تباينت آراء عدد من الاقتصاديين الذين تحدثوا مع “نبأ العرب” حول قدرة التعاون الاقتصادي والتكامل مع الصين في إخراج الاقتصاد المصري من أزمته الحالية، حيث يرى البعض أن الصين هي المستفيد الأكبر، بينما يعتقد آخرون أن مصر تتخذ خطوات استراتيجية لتأمين موقعها الإقليمي والاقتصادي.

من نفس التصنيف: حادث مروع على طريق ملوي الزراعي يسفر عن إصابة 11 شخصًا في تصادم ميكروباص وربع نقل (صور)
وقامت الصين بتكثيف توقيع عدد من الاتفاقيات مع مصر لضخ استثمارات في العديد من القطاعات المختلفة، وآخرها كانت مذكرة تفاهم وقعها حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري، مع بان قونغ شنغ، محافظ البنك المركزي الصيني، بهدف تعزيز التعاون والتنسيق المشترك في مجالات ذات اهتمام مشترك بين البنكين المركزيين.
تهدف مذكرة التفاهم إلى تشجيع استخدام العملات المحلية في تسوية المعاملات المالية والتجارية، كما تسعى لتسهيل الاستثمارات المباشرة بين الجانبين، مما يسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجال العملات الرقمية للبنوك المركزية.
مواضيع مشابهة: طلاب الثانوية العامة يكتشفون شكل امتحان قدرات الفنون التطبيقية بطريقة سهلة ومبسطة
الصين المستفيد الأكبر
قال الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن الصين تتحرك وفقًا لمصالحها كما تفعل الدول الأخرى، مشيرًا إلى أن التكامل الاقتصادي لا يكون من طرف قوي لضعيف بدافع المساعدة، بل لتحقيق مصالح استراتيجية واقتصادية، وأضاف لـ”نبأ العرب” أن الصين تتبع سياسة مختلفة عن الولايات المتحدة، حيث لا تمارس ضغوطًا سياسية أو عسكرية مباشرة، بل تتعامل بهدوء بما يعرف بـ”سيف الحياء”، لتحقيق أهدافها دون صدام مباشر.
وأوضح الإدريسي أن بكين تسعى لتوسيع نفوذها في أفريقيا باعتبارها سوقًا ضخمة تضم أكثر من 1.2 مليار مستهلك، ومصر تمثل بوابة محورية لهذا السوق نظرًا لموقعها الاستراتيجي وعلاقاتها الإقليمية المستقرة، ورغم الحديث عن التكامل مع الصين منذ سنوات، أشار الإدريسي إلى أن مصر لم تحقق حتى الآن استفادة حقيقية يشعر بها المواطن، مؤكدًا أن الاستفادة الأكبر قد تكون من نصيب الجانب الصيني، مستدلًا باستمرار استيراد المنتجات الصينية، بما في ذلك السيارات الكهربائية.
وتابع: “إذا كنا بالفعل نستفيد بالشكل الكافي، ما كنا لنصل إلى مستويات الدين المرتفعة الحالية، ولكن بلا شك تظل العلاقة مع ثاني أكبر اقتصاد عالمي مفيدة من حيث تنفيذ مشروعات على أرض مصر.”
تحديات أكثر من الانتفاع
ويرى الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، أن دخول مصر في تعاون اقتصادي واسع مع الصين قد يخلق تحديات أخرى، خاصة في ظل توترات الصين مع الغرب، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأشار إلى أن الصين، رغم كونها شريكًا اقتصاديًا ضخمًا، إلا أنها تميل لحماية مصالحها بشدة، ولا تقدم تنازلات، وإذا قدمت تمويلًا أو قروضًا، فهي لا تجددها بسهولة، بل قد تلجأ إلى السيطرة على الأصول في حال تعثر السداد، كما فعلت مع بعض الدول الأفريقية.
وأكد النحاس أن المنافع المتوقعة من العلاقة مع الصين قد لا توازي المخاطر المحتملة، مشيرًا إلى أن الصين لا تمنح استثمارات بلا مقابل، والسياحة القادمة منها لمصر ليست كثيفة بالقدر الكافي لتعويض الفجوة.
خطوة لتأمين مصر
أما الدكتور أحمد خطاب، الخبير الاقتصادي، فأكد أن الشراكة الاستراتيجية بين مصر والصين تعد خطوة مهمة لدعم التبادل التجاري بين البلدين، خاصة بعد أن خصصت الصين منطقة صناعية داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وأوضح أن هذه المنطقة تهدف إلى تسهيل نفاذ المنتجات الصينية إلى أفريقيا عبر مصر، التي تعد عضوًا في تجمع الكوميسا، مما يعزز موقعها كمركز لوجستي إقليمي.
وأشار خطاب إلى أن الشراكة المصرية الصينية شهدت تطورًا كبيرًا منذ إعلان الرئيسين المصري والصيني الدخول في شراكة استراتيجية، مما أدى إلى رفع القيود على التجارة بين مصر والصين، ودخول الصين في استثمارات بمشروعات كبيرة، تشمل صناعات السيارات والشرائح الإلكترونية.
كما لفت إلى أهمية اتفاق الجانبين على تسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية (الجنيه المصري واليوان الصيني)، خاصة في ظل عضوية مصر في مجموعة “بريكس”، مما يخفف الضغط على الدولار ويدعم استقرار الجنيه ويعزز تنوع الشراكات الاقتصادية.
وأكد على أن الشراكة مع الصين لا تقتصر على الاقتصاد فقط، بل تمتد إلى التعاون العسكري واستيراد الأسلحة، مما يساهم في تنويع مصادر القوة وضمان التوازنات الاستراتيجية، ولفت إلى أن مصر تعمل على تعزيز أمنها القومي من خلال تنويع وارداتها وشراكاتها الدولية، وليس الاعتماد على محور واحد فقط، وبهذه الشراكة تؤمن نفسها من أي خطر أمريكي بتحالفها مع دولة مثل الصين.