خبراء يتوقعون ثوران براكين بحرية قريبًا.. هل يجب أن نقلق؟

(بي بي سي).

خبراء يتوقعون ثوران براكين بحرية قريبًا.. هل يجب أن نقلق؟
خبراء يتوقعون ثوران براكين بحرية قريبًا.. هل يجب أن نقلق؟

رغم أن البراكين البحرية قد تبدو بعيدة عن الأذهان، فإن التحذيرات الأخيرة من العلماء حول احتمال ثوران وشيك لبعض هذه البراكين جعلت البعض يعيد التفكير في الأمر، ومن بين هذه التحذيرات بركان أكسيال سيمونت، الذي يبعد حوالي 300 ميل عن سواحل ولاية أوريغون الأمريكية، حيث يشير الخبراء إلى ارتفاع حرارته، مما يدل على إمكانية ثورانه خلال العام المقبل.

كما دفعت الزلازل الأخيرة في جزيرة سانتوريني اليونانية العلماء إلى دراسة “فوهة” الجزيرة البركانية الضخمة، بالإضافة إلى البركان البحري القريب “كولومبو”، ورغم أن الثوران لا يبدو وشيكًا، إلا أنه مجرد مسألة وقت.

لكن لماذا يجب أن نكون حذرين من البراكين؟

في أعماق المحيط

تعتبر البراكين فتحات في قشرة الأرض تسمح بخروج الرماد الساخن والغازات والصخور المنصهرة، المعروفة أيضاً بالماغما، وغالباً ما يُعتقد أن البراكين هي جبال ضخمة مثل جبل فيزوف أو جبل إتنا، تتدفق منها سيول مذهلة من الحمم البرتقالية المتوهجة، ولكن يُعتقد أن حوالي ثلثي براكين الأرض تقع تحت سطح المياه، بحسب تقديرات الخبراء، حيث تخفي أعماق المحيط، التي قد تمتد لآلاف الأمتار، براكين قادرة على توفير بيئة لكائنات غير معروفة، وقد تشكل جزراً جديدة بعد ثورانها.

1_1_11zon

كما يمكن أن تسبب البراكين تحت الماء زلازل وأمواج تسونامي، حيث يمكن أن يكون لثورانها آثار واسعة النطاق، ففي عام 2022، أدى ثوران بركان هونغا-تونغا هونغا-ها أباي في تونغا إلى تسونامي في المحيط الهادئ، مما أدى إلى وفاة ثلاثة أشخاص، وتضرر مئات المنازل، وانقطاع تونغا عن العالم لمدة خمسة أسابيع بسبب تدمير كابل الإنترنت البحري.

أين توجد البراكين البحرية؟

تتكون البراكين البحرية غالباً في المناطق التي تتباعد فيها الصفائح التكتونية الكبيرة، أو تنزلق بجانب بعضها البعض، مما يتيح للماغما أن ترتفع من أعماق القشرة الأرضية، وتغطي هذه الصفائح سطح الكوكب بأكمله، مما يجعل البراكين البحرية موجودة في شتى أنحاء العالم، من المحيطين الأطلسي والهادئ إلى البحر الأبيض المتوسط، وفي بعض الحالات، ترتفع أعمدة حرارية ساخنة من أعماق الأرض داخل الصفائح، مُشكِّلةً براكين جديدة.

2_2_11zon

أنواع مختلفة من ثوران البراكين

تقول إيزوبيل يوه، خبيرة البراكين البحرية في المركز الوطني البريطاني لعلوم المحيطات (NOC)، إن تفاعل الماغما مع المياه يجعل ثوران البراكين البحرية مختلفًا عن نظيره على اليابسة، وتوضح يوه: “تخيل أنك تصب الماء في مقلاة ساخنة؛ سيتحول فوراً إلى بخار، هذا بالضبط ما يحدث في أنظمة البراكين الضحلة”، مشيرةً إلى أن هذا ينطبق على البراكين الواقعة على عمق مئات الأمتار تحت سطح الماء، بينما تلك الموجودة على أعماق أكبر، فلا تحدث فيها انفجارات بسبب الضغط العالي للمياه، وتستمر الماغما في الخروج من البراكين لكنها تبرد بسرعة، كما تحدد كمية الغازات داخل المياه مدى عنف ثوران هذه البراكين، فكلما زادت كمية الغاز، ازدادت شدة الانفجار، وفقاً لرأي الخبراء.

3_3_11zon

ما هو معدل ثوران البراكين البحرية؟

وأوضحت يوه أن تحديد العدد الدقيق للبراكين البحرية ومعدل ثورانها صعب جداً، لأن معظمها لا يخضع للرصد المنتظم، حيث يشير خبراء إلى أن مراقبة هذه البراكين قد تتطلب تكلفة باهظة بسبب عدة عوامل، منها تعقيد التكنولوجيا المطلوبة، وتكاليف الغواصات والسفن المستخدمة، وصعوبة العيش في بيئة نائية قد يُضطر العلماء للعمل فيها، ويقدر علماء أن عدد البراكين البحرية حول العالم بالآلاف، بينما يعتقد آخرون أنه قد يصل إلى مليون بركان بحري، ويُجمع كثير من الباحثين على أن عدد البراكين البحرية ومرات ثوراتها يتجاوز ما هو موجود على اليابسة، ويرجع ذلك إلى الحسابات الرياضية المعقدة واعتبارات مختلفة، من بينها أن نحو 70 في المئة من سطح الأرض مغطى بالمياه، وتقول ديب كيلي، المتخصصة في علم جيولوجيا البحار بجامعة واشنطن الأمريكية، إن هناك أماكن قليلة فقط في العالم تتوافر فيها قياسات دقيقة لأنظمة البراكين البحرية.

4_4_11zon

أي الجزر تكونت من أنشطة بركانية؟

تكونت العديد من الجزر حول العالم نتيجة أنشطة بركانية، فعلى سبيل المثال، تُعد جزر هاواي سلسلة متصلة من الجزر البركانية، ويعتقد الخبراء أنها بدأت تتكون قبل حوالي 70 مليون سنة، ويرى العلماء أن الماغما استمرت في الصعود من أعماق المحيط حتى ظهرت فوق مستوى سطح البحر، أما جزيرة سانتوريني الواقعة في بحر إيجه، فقد نشأت عن ثوران بركاني ضخم عام 1630 قبل الميلاد تقريباً، وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأمريكية (NOAA)، وتُعد أيسلندا من المواقع الأخرى التي نشأت بفعل النشاط البركاني، وتقول يوه إن “هناك العديد من الأماكن حول العالم التي تحتوي على جزر بركانية، فإذا وجدت الرمال سوداء في مكان ما، فغالباً ما تكون ذات أصل بركاني”.

5_5_11zon

وغالباً ما تطرح البراكين البحرية كتلاً أرضية جديدة، فعلى سبيل المثال، أدى ثوران بركاني تحت الماء في عام 2023 إلى تكوُّن جزيرة جديدة قبالة سواحل جزيرة إيووتو بالقرب من اليابان، لكن بعض هذه الجزر الجديدة قد تتعرض للتآكل وتختفي تحت الماء، وأكدت يوه أنه “من المرجح أن نشهد تكوُّن المزيد من الجزر، لكننا قد نرى أيضًا بعضها يختفي”.

أكثر من مجرد براكين

وشددت كيلي على أن مراقبة البراكين البحرية أمر بالغ الأهمية لفهم النُظم البيئية البحرية بشكل أعمق، وأوضحت أن “تلك البراكين أشبه بواحات في قاع المحيط، وتزخر بمجتمعات حيوية مذهلة، فعدد الكائنات الحية عليها كبير لدرجةٍ يصعب معها حتى رؤية الصخور”، وقالت كيلي إن الحصول على معلومات أكثر عن هذه البيئات يساعد في اتخاذ قرارات مدروسة بشأن أنشطة مثل التعدين في أعماق البحار، وأكدت أنه “من الضروري أن نفهم طبيعة الكائنات التي تعيش هناك، وتأثيرها على باقي المحيط، ومدى استمرار وجودها، إذ لا بد من توافر هذه المعطيات قبل البدء في عمليات التعدين”.

6_6_11zon

هل ينبغي أن نقلق؟

تؤكد يوه أن جميع البراكين، سواء كانت على اليابسة أو تحت الماء، تُعد مصدر تهديد، حيث قالت: “لا أعتقد أننا بحاجة إلى القلق أكثر بشأن البراكين البحرية مقارنة بأي نوع آخر من البراكين”، وأشارت إلى أهمية مراقبتها، وهو ما لا نقوم به فعلياً، حيث أُجلي السائحون والسكان المحليون في أبريل/ نيسان الماضي بسبب ثوران بركان أرضي في أيسلندا، وأوضحت يوه أن “ذلك يجب تطبيقه على حالات ثوران البراكين البحرية”، مؤكدةً على ضرورة مراقبة هذه البراكين، إذ إن المخاطر التي تنطوي عليها لا تقتصر على الثوران فقط، فقد تنفصل أجزاء من البركان تحت الماء، مما قد يُحدث موجات تسونامي.

ماذا عن بركان أكسيال سيمونت؟

8_8_11zon

وشاركت كيلي في مراقبة بركان أكسيال سيمونت، الذي تقع قاعدته على عمق نحو 2600 متراً في المحيط الهادئ، حيث يُراقب البركان بواسطة كابل يبلغ طوله حوالي 500 كيلو متراً، يمتد من الساحل مباشرة إلى البركان، وبفضل هذا النظام، لاحظ العلماء أن البركان يشهد ارتفاعاً في الحرارة، وقد تجاوز بالفعل مستويات الانتفاخ التي سبقت ثورانه في المرات السابقة، وفقاً لكيلي، مما قد يعني احتمال ثورانه خلال العام المقبل، لكنه على الأرجح لن يشعر به أحد على اليابسة نظراً لعوامل عدة، منها ضغط مياه المحيط، وتعتقد كيلي أن التقنيات الحديثة ستُتيح مستقبلاً مراقبة أدق للبراكين البحرية، وختمت بقولها: “إنه جزء بالغ الأهمية من كوكبنا، وعلينا بالتأكيد أن نعرف عنه المزيد”.