
في إطار الاحتفال بالدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري برئاسة الفنان محمد رياض، كانت المخرجة الكبيرة عبير علي ضيف شرف في ندوة مميزة استعرضت خلالها مسيرتها المسرحية الثرية، بحضور الناقدة الدكتورة لمياء أنور، وقد أدارت الحوار الكاتبة والناقدة مايسة زكي.
اقرأ كمان: شيرين رضا تكشف عن سبب عدم حبها للدليفري وتفضيلها الطعام المنزلي
افتتحت مايسة زكي اللقاء بالإشارة إلى كتاب “عبير علي.. الفنانة الاستثناء” الذي أصدره المهرجان ضمن سلسلة توثيق مسيرة المكرمين، وهو من تأليف الدكتورة لمياء أنور، وقد وصفت زكي الكتاب بلغة رشيقة تعكس الفن والتقدير للتجربة، وطرحت تساؤلاتها للمؤلفة حول عملية تأليفه.
بدورها، أوضحت د. لمياء أنور أن تأليف الكتاب كان تحديًا مزدوجًا لها نظرًا لعمق التجربة ومتابعتها عن قرب، وأضافت: عندما انتهيت من الكتاب شعرت كأني رسمت لوحة تشكيلية… واتبعت منهجًا وصفيًا تحليليًا لقراءة عروض عبير علي، مع توظيف رؤية فلسفية ترصد ملامح مشروعها الفني
تحدثت أنور عن البصمة الخاصة لعبير علي في المسرح المصري، مؤكدة أنها “انحازت دومًا إلى المهمشين والهوامش، بعيدًا عن المركزية”، وأن جميع أعمالها تُبنى على منطق “المختبر المسرحي”، حيث تتكامل عناصر العرض من أزياء وديكور إلى التكوينات البصرية، وهذا يعود لتكوينها الأكاديمي وتدريباتها المستمرة.
من جانبها، أشادت مايسة زكي بتجربتها القريبة مع عبير علي، مشيرة إلى قدرتها الفريدة على تشييد العروض المسرحية بإتقان، حيث وصفتها بأنها تشبه “النساجة”، إذ تُحكم كل تفصيلة في العرض، وعروضها غنية بالبروفات والإشباع الجمالي والحضور المسرحي الكامل.
في بداية كلمتها، أعربت المخرجة عبير علي عن شكرها لإدارة المهرجان، مشيرة إلى أن تكريمها في المهرجان القومي للمسرح له مكانة خاصة: رغم أنني كرّمت في العديد من المحافل الدولية، فإن هذا التكريم هو الأهم في حياتي
ثم بدأت عبير في سرد ملامح من رحلتها الشخصية والفنية، مشيرة إلى نشأتها في بيئة يغلب عليها الحكي الشعبي، حيث نشأت على حكايات الأرض وصوت جدتها وهي تقرأ الجرائد، وبدأت بالغربة، حيث كنا غرباء في الفيوم، ورافقني هذا الشعور طيلة سنوات حياتي.
انحيازها للمهمشين، كما قالت، لم يكن اختيارًا طارئًا، بل وُلد من تلك الحالة، حيث تشكل قضايا التهميش والعدالة الثقافية والهوية الإنسانية شخصيتها، ولهذا اخترت مسرح الحكي لأنه لا يحتاج إمكانيات مادية كبيرة، ويُشرك الجمهور في صميم التجربة.
أكدت عبير علي في حديثها على رؤية فلسفية وفنية متكاملة، حيث ترى أن المبدع لا يتوقف عن التعلم والتجريب، فالمبدع هو مشروع باحث ومتدرب حتى الموت… المسرح لا يتوقف، ولا يجب أن يتوقف الإبداع، وأشارت إلى أن كل عرض تقدمه وراءه هاجس أو فكرة تشغلها وتشكل دافعًا أساسيًا للإنتاج، مُستشهدة بعدد من أعمالها المسرحية.
سلّطت عبير الضوء على عملها في الهيئة العامة لقصور الثقافة، ومشروعاتها العديدة لتدريب الفنانين في أقاليم مصر، عبر مراكز التدريب المتخصصة، التي بدأت في المنيا ثم امتدت إلى المنوفية والفيوم، وقدمت هذه المراكز ورشًا لجمع التراث الشعبي وإعادة توظيفه إبداعيًا، مما نتج عنه مشاريع وعروض في نهاية كل عام، شملت تدريبات على الرقص الشعبي وفنون الأداء.
كما تحدثت عن تجربتها مع فرقة المسحراتي، وكيف تم توظيفها في مشروع تدريبي واسع امتد إلى مختلف المحافظات، لخلق جيل مسرحي مدرب على الحكي والفنون الأدائية الأصيلة.
في ختام اللقاء، بدت عبير علي وفية لسؤالها الأول، الذي انطلقت منه منذ أن كانت “ابنة الغريب” في الفيوم، والذي لا تزال تبحث له عن إجابات على خشبة المسرح، وربما لهذا، كما قالت، اختارت أن تبقى دومًا داخل “المختبر”، حيث يُعاد طرح كل شيء من جديد، وتُغزل كل خيوط العرض بخيوط الحكاية والتجربة.