هل تُصمم المنتجات بطريقة تجعلها غير دائمة؟ اكتشف الحقيقة وراء الاستدامة في التصميم

نبأ العرب- بي بي سي:

هل تُصمم المنتجات بطريقة تجعلها غير دائمة؟ اكتشف الحقيقة وراء الاستدامة في التصميم
هل تُصمم المنتجات بطريقة تجعلها غير دائمة؟ اكتشف الحقيقة وراء الاستدامة في التصميم

توقفت سماعتا الأذن عن العمل بعد عام واحد فقط من شرائهما، ورغم محاولاتي المتكررة لإصلاحهما، إلا أن كل الجهود باءت بالفشل، كما أن أداء هاتفي المحمول بدأ في التراجع وأصبح يحتاج إلى شحن متكرر، بينما الثلاجة التي لم تتجاوز عامين توقفت عن العمل، وتكلفة إصلاحها من قبل الفني المعتمد كانت مرتفعة جداً، فضلاً عن الانتظار الطويل للحصول على قطع الغيار اللازمة وسط موجة حر شديدة، هل هو سوء حظ؟

خلال زيارتي الأخيرة لوالدتي، لفتت انتباهي ماكينة خياطة قديمة اشتريتها منذ أكثر من أربعة عقود ولا تزال تعمل بكفاءة، بينما المروحة الصفراء التي اقتنتها منذ أكثر من ثلاثين عاماً لا تزال تنعش الأجواء الحارة، أما الثلاجة وموقد الغاز فهما في حالة جيدة رغم قدمهما، بينما أصبح أي جهاز في منزلي يصل إلى عامه العاشر هو الاستثناء.

فما السبب وراء ذلك؟ هل تقوم الشركات بتصميم منتجات ذات عمر افتراضي قصير؟ ولماذا أصبح من الصعب إصلاح بعض الأجهزة؟ هل يمكن تفسير ذلك بمفهوم “التقادم المخطط له”؟ وهل نسرع في تغيير مقتنياتنا حتى لو كانت تعمل بشكل جيد؟ وما تأثير ذلك على البيئة؟

“مشكلة” مصابيح الكهرباء

في بداية القرن العشرين، واجه اتحاد مصنعي المصابيح الكهربائية المعروف باسم “اتحاد فيباس” مشكلة تتعلق بعمر المصابيح الطويل، مما دفعهم لتقليص عمرها الافتراضي إلى 1000 ساعة لزيادة المبيعات، وكانت الشركات التي تخالف هذه المعايير تتعرض لغرامات.

ورغم أن الحرب العالمية الثانية أنهت هذا الاتحاد، إلا أن طريقة تصنيع المصابيح التقليدية لم تتغير.

يعتبر هذا مثالاً على “التقادم المخطط له”، الذي يعود استخدام مصطلحه إلى سمسار العقارات الأمريكي برنارد لندن، الذي اقترح في عام 1932 تحفيز الاقتصاد من خلال تشجيع الناس على شراء سلع جديدة بدلاً من الاحتفاظ بالقديمة، لكن الفكرة تحولت لتصبح وسيلة لزيادة أرباح الشركات.

1f9966f0-5b25-11f0-9951-03cac9e121a9 (1)_1_11zon

الاستهلاكية و”هندسة المستهلك”

قد يبدو استبدال السلع والمنتجات بشكل متكرر شيئاً طبيعياً في عصرنا الحالي، إلا أنه لم يكن كذلك في الماضي حيث كانت المواد الخام باهظة الثمن، وكان يُعتبر التوفير وتجنب الهدر من الفضائل.

انتشرت النزعة الاستهلاكية ومفهوم الاستهلاك الواسع في الولايات المتحدة خلال عشرينيات القرن الماضي، وتعمقت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أصبحت المنتجات المتاحة للطبقة المتوسطة بعد أن كانت مكلفة ونادرة.

شهد الاقتصاد الأمريكي نمواً أسرع من زيادة عدد السكان، ووجدت القيادات الاقتصادية نفسها أمام خيارين: تقليل الإنتاج أو زيادة الاستهلاك لتحفيز النمو، فاختارت الخيار الثاني.

ابتكر خبير الإعلانات إرنست إلمو كالكينز مصطلح “هندسة المستهلك” الذي يشير إلى التأثير على سلوك المستهلكين لخلق الطلب على السلع، بما في ذلك “التقادم المصطنع”، وقد تعرضنا منذ عقود لوابل من الإعلانات التي تشجعنا على اقتناء أحدث الطرازات، مما يرسخ ثقافة الهدر.

3d39d310-5b26-11f0-9951-03cac9e121a9_2_11zon

لماذا أصبح عمر كثير من المنتجات قصيراً بشكل متزايد؟

زيادة المبيعات ليست السبب الوحيد، حيث قد تكون الرغبة في إنتاج بضائع خفيفة أو صغيرة الحجم سبباً أيضاً، مما يعني اختيار خامات تؤدي إلى متانة أقل وعمر أقصر.

كما أن تقليل النفقات من خلال استخدام مكونات أقل جودة قد يلعب دوراً كذلك، فهل تصمم الشركات منتجاتها لتكون ذات عمر افتراضي قصير؟

يقول البروفيسور جوش لِباوسكي، أستاذ الجغرافيا بجامعة ميموريال أوف نيوفاوندلاند، إن إثبات أن الشركة تصمم منتجاتها بعمر افتراضي قصير أمر صعب قانونياً، لكن من الواضح أن نماذج أعمال العديد من العلامات التجارية تعتمد على شراء الناس للإصدارات الجديدة حتى لو كانت الأجهزة الحالية تعمل بشكل جيد.

ويضيف لِباوسكي: “الجهاز الأكثر استدامة هو الذي تمتلكه بالفعل، وكلما طالت مدة استخدامك له، كلما ساهمت في الحفاظ على الطاقة والمواد المستخدمة في تصنيعه، وعندما يكون نموذج عمل الشركة قائماً على النمو، يكون هناك حافز لتقصير عمر الجهاز، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على الطاقة والمواد الخام لصنع نماذج جديدة”.

84868730-5b22-11f0-a8af-13621e0a9410_3_11zon

“الحق في الإصلاح”

يواجه المستهلكون، خصوصاً في الدول الغنية، صعوبة في إصلاح منتجاتهم القديمة بسبب ارتفاع تكلفة الإصلاح أو صعوبة الحصول على قطع الغيار، مما يجعل شراء منتج جديد الخيار الأسهل والأرخص، وهذا يساهم في استهلاك المصادر وزيادة النفايات الإلكترونية.

ظهرت حركة “الحق في الإصلاح” في الولايات المتحدة، التي تدعو إلى أن يكون للمستهلكين الحق في إصلاح منتجاتهم بأنفسهم أو اللجوء إلى فنيين مستقلين، بهدف تعزيز الاستدامة ومواجهة ثقافة التقادم المخطط له.

اكتسبت هذه الحملة زخماً منذ العقد الثاني من القرن الحالي، وامتدت إلى مختلف أنحاء العالم، خصوصاً مع التعقيدات المتزايدة لتصميمات الأجهزة الإلكترونية التي تحتوي على مكونات محمية أو أقفال برمجية تمنع الإصلاح من قبل أطراف خارجية.

تقول البروفيسورة أليكس سيمز من جامعة أوكلاند إن “الحق في الإصلاح لا يقتصر على المنتجات التالفة، بل يشمل أيضاً القدرة على استخدام المنتجات، حيث تتزايد البرمجيات التي قد تمنع الناس من استخدامها بشكل كامل، مثل الطابعات التي تتوقف عن العمل إذا لم يتم دفع اشتراك، أو سيارات تسلا التي لا تجر عربة مقطورة بدون استخدام قضيب قطر مصرح به”.

تضم الحركة حالياً عشرات المنظمات غير الحكومية والجماعات التي تطالب بسن تشريعات تعزز الحق في الإصلاح، وقد نجحت في إقناع المشرعين في عدد من الولايات الأمريكية والاتحاد الأوروبي بإصدار قوانين وقواعد في هذا الشأن، أو نشر كتيبات إصلاح إلكترونية مجانية لمجموعة كبيرة من المنتجات.

وقد واجهت الحركة مقاومة من الشركات المصنعة وبعض جماعات حماية المستهلك بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة والأمن وحقوق الملكية الفكرية.

تقول سيمز إن “الاعتراض الرئيسي هو سلامة عملية الإصلاح إذا نفذها أشخاص غير معتمدين، لكن هيئة الإنتاجية الأسترالية توصلت إلى أن عدم السماح لأشخاص غير معتمدين قد يكون أكثر خطورة، حيث يدفع الناس لمحاولة إصلاح الأجهزة بأنفسهم بدون المعرفة اللازمة”.

تكلفة بيئية باهظة

تشكل النفايات الإلكترونية مشكلة كبيرة بسبب احتوائها على مواد ضارة بالبيئة وصحة الإنسان إذا لم يتم التخلص منها بشكل صحيح، ويؤدي قصر العمر الافتراضي للمنتجات والرغبة في اقتناء الأحدث إلى زيادة هذه النفايات، حيث تتخلص بعض الشركات من منتجات تحتوي على عيوب بسيطة بدلاً من بيعها بأسعار مخفضة.

يقول البروفيسور لِباوسكي: “حالياً، يتم إنتاج عدد من الأجهزة يفوق ما يمكن بيعه”، وتقديرات الاتحاد الأوروبي تشير إلى أن شركات التجزئة تدمر سنوياً أجهزة إلكترونية جديدة بقيمة مئات الملايين من الدولارات.

بدأت بعض العلامات التجارية في مجال الأزياء بيع منتجاتها الفائضة لمتاجر التخفيضات أو التبرع بها للمنظمات الخيرية أو إعادة تدويرها.

تشير البروفيسورة سيمز إلى أن “إصلاح المنتجات أفضل بكثير من إعادة التدوير من حيث استهلاك الموارد، وهو أفضل للكوكب ولصحة الناس الذين يعملون في مراكز إعادة التدوير، ويجب أن نعيد التفكير في استهلاكنا ونشتري فقط ما هو ضروري”.

قصر أعمار المنتجات ليس مجرد سوء حظ، بل نتيجة لنظام استهلاكي يعتمد على التبديل السريع والتحديث المستمر، لتحقيق مستقبل أكثر استدامة يتطلب أن يصمم المصنعون منتجات قابلة للإصلاح تدوم لفترات أطول، وأن يعيد المستهلكون التفكير في مقتنياتهم وتأثيرها على البيئة.