“لو كنت مكان مصر لرغبت في الحصول على مياه نهر النيل”، بهذه العبارة تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أزمة سد النهضة الذي أنشأته إثيوبيا على مجرى النيل الأزرق، مما أثر على تدفق المياه إلى مصر، وهذه ليست المرة الأولى التي يتناول فيها ترامب هذا الملف، بل هي المرة الثالثة في وقت قصير، حيث ركز على “سد النهضة” بشكل خاص، وليس فقط على مصر أو إثيوبيا.

شوف كمان: الداخلية تكشف تفاصيل مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة بعد انتشار فيديو مثير
لكن ما هي الأهداف الحقيقية وراء هذه التصريحات المتكررة؟ هل يسعى ترامب فعلاً إلى حل الأزمة، أم أن هناك دوافع خفية تخدم طموحاته السياسية ومصالحه الشخصية؟
أجندة خفية
وفي هذا السياق، أشار المحلل السياسي الدكتور مهدي عفيفي في تصريحات خاصة لـ “نبأ العرب”، إلى أن تصريحات ترامب بشأن سد النهضة لا يمكن فصلها عن أجندته السياسية، موضحًا أن “ترامب غالبًا ما يُقحم نفسه في الملفات الدولية لتحقيق مكاسب انتخابية أو شخصية، وليس بدافع المصلحة العامة أو رغبة حقيقية في حل الأزمات”.
وأوضح عفيفي أن “ترامب يعتقد دائماً أنه قادر على استخدام ذكائه وعلاقاته لتسويق نفسه كصانع صفقات، لكن تحركاته غالبًا ما ترتبط بتحقيق أهداف خفية، خاصة تلك التي تصب في مصلحة الجماعات التي دعمت مشروع إسرائيل الكبرى”.
وأضاف عفيفي: “نرى أن جميع الملفات التي يلوح بها ترامب – من غزة إلى إيران وسوريا ولبنان – تصب في الضغط الإقليمي لصالح إسرائيل، وما يحدث في غزة من حرب وتجويع، أو في ملف التهجير إلى سيناء، أو حتى في استخدام ورقة سد النهضة، كلها أدوات ضمن مخطط يخدم الأجندة الإسرائيلية”.
وأشار عفيفي إلى أن ترامب يسعى لاستخدام ملف سد النهضة كورقة ضغط جديدة ضد القاهرة، خاصة بعد فشل محاولاته في تمرير خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وتابع: “ترامب يكرر عادته بإلقاء اللوم على إدارة بايدن في جميع الملفات، ويحرص على الظهور بمظهر رجل السلام، رغم أنه لم ينجح في الوفاء بوعوده السابقة سواء في أوكرانيا أو قطاع غزة”.
ولا يمكن الوثوق بوعود ترامب، بحسب دكتور مهدي، حيث سبق له أن وعد بحل الصراع الروسي الأوكراني خلال 24 ساعة من توليه السلطة، إضافة إلى تعهده بإنهاء الأزمة في غزة خلال أيام، لكنه لم يتمكن من تنفيذ أي من تلك التعهدات.
وتساءل: “أين كان ترامب حين كانت أزمة سد النهضة تتفاقم خلال ولايته الأولى؟ لم يتخذ أي خطوات حقيقية في هذا الملف رغم أنه كان رئيسًا لمدة أربع سنوات، والآن يريد أن يُقنع العالم بأنه استيقظ فجأة ليأخذ موقفًا داعمًا لمصر؟ هذا غير منطقي”.
واختتم عفيفي حديثه بالتأكيد على أن ما يهم ترامب فعليًا هو صورته أمام الناخب الأمريكي ومصالحه الشخصية، وليس مصلحة مصر أو الفلسطينيين أو أي قضية دولية، قائلًا إنه يستخدم الملفات الدولية لتسويق نفسه داخليًا، ويُحرك أوراقًا مثل سد النهضة فقط لخدمة أجندته، وليس بهدف الوصول إلى حلول حقيقية.
في ذات السياق، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون الدولية، إن تصريحات ترامب حول سد النهضة تتسم بالتناقض، وتوجه رسائل متضاربة إلى مختلف الأطراف، من مصر إلى إثيوبيا، مرورًا بمنطقة القرن الإفريقي والقارة الإفريقية بأسرها.
وفي تصريحاته لـ “نبأ العرب”، أشار فهمي إلى أن ترامب يحاول أن يقحم نفسه في ملف الأمن المائي الإفريقي، لكنه لا يقدم مقاربة واضحة أو رؤية متكاملة لحل الأزمة، بل يكتفي بإطلاق تصريحات فضفاضة لا ترتكز إلى وقائع دقيقة، كادعائه بأن الولايات المتحدة مولت سد النهضة، في حين أن تمويل المشروع جاء بمساهمة عدة قوى دولية وليس الولايات المتحدة وحدها.
وأضاف فهمي: “إذا كان ترامب جادًا في التدخل بهذا الملف وطرح حلول أو مقترحات واضحة، فذلك أمر مرحب به، لكن استمرار إطلاق التصريحات دون مضمون فعلي لا يخدم أحدًا، ولا يسهم في إحراز تقدم”.
وأكد أن القاهرة من جانبها ترحب بأي جهود دولية بناءة تُبذل لحلحلة أزمة سد النهضة، موضحًا أن تغريدة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة تُعد إشارة إيجابية على انفتاح مصر تجاه أي مسار جاد للتعاون في هذا الملف، لكن المطلوب الآن هو الانتقال من الأقوال إلى الأفعال.
أربع خطوات تُظهر الجدية
ولخص فهمي الإجراءات العملية التي يجب أن تصاحب تصريحات ترامب في أربع نقاط رئيسية:
1. لعب دور الوسيط المباشر في ملف سد النهضة.
2. إعادة تفعيل دور “إعلام واشنطن”، كما حدث في وساطة واشنطن خلال الأزمة اللبنانية الأولى.
3. الدعوة إلى عقد قمة ثلاثية في العاصمة الأمريكية تجمع مصر وإثيوبيا والولايات المتحدة.
4. ممارسة ضغوط حقيقية على الحكومة الإثيوبية للقبول بمشاركة مصر في إدارة وتشغيل السد.
وقال الدكتور فهمي، إن هذه الإجراءات هي التي يمكن البناء عليها إذا ما رغب ترامب أو أي طرف أمريكي في لعب دور فعلي في هذا الملف، أما التصريحات وحدها، فتبقى دون قيمة ما لم تُترجم إلى تحركات على الأرض.
غياب الرد الإثيوبي.. لماذا؟
وحول عدم وجود رد فعل رسمي من إثيوبيا حتى الآن على تصريحات ترامب، أوضح فهمي أن السبب يعود لغياب أي تحرك ملموس من جانب الإدارة الأمريكية، وأضاف: “حين تتحول التصريحات إلى خطوات عملية ورسائل مباشرة، حينها فقط يمكن أن نبدأ في رصد رد فعل إثيوبي حقيقي، أما الاكتفاء بالخطاب الإعلامي فلا يُجبر أديس أبابا على اتخاذ موقف”.
وختم بالقول: “حتى الآن، واشنطن لم تبلور موقفًا واضحًا، ولا تزال تتحرك بخطاب إعلامي غير مدعوم بتحرك دبلوماسي فعلي، وهذا هو السبب وراء استمرار تجاهل الجانب الإثيوبي لما يُقال، وترقّبه دون أي رد واضح”.
على جانب آخر، أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي صدمة واسعة في الأوساط الإثيوبية بحسب صحيفة “ذا ريبورتر” الإثيوبية، التي ذكرت أن ترامب وُجهت له اتهامات بالانحياز الصريح لموقف مصر في النزاع حول مياه النيل.
وبحسب الصحيفة، أعرب إثيوبيون عن قلق بالغ إزاء ما وصفوه بتصريحات غير مبررة بحق سد النهضة، الذي تعتبره أديس أبابا مشروعًا سياديًا وطموحًا حيويًا لانتشال البلاد من الفقر وتحقيق التنمية، في مقابل مخاوف مصر من أن السد قد يهدد حصتها من مياه النيل التي تعتبر حقًا تاريخيًا.
وقال فقه أحمد، الذي شغل سابقًا منصب مدير شؤون الأنهار العابرة للحدود بوزارة المياه الإثيوبية، إن “ترامب يحمل ضغينة ضد إثيوبيا منذ رفضها الانصياع لجهوده الذاتية للتوسط بينها وبين مصر قبل ثماني سنوات خلال فترته الرئاسية الأولى”، مشيرًا إلى أن “المصريين نجحوا في دفعه إلى تبني موقف يطالب إثيوبيا بالتوقيع على اتفاق ملزم مع مصر والسودان بشأن سد النهضة”.
وأكد فقه أن “إثيوبيا لا يمكنها ولا ينبغي لها أن توقع مثل هذا الاتفاق”، موضحًا أن ذلك “سيُقيد احتياجاتها التنموية طويلة الأجل باستخدام مواردها الطبيعية داخل أراضيها”.
ورأى الخبير الإثيوبي أن الالتزامات الأميركية السابقة تجاه مصر، من بينها تلك التي تعود إلى اتفاقية كامب ديفيد، ما زالت تُلقي بظلالها على موقف الولايات المتحدة تجاه النزاع الإثيوبي-المصري بشأن مياه النيل.