حرائق سوهاج وأساطير الجن.. 20 عامًا من الغموض في نيران برخيل والقصص المثيرة حولها (صور)

سوهاج – عمار عبدالواحد:

حرائق سوهاج وأساطير الجن.. 20 عامًا من الغموض في نيران برخيل والقصص المثيرة حولها (صور)
حرائق سوهاج وأساطير الجن.. 20 عامًا من الغموض في نيران برخيل والقصص المثيرة حولها (صور)

في منتصف يوليو الجاري، استيقظ أهالي قرية برخيل في صعيد مصر على صوت الصراخ وألسنة اللهب، لم يكن ذلك نتيجة صاعقة برق أو انفجار أنبوب غاز، بل كانت نيران تندلع من تلقاء نفسها، كما نقلت الشهادات، التي تحدثت عن حرائق التهمت أكثر من 25 منزلاً، تاركة خلفها رمادًا ورعبًا وسؤالًا واحدًا يتردد في الأجواء المليئة برائحة الدخان: “ماذا يحدث لنا؟”

بالنسبة لكبار السن في مركز البلينا، لم يكن هذا المشهد جديدًا، بل هو مجرد فصل آخر في حكاية ممتدة على مدار عقدين، وهي حكاية نُسجت خيوطها بين تقارير رسمية باردة وأساطير شعبية ملتهبة، راسخة في وجدان الصعيد.

حينما حلّقت “الطيور المشتعلة” في 2004

بدأ كل شيء في عام 2004، حيث اندلعت حرائق متفرقة في نجوع برديس، وانتشرت رواية شعبية عن طيور مشتعلة تحط على أسطح المنازل فتشعلها، وبينما تراوحت التفسيرات بين الأساطير ومحاولة إيجاد سبب علمي بأن حريقًا ربما شب في “برج حمام” فاحترقت الطيور ومن ثم حلقت في سماء القرية هربًا من النيران التي قد أمسكت بها، انتقلت الحرائق التي تكررت على مدار أيام، وأكدت جهات التحقيق وقتها أن “ماسًا كهربائيًا” كان السبب، وهو تفسير لم يُقنع الأهالي بعد نشوب حرائق في منازل أخرى لم تدخلها الكهرباء.

لعنة الجن الحارق في 2017

عاد شبح الحرائق بشكل أكثر ضراوة في 2017، وهذه المرة في قرية السلماني، حيث تحولت أكثر من 10 منازل إلى رماد، وخسائر قُدرت بمليون جنيه، لم تكن مادية فحسب، بل إنسانية أيضًا، حيث قضت النيران على جهاز عروس قبل الزفاف بأيام، عن مستقبل دمره “الجن” بحسب الروايات المتداولة، التي نفاها علي رفاعي رئيس مجلس المدينة – وقتها – مؤكدًا أن هذه الحرائق تندلع بسبب “تطاير شرر من الأفران الطينية”، لكن الأهالي ردوا بأن “حرائق الجن لا تطفئها المياه”.

وهكذا، استمر الحال بشكل شبه سنوي؛ تهدأ النيران في قرية بينما تشتعل في أخرى، وتتطاير الروايات التي تُفسر الأمر بالجن مع ألسنة اللهب من مكان لآخر.

برخيل.. العودة إلى نقطة الصفر

واليوم، مع عودة النيران لتضرب برخيل، طفا الجدل القديم على السطح، حتى وصل إلى الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، الذي نقل استغاثة من الأهالي عبر حسابه بـ “فيسبوك”، كاشفًا عن عمق الأزمة.

استجابت مؤسسة الأزهر الشريف بإرسال وفد رسمي من وعظ سوهاج إلى القرية لتقديم الدعم النفسي ومواجهة الشائعات التي أعيد تداولها بين السكان، وقد شدد الوفد على “ضرورة الاحتكام إلى العلم”، بينما قدم أحد الأساتذة الجامعيين -معلقًا على منشور شومان- تفسيرًا علميًا محتملًا لهذه الحرائق، يعود إلى غاز الميثان القابل للاشتعال ذاتيًا، والذي تنتجه المخلفات الزراعية المخزنة بالمنازل مع ارتفاع درجات الحرارة.

أما رسميًا، فقد وجه المحافظ اللواء عبد الفتاح سراج بتواجد فرق من مديريات التضامن الاجتماعي والصحة والتموين في القرية لتقديم الدعم العاجل، كما كلف مسؤولي مدينة البلينا بالتواجد الميداني المستمر، وفق مصادر لنبأ العرب.

بينما تتحرك الجهات الرسمية، تبقى الحقيقة غائبة، ويظل أهالي برخيل عالقين في صراع مرير بين تفسيرات العلم وروايات الأجداد، على أمل أن تمنحهم الأيام القادمة إجابة شافية، تطفئ مخاوفهم قبل أن تطفئ لهيب منازلهم.