هل ستنجح دمشق في استعادة ثقة الدروز؟ اكتشف المزيد في الفيديو!

بي بي سي.

هل ستنجح دمشق في استعادة ثقة الدروز؟ اكتشف المزيد في الفيديو!
هل ستنجح دمشق في استعادة ثقة الدروز؟ اكتشف المزيد في الفيديو!

تشهد الطائفة الدرزية في سوريا انقسامًا ملحوظًا، حيث يوجد من يدعو إلى استمرار الحراك السلمي والمطالبة بالإصلاح السياسي والديمقراطية، بينما يرى آخرون ضرورة التحالف مع قوى دولية وإقليمية لضمان حماية المنطقة والطائفة، وقد ساهمت الاشتباكات الدامية التي اندلعت في يوليو/ تموز في تعميق هذا الانقسام، مما أدى إلى زيادة الفجوة مع الحكومة الانتقالية في دمشق، خاصة بعد مطالبة الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز مشايخ العقل لدى الطائفة، بالحماية الدولية، بينما يرفض فريق آخر أي تدخل خارجي، مؤكدًا أهمية الحفاظ على وحدة الدولة السورية، ويعكس هذا الانقسام تعدد الرؤى حول مستقبل الدروز وعلاقتهم بالحكومة، ولكن الجميع يتفق على ضرورة حماية منطقتهم وضبط أمنها.

https://www.bbc.com/ws/av-embeds/articles/cgkr7zzlvyzo/p0lr0nzh/ar" width="400" height="500" frameborder="0" sandbox="

تفاهمات أم انقسامات؟

يقول بهاء العوام، الصحفي السوري الدرزي المقيم في لندن، لبي بي سي عربي: “هناك دائمًا مساحة للتفاهم بين السويداء ودمشق إن توافرت الإرادة الحقيقية لدى الدولة لاحتواء مخاوف أهالي المحافظة”، مشيرًا إلى أن “أعمال القتل والتنكيل والنهب والاغتصاب بعد دخول قوات الأمن والجيش أثبتت واقعية خشية الناس من ضعف الدولة”، ويؤكد العوام أن المسؤولية تقع على عاتق الدولة، سواء كانت الانتهاكات من قوات الحكومة أو “جماعات إرهابية”، مشددًا على أهمية ضبط الأمن لاستعادة الثقة بالدولة، ويضيف: “ما جرى في الساحل السوري والسويداء زاد من تمسك المجتمع الدرزي بالسلاح، خشية تقاعس الدولة أو تواطئها، حتى لو افترضنا عدم ضلوعها في أفعال الجماعات”.

المتحدث باسم الفصيل الدرزي المسلح “رجال الكرامة” باسم أبو الفخر، يقول لبي بي سي عربي: “أجرينا تفاهمات مع الحكومة خلال الأشهر السبعة الماضية، كنا نحمل خطابًا وطنيًا جامعًا وأردنا إدخال مؤسسات الدولة إلى السويداء بجهود أبنائها كحل وسط، ولكن المسلحين الذين تقودهم الحكومة لا يملكون عقيدة وطنية، بل القتل والسلب والحرق، وهذا ما أثبتوه”، ويتهم أبو الفخر الحكومة الانتقالية بأنها “تسببت في خلق مشاكل أمنية بين الدروز والبدو ولم تستطع فرض الأمن على الطريق الذي يربط دمشق بالسويداء، ما أدى إلى اقتتال داخلي استغلته الحكومة لتدخل بقوتها وفرض سطوتها بالقوة على المحافظة”.

الكاتب والباحث السياسي السوري بسام سليمان يوضح: “لم تكن هناك نية لاستخدام القوة أو إثارة الفوضى، لكن الأحداث تطورت ككرة نار بدأت صغيرة ثم كبرت، وتحولت من خلاف فردي بين بعض أفراد العشائر وبعض الدروز إلى صراع أوسع بين فصائل مسلحة من العشائر والدروز، ما أدى إلى تدخل قوات الأمن الحكومية التي تعرضت بدورها لهجوم، وما زاد الأمر تعقيدًا هو دخول إسرائيل على الخط وقصفها لبعض المواقع الحكومية”.

https://www.bbc.com/ws/av-embeds/articles/cgkr7zzlvyzo/p0lszsbq/ar" width="400" height="500" frameborder="0" sandbox="

بعد انتشار مقاطع فيديو لعمليات قتل بناءً على هوية الضحية، أدانت الرئاسة السورية الانتهاكات في محافظة السويداء، ووصفتها بالأفعال الإجرامية وغير القانونية، وأكدت التزام الحكومة بالتحقيق في الحوادث ومحاسبة المتورطين، سواء كانوا أفرادًا أو جهات، متعهدة بعدم التساهل مع أي طرف يعبث بأمن المحافظة، والعمل على ضمان حقوق سكان السويداء، والحفاظ على استقرارهم وسلامتهم تحت مظلة القانون، وتواجه السلطات السورية الجديدة، التي ينتمي غالبية أفرادها إلى المكون السني، حالة من التوجس من قبل الأقليات الدينية والعرقية مثل الأكراد والعلويين والدروز والمسيحيين، خاصة بعد أن تحولت الاشتباكات بين القوات الحكومية والجماعات الموالية للأسد في مارس/ آذار إلى أعمال انتقام وثأر طائفية أسفرت عن مقتل مئات المدنيين من الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس السابق بشار الأسد، بحسب تقارير صحفية وحقوقية.

عقب شنّ إسرائيل عشرات الغارات الجوية التي استهدفت مواقع حساسة، بما في ذلك مقار أمنية حكومية وفصائل موالية للحكومة كانت في طريقها إلى السويداء، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي باتهامات حادة وواسعة النطاق وجهها مؤيدو الحكومة للدروز، متهمينهم بـ”الخيانة” بسبب مناشدة الشيخ الهجري إسرائيل والدول الغربية طلبًا للحماية، لكن الصحفي بهاء العوام يوضح أن “الحكومة الجديدة لم تُظهر أي بوادر حسن نية تجاه مكونات المجتمع، وأن مناشدة الشيخ حكمت الهجري كانت للمجتمع الدولي برمته وليس فقط لإسرائيل، لكن الأخيرة هي الوحيدة التي استجابت لأسباب تخصها”.

https://www.bbc.com/ws/av-embeds/articles/cgkr7zzlvyzo/p0lqswfv/ar" width="400" height="500" frameborder="0" sandbox="

انهيار الثقة والبحث عن بدائل

رغم أن الدروز في سوريا عُرفوا بالنأي بأنفسهم عن خوض أي معارك مباشرة ضد الدولة، إلا أن التطورات الدامية التي شهدتها محافظة السويداء كشفت عن تصدعات داخلية غير مسبوقة، سواء في صفوف الفصائل المسلحة الدرزية أو بين المرجعيات الدينية والاجتماعية، وقد ترافق ذلك مع تدهور غير معلن في العلاقة مع الحكومة المركزية، مما تحوّل في نظر كثيرين إلى قطيعة فعلية بعد الانتهاكات التي طالت أبناء الطائفة.

فهل يكرس الواقع الجديد مسارًا نحو مطالب باللامركزية في نظام الحكم؟

يقول بهاء العوام إن الدروز لم يطالبوا بالفيدرالية أو اللامركزية رغم أن مناقشات كانت تدور حولها، “أما اليوم وبعد الأحداث الأخيرة، أعتقد أن كل الخيارات يجب أن تناقش علانية من أجل مصلحة الدولة السورية، وإن قرار اختيار النظام الأنسب للدولة يجب أن يتمخض عن حوار وطني حقيقي وليس شكلي وصوري كما فعلت حكومة الشرع قبل أشهر، وفي حال حدوث ذلك فعلًا، فلا أعتقد أن الدروز سيرفضون هذا القرار، ولم يُعرف عنهم في التاريخ السوري أي نزعة للانفصال”، ويضيف باسم أبو الفخر: “منذ انطلاق الحراك، كان شعارنا واضحًا وهو (أرض، عرض، دين)، أي أن هدفنا هو العيش في وطننا، في جبلنا وقرانا، بأمن وأمان، فالكرامة والأمن هما من أولى أولوياتنا”، مضيفًا: “منذ الهجوم الأخير الذي تعرضنا له، كنا من أوائل من تصدى لهذا العدوان على تخوم الجبل، وما زلنا نقاتل على المحاور المختلفة دفاعًا عن أهلنا ومنازلنا، من غزوات مجموعات بدوية تحصنت في نحو ثلاثين قرية”، ويؤكد أبو الفخر أن المجتمع الدرزي كان يخطط للاندماج في وزارة الدفاع، “لكن الأمر اختلف تمامًا الآن، لم يعد هناك ترحيب بهذه الحكومة أو وزاراتها من قبلنا”.

في ضوء التطورات السابقة بين الفصائل الدرزية من جهة والأمن العام والفصائل البدوية الموالية للحكومة، هل يمكن لحكومة دمشق استعادة الثقة مع الدروز، وهل لا تزال هناك إمكانية للتفاهم؟ الباحث السياسي بسام سليمان يقول: “المشكلة الأساسية تكمن في وجود فصائل مسلحة مرتبطة بالهجري الذين لديهم ارتباطات مع إسرائيل، ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة السورية في إدارة هذا الملف، ما أدى إلى زعزعة الثقة، وسيتطلب استعادتها وقتًا وجهودًا حقيقية”، ويرى سليمان أنه من أجل تحقيق التوازن ورأب الصدع الذي حصل بين أبناء الشعب السوري في السويداء، “بات من الضروري محاسبة جميع الأطراف المتورطة في الانتهاكات، سواء كانوا من الفصائل الدرزية أو ممن يتواصلون مع أعداء البلد، وتعويض المتضررين بشكل عادل”، ويتفق بهاء العوام على أن “الحل يكمن في حوار وطني جاد، لا حوار شكلي وصوري كما فعلت حكومة الشرع سابقًا”.

في ظل الانقسام الداخلي وتدهور الثقة بين أهالي السويداء والحكومة الانتقالية في دمشق، ومع تصاعد الدعوات إلى الحماية الدولية، تبدو سوريا أمام مفترق طرق حاسم، فهل تقود هذه التطورات إلى تسوية سياسية شاملة تنهي حالة الاحتقان، أم تدفع البلاد نحو تبني نظام لا مركزي يمنح المحافظات صلاحيات أوسع لإدارة شؤونها بعيدًا عن سلطة المركز، أم أن هناك سيناريو ثالثًا – أكثر خطورة كما يحذّر بعض المراقبين – يتمثل بالانزلاق نحو مسارات انفصالية تهدد وحدة البلاد، يبقى الوقت هو الحَكَم، فالأيام القادمة ستكشف لنا المزيد عن مسارات الأزمة وفرص الحل في سوريا.