلات الأفعال ونتائجها الواقعية.
كما أبرز الحديدي أهمية الإحاطة التامة بحيثيات النوازل ومسائلها، مؤكدًا أن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، مما يتطلب فهمًا دقيقًا للبيئة الأوروبية، وللأحوال النفسية والاجتماعية لأطراف الحياة الزوجية وتحديات استقرارها، حتى لا تكون الفتوى بعيدة عن واقع الناس، أو سببًا في مشكلات إضافية.
وأشار الحديدي إلى ضرورة التكامل بين العلوم الشرعية والإنسانية، موضحًا أن القضايا المعاصرة في مسائل الزواج والطلاق تتقاطع مع جوانب اجتماعية ونفسية وقانونية عديدة، مما يجعل الاعتماد على الرأي الشرعي الفردي غير كافٍ، ويستدعي من الفقهاء الاستفادة من الخبرات المتخصصة في العلوم المختلفة لتقديم حلول متكاملة.
وتابع الحديدي: إن الاجتهاد الجماعي، المستند إلى الشورى وتبادل الآراء بين العلماء المتخصصين، هو السبيل الأمثل لصياغة أحكام دقيقة للنوازل المعاصرة، وهو أقرب للصواب من الاجتهاد الفردي، خاصة في المسائل الدقيقة والشائكة التي تمس الأسرة المسلمة في المجتمعات الغربية
ودعا الحديدي إلى أهمية الاستناد للعمل الفقهي الجماعي، والاستفادة من الدراسات البينية والتكميلية، للانتقال بالفقه من الإطار التقليدي إلى آفاق التجديد والتطوير، بما يتماشى مع التحديات الواقعية، دون إخلال بأصول الدين ومقاصده.
وفي ختام كلمته، أكد الدكتور أسامة الحديدي أن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، وبتوجيه مباشر من فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يعمل على تقديم الدعم الشرعي والعلمي للمسلمين في أوروبا، من خلال أقسامه المتخصصة باللغات الأجنبية، ونخبة من العلماء المؤهلين، الذين يتعاملون مع الفتاوى المتنوعة وفق ضوابط منهجية دقيقة.
كما أعلن الحديدي عن جاهزية المركز الكاملة للتعاون مع المراكز الإسلامية في أوروبا، وتقديم كل ما يلزم من مشورة علمية وفقهية في قضايا الزواج والطلاق، وكافة الإشكالات الفكرية والشرعية التي تواجه أبناء الجاليات المسلمة في الغرب.
وختم كلمته بالدعاء بالتوفيق والرشاد للقائمين على الندوة والمشاركين فيها، معتبرًا أن مثل هذه اللقاءات الفقهية تمثل خطوة ضرورية لتعزيز الاستقرار الأسري والفكري للمسلمين في الغرب، وترسيخ منهج الإسلام الوسطي المعتدل.