غزة خارج التغطية قريبًا بسبب الجوع الذي يمنع الصحفيين من العمل

-مارينا ميلاد:

غزة خارج التغطية قريبًا بسبب الجوع الذي يمنع الصحفيين من العمل
غزة خارج التغطية قريبًا بسبب الجوع الذي يمنع الصحفيين من العمل

منذ أكثر من 22 شهرًا، يواصل الصحفي أنس الشريف جهوده لنقل أحداث غزة في ظل الحرب الإسرائيلية التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023، ولأول مرة، قد يجد نفسه عاجزًا عن العمل أمام الكاميرا، ليس بسبب استهدافه كما حدث مع أكثر من مائتي صحفي، بل بسبب الجوع الشديد الذي يعاني منه.

أنس، البالغ من العمر 28 عامًا، هو واحد من مليوني شخص محاصرين في القطاع، حيث يُحرم ثلثهم من الطعام لعدة أيام، ويعيش الجميع في ظروف وصفها برنامج الأغذية العالمي بأنها “غير مسبوقة من التدهور”.

في صباح اليوم الثلاثاء فقط، سجلت مستشفيات القطاع أربع وفيات، بينها طفلان، نتيجة سوء التغذية والجفاف، ويقوم أنس بنقل صور لأجسادهم النحيلة، ويعاني هو من نفس الأعراض، فيقول: “أنا أترنّح من الجوع، أرتجف من الإرهاق، وأقاوم الإغماء الذي يلاحقني في كل لحظة”.

522647260_17928371850085636_987053329759505691_n

لم يتمكن أنس والعديدون من الوصول إلى المساعدات التي تدعي “مؤسسة غزة الإنسانية” أنها تقدمها، ورغم الدعم الأمريكي والإسرائيلي، تواجه المؤسسة انتقادات واسعة من عدة منظمات، بما في ذلك الأمم المتحدة.

فقد قُتل حوالي 800 شخص أثناء انتظارهم المساعدات قرب مقار المؤسسة أو في الطريق إليها، وفقًا للأمم المتحدة، بينما تقدر وزارة الصحة في غزة العدد بأكثر من ألف شخص و6500 مصاب.

هذا ما يسعى أنس لنقله للعالم من خلال بعض الصور والكلمات التي يرددها أمام الكاميرا، مشهد يبدو فيه صامدًا، لكنه يعبر عن الحقيقة بقوله إن هو وزملاءه “ينهارون من الداخل”، ويضيف: “نحن نموت من الجوع، من القصف، من القهر”، وفي إحدى المرات، ظهر ضعفه حين بكى لسقوط أشخاص حوله بعد أن أنهكهم الجوع.

وفي مناطق أخرى قريبة من أنس، لم يتمكن زملاؤه في وكالة الأنباء الفرنسية من مواصلة العمل، حيث عبرت الوكالة في بيان لها عن مخاوفها لأول مرة منذ تأسيسها عام 1944 من أن يموت مراسلوها جوعًا.

تعمل الوكالة مع كاتب نصوص مستقل وثلاثة مصورين وستة مصوري فيديو مستقلين في قطاع غزة منذ مغادرة صحفييها الدائمين في أوائل عام 2024، أحدهم بشار (30 عامًا) الذي يعمل معها منذ عام 2010، ويعبر عن حالته قائلاً: “لم تعد لديَّ القوة للعمل في وسائل الإعلام، جسدي نحيف ولا أستطيع العمل بعد الآن”.

بشار وزملاؤه هم اليوم الوحيدون الذين لا يزالون يغطون ما يحدث في غزة، بعد منع وسائل الإعلام الدولية من دخول القطاع منذ نحو عامين، وعلى الرغم من تلقيهم راتباً شهرياً، إلا أنه بالكاد يغطي أسعار السلع المرتفعة، كما أن النظام المصرفي معطل، والوسيط الذي يحول الأموال يقتطع عمولة تصل إلى 40%.

لا تستطيع الوكالة تزويدهم بأي شيء، حتى الوقود الكافي للتنقل، مما يجعلهم هدفًا للطيران الإسرائيلي، لذا يتنقلون مشيًا على الأقدام أو على عربات تجرها الحمير.

لا تزال أحلام، التي تعمل في جنوب القطاع المدمر، تحاول الاستمرار في عملها، وتقول: “في كل مرة أغادر فيها الخيمة لتغطية حدث، أو إجراء مقابلة، لا أعلم إذا كنت سأعود حية، أحاول أن أواصل عملي لأعطي صوتاً للناس وأوثق الحقيقة رغم محاولات إسكاتها، مثل نقص الماء والغذاء”.

ما يوثقه أنس وبشار وأحلام يشاركه فيه بقية سكان القطاع، الذين يدلون بشهاداتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول طوابير تمتد لآلاف الأشخاص لاستلام الطحين والمساعدات، وسقوط أشخاص من شدة التعب، فضلاً عن وقائع القتل وموت الأطفال جوعًا، ويصف الصحفي يوسف شرف، الذي فقد 37 شخصًا من عائلته، الجوع بأنه “لا ينام ولا يرحل، هو قصف متواصل لا صوت له”.

وينقل فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأونروا، أن الموظفين والأطباء والعاملين في المجال الإنساني يصابون بالإغماء أثناء تأدية واجبهم بسبب الجوع والإرهاق، ويصف غزة بأنها أصبحت “جحيماً على الأرض”.

طالبت 25 دولة، من بينها بريطانيا وفرنسا، بإنهاء حرب غزة فورًا، وتلك المعاناة التي بلغت مستويات غير مسبوقة، كما رفضت تلك الدول الاقتراح الإسرائيلي الخاص بنقل سكان غزة إلى ما يُعرف بـ”المدينة الإنسانية” في جنوب رفح، معتبرة ذلك تهجيرًا قسريًا دائمًا، وهو البيان الذي رحبت به مصر، المتمسكة بموقفها في إدانة الممارسات الإسرائيلية ومنع دخول المساعدات الإنسانية.

وفي خضم هذه الظروف، لا يعلم أنس الشريف وزملاؤه بشار وأحلام مصيرهم، وإن كانوا سيبقون أحياء حتى تتوقف هذه الحرب وينقلوا الخبر، فيقول أنس: “غزة تموت… ونحن نموت معها.. غدًا قد لا يكون هناك من ينتظر نجاته!”.

اقرأ أيضا: