
من نفس التصنيف: شباب النواب يوصون الإسماعيلية بتخصيص أرض لإنشاء نادي أبو خليفة الجديد
بينما يمضي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية محاطًا بإنجازات ملحوظة، تتجلى في الأفق أزمتان عالميتان قد تكشفان عن حقيقته كقائد، فهل هو قائد حقيقي يمتلك رؤية واضحة، أم مجرد “متنمّر سياسي” يتقن استعراض القوة دون عمق حقيقي.
في غزة، تتفاقم الكارثة الإنسانية يومًا بعد يوم، وتتصاعد الأصوات التي تطالب ترامب بتحمل مسؤولياته كزعيم لأكبر قوة دولية، بينما في أوكرانيا تتجلى معضلة كبيرة، فهل سيتخذ ترامب موقفًا حازمًا ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أم أن صراعه هناك هو مجرد حلقة أخرى في سعيه نحو المجد الشخصي.
وفقًا لتقرير من شبكة “سي إن إن” الأمريكية، يمكن أن تصبح غزة وأوكرانيا مرآتين تعكسان جوهر شخصية ترامب، وتقدمان للعالم، وللأمريكيين أنفسهم، إجابة حاسمة حول ما إذا كان زعيمًا يؤمن بالقيم والمسؤولية، أم رجل يستبدل القيادة بالصفقات والحلول بالاستعراضات.
ترامب المنتصر… ولكن لمن؟
بعد مرور ستة أشهر على ولايته الثانية، يبدو أن ترامب يحقق ما لم يستطع إنجازه في ولايته الأولى، فعلى الساحة الدولية، يقوم بتفكيك النظام التجاري العالمي من خلال اتفاقيات تعزز هوسه بالرسوم الجمركية، كما يرسل قاذفات شبح لقصف البرنامج النووي الإيراني، ويجبر أعضاء الناتو على زيادة إنفاقهم العسكري بشكل كبير، كما ذكرت شبكة “سي إن إن”.
أما على الصعيد الداخلي، فقد أخضع الكونغرس لإرادته، وفرض أيديولوجيته على كبرى الجامعات، وأجبر مكاتب المحاماة على الدفاع عنه مجانًا، وسخر النظام القضائي لمحاربة خصومه، وأغلق الحدود الجنوبية فعليًا، مانعًا الهجرة غير النظامية.
بحسب الشبكة الأمريكية، فإن هذا هو “الربح” الذي وعد به ترامب أنصاره من حملة “اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا”، والذي قال إنه سيكون وفيرًا لدرجة تجعلهم يملّون من كثرة الانتصارات.
وسط هذه الصورة المنتصرة، يطرح سؤال جوهري، هل يحقق ترامب انتصارات لأمريكا أم لنفسه، وهل ما يمارسه من ضغوط على الحلفاء والدول الصغيرة يُعتبر دليلًا على قوة قيادية أم مجرد استقواء وتنمّر سياسي.
ثلاثة اختبارات حاسمة
يقول التقرير إن المفاتيح الحقيقية لاختبار قوة ترامب كزعيم عالمي تتمثل في ثلاث قضايا تصدرت جدول زيارته إلى اسكتلندا مؤخرًا، وهي المجاعة المتفاقمة في غزة، والحرب المستمرة في أوكرانيا، ومفاوضات التجارة الدولية.
فيما يتعلق بقطاع غزة، اتخذ ترامب منهجًا مختلفًا عن حليفه، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حيث علق على مشاهد الأطفال في غزة وهم يعانون من سوء التغذية، ووصفها بـ “المرعبة”، رافضًا مزاعم نتنياهو بعدم وجود مجاعة في القطاع.
قال ترامب: “علينا أن نُطعم الأطفال”، متعهدًا بإنشاء مراكز توزيع غذائي مفتوح دون قيود للتخفيف من المجاعة، لكنه لم يقدم تفاصيل حول كيفية تنفيذ ذلك في منطقة حرب يُقتل فيها المدنيون أثناء انتظارهم في طوابير المساعدات.
بحسب “سي إن إن”، تجاهل ترامب أيضًا مسؤولية الولايات المتحدة في الأزمة، خاصة في ظل تعثر برنامج المساعدات الذي ترعاه واشنطن ويتجاوز الأمم المتحدة، فيما يخص “منظمة غزة الإنسانية”.
قد تمثل هذه التصريحات تحولًا حقيقيًا في موقف ترامب، كما ذكرت “سي إن إن”، وقد تشير إلى نية لقطع الطريق على نتنياهو الذي لطالما رفض الضغوط الأمريكية وأضر بصورة ترامب كـ “صانع سلام”.
ومع ذلك، يرى المشككون أن رد فعل ترامب قد يكون استجابة سياسية محسوبة للغضب الدولي المتزايد تجاه إسرائيل، خاصة أنه سبق أن اقترح تحويل غزة إلى منتجع ساحلي باسم “ريفييرا الشرق الأوسط”، وهو ما اعتُبر استخفافًا بمعاناة الفلسطينيين.
بحسب الشبكة، إذا كانت نوايا ترامب صادقة، فإن تدميره لوكالة التنمية الأمريكية يعني أن الأطفال المحتاجين في غزة لن يجدوا الكثير من الدعم.
أوكرانيا
في ملف الحرب في أوكرانيا، تحول موقف ترامب مع إظهاره استياءه المتزايد من فلاديمير بوتين، بسبب تجاهله “عروض السلام السخية” التي قدمت.
اقرأ كمان: تحقيق الجيش الإسرائيلي في استخدام صاروخ إيراني بوزن طن ورأس متفجر
قال ترامب: “نخوض محادثات محترمة جدًا، ثم يموت الناس في الليلة التالية”، مضيفًا أنه قلص مهلة الاستجابة الروسية من 50 يومًا إلى 10 أو 12 يومًا.
لكن التحدي الحقيقي أمامه هو ما إذا كان سيواجه بوتين فعليًا، فالضغط على روسيا، خاصة عبر العقوبات الثانوية على صادراتها النفطية، يتطلب صدامًا مباشرًا مع قوى كبرى مثل الصين والهند، مما قد يعرض الاقتصاد العالمي لأزمة جديدة.
بينما كان ترامب في اسكتلندا، كان مفاوضوه التجاريون في السويد يعقدون محادثات رفيعة مع الصين، تمهيدًا لاحتمال زيارة له إلى بكين، والسؤال هنا، بحسب “سي إن إن”، هل سيجازف ترامب بكل ذلك من أجل أوكرانيا، وهي دولة يعتبرها قد استهلكت ما يكفي من المساعدات الأمريكية.
تابع التقرير، إذا تحرك ترامب فعلًا ضد بوتين، بما قد ينعكس سلبًا على علاقته مع الصين ويضر بمصالحه السياسية، فقد يُظهر استعداده لمواجهة أكثر القادة قسوة، أما إذا تراجع، فسيرى خصومه أن الأمر لا يتعدى خيبة أمله لعدم نيله جائزة نوبل التي حلم بها.
أوروبا
أما فيما يتعلق بأوروبا، فقد حقق ترامب ظاهريًا نصرًا جديدًا على الاتحاد الأوروبي بإقرار اتفاق تجاري يكرس نهج “أمريكا أولًا”، ويفرض رسومًا جمركية بنسبة 15 % على الصادرات الأوروبية، وهو ما علق عليه رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو ساخرًا بالقول: “تحالف الشعوب الحرة قرر الاستسلام”، في إشارة إلى موافقة الاتحاد على الصفقة.
بيد أن البعض رأى أن في هذا القرار براجماتية لا خضوعًا، خاصة وأن البديل كان حربًا تجارية قد تُفجر العلاقة عبر الأطلسي، وهو ما قال عنه رئيس اتحاد الصناعات الكيميائية الألمانية: “من يتوقع إعصارًا، ليشكر العاصفة”.
رغم ذلك، فإن وصف ترامب للصفقة بأنها “أعظم اتفاق على الإطلاق” ليس سوى مبالغة معتادة، كما ذكرت “سي إن إن”، إذ لا تزال الاتفاقية في مرحلة أولية، ولم تشمل مطالب أمريكية حساسة مثل القبول باللحم المعالج بالهرمونات أو تخفيف القيود على شركات التكنولوجيا الأمريكية.
في ظل هذا كله، بدت أوروبا وكأنها تلعب على المدى الطويل، مدركة أن صفقة مع ترامب الآن قد تمنع الأسوأ لاحقًا، خاصة مع تعهده الأخير بأن يرفع أعضاء الناتو إنفاقهم الدفاعي إلى 5 % بحلول 2035.
قد لا يكون من قبيل الصدفة أن نبرة ترامب بشأن غزة وأوكرانيا أصبحت أكثر مرونة بعد ساعات فقط من تنازلات أوروبا التجارية، بحسب “سي إن إن”.
ترامب يفوز علنًا.. وأوروبا تناور بهدوء
بينما يفاخر ترامب بانتصاراته، يتبع الأوروبيون استراتيجية صامتة، كما ذكرت “سي إن إن”، تحافظ على مصالحهم دون مواجهة مباشرة، ودليل ذلك اختيار رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، “التضحية بكرامته السياسية” لكسب علاقة جيدة مع ترامب، مما ساعده في الحصول على تعريفة جمركية أقل من تلك المفروضة على أوروبا، وهو ما ظهر جليًا خلال زيارته الأخيرة لاسكتلندا.
بحسب التقرير، يعيش ترامب وفق معادلة ثنائية، وهي أنه يجب أن يربح هو، ويخسر الآخرون، وهي العقيدة التي ترتكز على “أمريكا أولًا”، ولا تعبأ بخسارة الحلفاء، بل تنظر إليهم كخصوم محتملين، محذرًا من أن انتصارات ترامب قد لا تصب حتى في مصلحة المواطن الأمريكي، إذ أن الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الأوروبية تمثل ضريبة استهلاك إضافية يدفعها الأمريكيون.