تتزايد في مصر حاليًا تدفقات الاستثمار الأجنبي غير المباشر، والمعروف بـ”الأموال الساخنة”، التي تستهدف أذون وسندات الخزانة المحلية، مستفيدة من ارتفاع أسعار الفائدة واستقرار سعر صرف الجنيه.

ممكن يعجبك: إدارة ترامب تدعو كاليفورنيا لحظر مشاركة المتحولات جنسياً في رياضات الفتيات
ساهمت هذه التدفقات في تعزيز الجنيه، حيث انخفض الدولار إلى أدنى مستوياته في تسعة أشهر، مسجلًا 48.4 جنيهًا للشراء و48.5 للبيع، وفقًا لتعاملات بنكي الأهلي ومصر.
إلا أن هذا النوع من الاستثمارات يثير قلق بعض الخبراء، الذين يحذرون من تأثيرات محتملة إذا تحولت إلى خروج صافي، مما قد يزيد الضغط على العملة المحلية.
يُعتبر الاستثمار الأجنبي غير المباشر مصدرًا مهمًا للنقد الأجنبي، لكنه يحمل مخاطر كبيرة نظرًا إلى سهولة سحبه خلال الأزمات، مما يجعله “أموالًا ساخنة” تتقلب مع حالة السوق.
عززت توصية بنك جولدمان ساكس للمستثمرين بزيادة استثماراتهم بالجنيه المصري، بسبب انخفاض تسعيره بنحو 30% عن قيمته الحقيقية، من تدفقات الأموال الساخنة إلى السوق المصري.
خلال العام الأول من تحرير سعر الصرف، جذبت مصر نحو 24 مليار دولار من هذه الأموال، ليصل إجمالي الاستثمار الأجنبي غير المباشر إلى 38 مليار دولار، مسجلًا رقمًا قياسيًا.
هل يتكرر سيناريو 2022؟
في مارس 2022، عانت مصر من تفاقم أزمة النقد الأجنبي بعد خروج استثمار أجنبي غير مباشر بنحو 22 مليار دولار في 3 أشهر دفعة واحدة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، مما يزيد المخاوف من تكرار نفس السيناريو.
على الرغم من المخاوف التي تُثار حول تدفقات الأموال الساخنة، يؤكد عدد من الخبراء الذين التقى بهم “نبأ العرب” أن الوضع الاقتصادي الحالي في مصر يختلف بشكل كبير عن السنوات السابقة التي شهدت خروجًا جماعيًا لهذه الأموال، مثل الأزمات التي حدثت في 2011 خلال فترة عدم الاستقرار السياسي، أو في 2020 أثناء جائحة كورونا، أو في 2022 عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
أصبحت لا تشكل تهديدا لهذه الأسباب
يرى هاني جنينة، الخبير الاقتصادي والمحاضر بالجامعة الأمريكية، أن الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة التي تدخل السوق المصري حاليًا لا تشكل تهديدًا لاستقرار سعر الصرف، مشيرًا إلى أن هذه الأموال لم تعد تُستخدم فقط للمضاربة على الفائدة كما في السابق، بل جاءت مدفوعة بتحسن ملموس في مؤشرات الاقتصاد الكلي.
بحسب بيانات المركزي، ارتفع عائد أذون الخزانة قصيرة الأجل إلى أكثر من 29% خلال آخر عطاء، نتيجة طلب المستثمرين على أسعار فائدة مرتفعة.
وأضاف جنينة لـ”نبأ العرب” أن هناك عوامل إيجابية تدعم استقرار الجنيه خلال الفترة المقبلة، منها زيادة إيرادات السياحة، وتحسن تحويلات المصريين بالخارج، وارتفاع أداء الصادرات، بالإضافة إلى التقدم في برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.
مواضيع مشابهة: أسعار الذهب في البورصة المصرية بتاريخ 21 يوليو 2025: تعرف على أحدث التحديثات
كل ذلك يعزز ثقة المستثمرين الأجانب ويحد من احتمالية حدوث تقلبات حادة في سعر الصرف خلال الأشهر المقبلة، والتي قد تمتد حتى 18 شهرًا.
وأوضح أن المستثمرين الأجانب أصبحوا يهتمون أكثر باستقرار سعر الدولار وتوازن ميزان المعاملات الجارية، ما يوفر لهم ضمانات أفضل مقارنة بالفترات السابقة.
وأشار إلى أن البنك المركزي المصري اتخذ إجراءات احترازية، من بينها تخصيص جزء من هذه التدفقات كاحتياطي خروج، تحسبًا لأي تقلبات مفاجئة، على عكس ما حدث في 2022 عندما اضطر البنك إلى استخدام الاحتياطي النقدي الأجنبي لمواجهة خروج رؤوس الأموال.
كما لفت جنينة إلى أن الاحتياطي النقدي الحالي أعلى من مستواه خلال الأزمة الروسية الأوكرانية، مما يمنح الاقتصاد قدرة أكبر على امتصاص الصدمات.
وأشار إلى أن تراجع هامش مخاطر الديون السيادية إلى نحو 4.5%، وهو أدنى مستوى منذ 2021، يعكس تحسن النظرة العالمية تجاه الاقتصاد المصري ويخفف من مخاوف المستثمرين.
من جانبه، أكد الخبير المصرفي محمد بدرة أن الدولة أصبحت أكثر وعيًا وخبرة في التعامل مع تدفقات الأموال الساخنة، بعد أن واجهت مصر ثلاث أزمات كبرى أثرت سلبًا على سوق الصرف، وهي أحداث 2011، وجائحة كورونا في 2020، والحرب الروسية الأوكرانية في 2022، التي أدت جميعها إلى خروج مفاجئ لرؤوس الأموال من الأسواق الناشئة.
وقال بدرة لـ “نبأ العرب” إن السياسات المالية والنقدية الحالية تراعي طبيعة هذه الأموال وحساسيتها تجاه التقلبات، موضحًا أنه يتم الآن توظيف هذه التدفقات ضمن مدد زمنية قصيرة تناسب طبيعتها، لضمان عدم استخدامها في تمويل مشروعات طويلة الأجل.
وأضاف: “الوزارة والبنك المركزي أصبح لديهم وعي كبير بعد ما مررنا به، واتخذنا إجراءات تأمين قوية بحيث إذا قرر المستثمرون سحب هذه الأموال، لن نواجه أزمة كما في السابق، الاحتياطي النقدي قوي والدولة قادرة على استيعاب أي خروج مفاجئ”
وشدد بدرة على أن هذه الإجراءات تمنح الاقتصاد المصري أمانًا أكبر، مؤكدًا: “لا يوجد خطر من وجود الأموال الساخنة في الوضع الحالي، وحتى في حال خروجها، الدولة مستعدة والاحتياطي كافٍ، ويدار الأمر باحترافية تختلف تمامًا عن الفترات السابقة”
مخاطر مرتفعة
وفي المقابل، حذر مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة “عربية أون لاين” لتداول الأوراق المالية، من الاعتماد المفرط على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، موضحًا أن هذا النوع من التدفقات يستخدم على نطاق واسع لسد عجز الموازنة في العديد من دول العالم، لكنه يحمل مخاطر كبيرة في حال حدوث اضطرابات مفاجئة.
وقال شفيع لـ”نبأ العرب” إن مصر شهدت خلال أزمة الحرب الروسية الأوكرانية خروجًا بنحو 20 مليار دولار من سوق الدين، مما تسبب في ضغوط مباشرة على الجنيه، فيما شهدت أزمة كورونا خروجًا جماعيًا لرؤوس الأموال من الأسواق الناشئة بقيمة بين 50 و60 مليار دولار، مما كشف هشاشة الاعتماد على هذه الأموال دون وجود بدائل مستدامة.
وأوضح أن الخطر الرئيسي يكمن في أن هذه الاستثمارات قصيرة الأجل وسريعة التأثر، وقد تخرج دفعة واحدة إذا اهتزت الثقة في السوق.
لذا، أوضح أن الحد من هذه المخاطر يتطلب تنمية مصادر الدولارات المستدامة مثل الصادرات، والسياحة، وتحويلات العاملين بالخارج، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، لتقليل الاعتماد على أدوات الدين قصيرة الأجل.