بي بي سي.

مقال له علاقة: سيدة تفارق الحياة أثناء ولادة قيصرية في عيادة خاصة بالمنيا بعد هروب الطبيب
رغم أن حرارة المياه الساحلية قد تبدو جذابة لقضاء عطلة ممتعة، إلا أن موجة الحر في البحر الأبيض المتوسط بلغت مستويات مقلقة، مما دفع العلماء للتحذير من آثار مدمرة محتملة على الحياة البحرية في الدول المطلة على هذا البحر.
فقد تخطت درجة حرارة سطح البحر 30 درجة مئوية بشكل مستمر قبالة سواحل مايوركا ومناطق أخرى في أواخر يونيو/حزيران وأوائل يوليو/تموز، وفي بعض المناطق كان الفارق يصل إلى ست أو سبع درجات عن المعدلات المعتادة، مما أثار قلقًا متزايدًا بشأن تصاعد الظواهر المناخية غير المألوفة في المنطقة.
ومن المحتمل أن تكون حرارة المياه هناك أعلى من حرارة أحواض السباحة في مراكز الترفيه المحلية.
وشهد الجزء الغربي من البحر المتوسط أشد موجة حارة بحرية في مثل هذا الوقت من السنة، إذ امتدت آثارها إلى مناطق واسعة من البحر واستمرت لأسابيع متتالية، مما يُبرز تصاعد اضطراب الأنماط المناخية في المنطقة.
على الرغم من أن وتيرة الحرارة بدأت تتراجع تدريجيًا، إلا أن بعض الكائنات البحرية تجد صعوبة في التكيف مع هذا الدفء المستمر، مما ينذر بتداعيات محتملة على وفرة المخزون السمكي واستقرار النظم البيئية البحرية.
لتوضيح الصورة، فإن معظم أحواض السباحة في مراكز الترفيه تُسخن عادةً حتى تصل درجة حرارتها إلى 28 درجة مئوية، بينما تكون أحواض السباحة المخصصة للمنافسات الرياضية أكثر برودة قليلًا، حيث تتراوح حرارتها بين 25 و28 درجة مئوية، وفقًا لما ذكرته المنظمة العالمية للرياضات المائية.
وتوصي جمعية مدرّسي السباحة بأن تكون حرارة أحواض السباحة المخصصة للأطفال أعلى قليلًا، إذ يُفضل أن تتراوح بين 29 و31 درجة مئوية بينما يُنصح بأن تصل إلى ما بين 30 و32 درجة بالنسبة للرُضّع.
لكن درجات الحرارة المعتدلة قد تخفي وراءها تهديدات غير مرئية، إذ إن البكتيريا الضارة والطحالب تجد في مياه البحر الدافئة بيئة مثالية للانتشار السريع، بينما تُعالج أحواض السباحة بمواد كيميائية معقمة.
لم تعد درجات حرارة البحر التي تصل إلى 30 درجة مئوية أو أكثر بالأمر غير المألوف في البحر المتوسط خلال أواخر الصيف، لكنها تُعد غير مألوفة إلى حد كبير في شهر يونيو/حزيران، وفقًا لبيانات خدمة المناخ الأوروبية “كوبرنيكوس” ومنظمة “ميركاتور أوشن إنترناشونال” وقراءات أُجريت في الموانئ الإسبانية.
يُعتبر هذا العام مميزًا بفضل درجات حرارة البحر التي بلغت 30 درجة مئوية في وقت مبكر من المعتاد، مما يشير إلى أن الصيف سيكون أكثر حدة وقد يمتد لفترة أطول، وفقًا لما أفادت به مارتا ماركوس، الأستاذة المشاركة في جامعة جزر البليار بإسبانيا.
وقالت آيدا ألفيرا أزكارتي، الباحثة في علوم المحيطات بجامعة لييج في بلجيكا: “نشأتُ هنا، لذا اعتدنا على موجات الحر، لكن الأمر أصبح أكثر تواترًا وحِدّةً بمرور الوقت”
وأضافت: “فوجئنا جميعًا بدرجة غير مسبوقة من شدة هذه الموجة الحارة”
مواضيع مشابهة: ضبط 47 ألف مخالفة خلال 24 ساعة مع استمرار الحملات المكثفة على المخالفات
وتابعت: “يثير ذلك قلقًا شديدًا، ومن المتوقع أن يتكرر في المستقبل”
باتت موجات الحر البحرية أكثر حِدّةً واستمرارًا مع تزايد انبعاث الغازات المسببة لارتفاع حرارة الكوكب جرّاء النشاط البشري، وعلى رأسه حرق الفحم والنفط والغاز.
يُذكر أن عدد الأيام التي شهدت حرارة شديدة على سطح البحر حول العالم تضاعف ثلاث مرات خلال الثمانين عامًا الماضية، وفقًا لدراسة نُشرت في وقتٍ سابقٍ من هذا العام.
ويُرجَّح أن الاحتباس الحراري هو العامل الرئيسي وراء موجات الحر البحرية، فهو في جوهره عملية نقل للحرارة من الغلاف الجوي إلى المحيط، الأمر واضح وبسيط، بحسب ما أوضحتها ماركوس.
كما أنّ البحر المتوسط شديد التأثر بهذه الظواهر بسبب طبيعته الجغرافية التي تشبه حوض الاستحمام، إذ تحيط به القارات من معظم الجهات، مما يحد من انفتاحه على المحيطات ويُسهم في احتباس الحرارة داخله.
هذا يعني أن المياه لا تخرج من هذا البحر بسهولة، مما يؤدي إلى ارتفاع حرارة سطحها بسرعة عند توافر الهواء الدافئ والسماء المشمسة والرياح الخفيفة، كما حدث في شهر يونيو/حزيران.
لذلك يُعتبر البحر المتوسط “بؤرة لظاهرة التغير المناخي”، وفقًا لكارينا فون شكمان، من منظمة ميركاتور أوشن إنترناشونال البحثية غير الربحية.
بلغت موجة الحر ذروتها مع نهاية يونيو/حزيران الماضي وبداية يوليو/تموز الجاري، ثم ساعدت الرياح الأقوى لاحقًا على تحريك المياه الأعمق والأبرد لتندمج مع الطبقات السطحية الساخنة، مما أدى إلى انخفاض درجات الحرارة.
لكن درجات الحرارة لا تزال أعلى من المعدلات المعتادة، وقد يترتب على ذلك آثارٌ على الحياة البحرية لم تظهر بعد.
هناك حدود لدرجة الحرارة التي يمكن أن تتحملها معظم الكائنات الحية، ولا يمكنها البقاء بعدها، وإنْ كانت تلك الحدود تختلف بشكل كبير بين الأنواع وحتى بين الأفراد داخل النوع الواحد.
لكن الكائنات البحرية قد تُصاب أيضًا بالإجهاد نتيجة التعرض للحرارة المرتفعة لفترة طويلة، مما يستنزف طاقتها تدريجيًا طوال فصل الصيف حتى تصل إلى مرحلة يصعب فيها التكيف والبقاء.
وقالت إيما سيبريان، المتخصصة في علم البيئة في مركز الدراسات المتقدمة بمدينة بلانس الإسبانية: “أتذكر قبل أربع سنوات حين غصنا في سبتمبر/أيلول، في نهاية الصيف، وجدنا هياكل عظمية لعدد هائل من الكائنات”
تلعب الطحالب البحرية والأعشاب المائية دور الغابات في البحر المتوسط، إذ تحتضن مئات الأنواع من الكائنات الحية، وتسهم في احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون المُسبب للاحتباس الحراري لكوكب الأرض.
كما أنّ بعض هذه الأنواع لديها القدرة على التكيف جيدًا وسط درجات الحرارة العادية في البحر المتوسط، لكنها غالبًا ما لا تتحمل موجات الحَر البحرية التي باتت أكثر حِدّةً وتواترًا، وفقًا لسيبريان.
كما يمكن أن تُحدِث الحرارة ما يُعرف في علم البيئة بـ”الآثار دون القاتلة”، وهي حالات تدخل فيها الأنواع في نمط حياة قائم على البقاء فقط، دون أن تتكاثر.
إذا بدأنا تسجيل الآثار البيئية التي قد تترتب على ارتفاع درجة حرارة المياه، فمن المرجح بقوة أن تكون هناك انعكاسات على المجتمعات البشرية جرّاء تلك الآثار، من بينها خسائر في قطاع صيد الأسماك، بحسب تحذير دان سمال، الباحث الرئيسي في جمعية الأحياء البحرية بمدينة بليموث.
قال سمال: “سيتعين علينا أن ننتظر ونراقب، لكن ما يثير القلق حقًا هو أنّ درجات الحرارة بلغت مستويات مرتفعة جدًا في وقت مبكر من الصيف”
يعتبر البحر الأبيض المتوسط، الذي يشهد ارتفاعًا متسارعًا في درجات حرارته، “جرس إنذار مبكر بشأن تغيّر المناخ والنُظم البيئية البحرية”، على حد تعبيره.
قد تُضاعف الحرارة الزائدة في المحيط حِدّة الظواهر الجوية المتطرفة، إذ تزودها بطاقة إضافية تسهم في تصاعد شدتها وتكرارها.
يمكن أن تؤدي حرارة البحار إلى زيادة معدلات التبخر، ما يرفع نسبة الرطوبة في الغلاف الجوي ويُغذي حدوث أمطار غزيرة وظواهر مناخية أكثر تطرفًا.
في بعض الحالات، تتوافر عوامل أخرى قد تؤدي إلى فيضانات مدمرة كما حدث في ليبيا عام 2023 ومدينة فالنسيا عام 2024.
يمكن أن تُضعف المياه الأكثر دفئًا تأثير النسيم البحري الذي يُخفف عادة من حرارة الجو في المناطق الساحلية، مما يزيد من شعور السكان بالحرارة.
حذّر ماركوس من أن التعرض لموجة حارة أخرى هذا الصيف سيسبب الكثير من القلق، وأضاف: “أنا شبه متأكد من أنها ستكون مروعة”