في ظل تصاعد الصراع الدموي في قطاع غزة، تتزايد الخلافات والتوترات داخل إسرائيل بين القيادة السياسية برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والقيادة العسكرية التي يقودها رئيس أركان الجيش إيال زامير، بينما يسعى نتنياهو نحو خيار احتلال شامل للقطاع، يعبّر كبار القادة العسكريين عن مخاوفهم من هذا الخيار، مفضلين استراتيجية التطويق والمناورات العسكرية المحدودة للحفاظ على القوات وتفادي مواجهة استنزافية طويلة، إذ يتضح هذا الانقسام خلال المشاورات الأمنية التي جرت اليوم والتي كشفت عن اختلافات كبيرة بين نتنياهو وزامير.

من نفس التصنيف: أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الخيار
في هذا السياق، تبرز تساؤلات هامة حول ما إذا كان قرار نتنياهو باحتلال غزة يمثل خياراً عسكرياً حقيقياً، أم أنه مجرد ورقة ضغط تفاوضية لتوجيه رسائل سياسية داخلية وخارجية، حيث يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن نتنياهو يحاول استغلال الفراغ السياسي الحالي في إسرائيل، خاصة خلال عطلة الكنيست، لتمرير خطوات عسكرية حاسمة تجاه قطاع غزة، وعلى رأسها استكمال احتلال ما تبقى من القطاع.
وأوضح فهمي في تصريحات لـ”نبأ العرب”، أن حديث نتنياهو يأتي في إطار الضغط على حركة حماس لإعادتها إلى طاولة المفاوضات، رغم أن الواقع يشير إلى عدم وجود مفاوضات فعلية حالياً، بسبب تشدد حماس في موقفها ومناوراتها مع الأطراف الوسيطة، خاصة مصر.
الاحتلال العسكري يسبق أي حل سياسي
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن الخيار العسكري أصبح أسبق من الخيار السياسي، حيث تخطط إسرائيل لاستكمال السيطرة على 25% المتبقية من قطاع غزة، في ظل سيطرتها الفعلية على نحو 75% من مساحة القطاع، مضيفًا: “هذا السيناريو يعني أن إسرائيل تتجه نحو احتلال كامل للقطاع، رغم التحفظات التي تبديها القيادات العسكرية، وعلى رأسها رئيس الأركان يائيل زامير.”
المؤسسة العسكرية منقسمة تكتيكياً.. لا مبدئيًا
وعن الانقسام بين المستوى السياسي والعسكري داخل إسرائيل، يرى “فهمي” أنه ليس تعارضاً حقيقياً، بل توزيع أدوار، موضحاً أن الجيش لا يرفض الحرب نفسها، بل يرفض غياب الرؤية لما بعد الاحتلال، إذ لا تزال الأسئلة الكبرى دون إجابة: من سيدير غزة؟ ما هو شكل المرحلة التالية؟ وهل هناك عملية سياسية قادمة؟
يرى د. طارق فهمي أن نتنياهو اليوم يتحرك بحرية كاملة في ظل غياب الكنيست وعدم قدرة أي مكون من مكونات الائتلاف الحاكم على تعطيل قراراته، موضحًا أن الحكومة المصغرة المتوافقة مع نتنياهو هي صاحبة القرار حالياً، مما يمنحه فرصة لاستكمال مخططاته دون معارضة مؤسسية تُذكر.
أكد أستاذ العلوم السياسية أن إسرائيل لا تمتلك حتى الآن أي خطة لإدارة القطاع بعد الاحتلال، مشيراً إلى أن الأمر قد يحال إلى جهات دولية وعربية لاحقًا، بصرف النظر عن طبيعة المرحلة العسكرية الحالية.
وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي، أوضح أن الولايات المتحدة لا تمارس ضغوطًا فعلية على إسرائيل، بل على العكس، هناك تفاهمات واضحة بين الطرفين، تجعل التعويل على تدخل أمريكي لإيقاف العمليات العسكرية “أمرًا عبثيًا”، حسب تعبيره.
صفقة أمريكية “ناقصة”.. والاحتلال يستخدمها كورقة ضغط
ومن جانبه، أكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة بشأن قطاع غزة تسير في اتجاهين محتملين، إما ورقة ضغط لتحريك المفاوضات، أو سيناريو فعلي لاحتلال كامل للقطاع، وسط تعنت الحكومة الإسرائيلية ورغبة نتنياهو في الحرب.
وعلى خلاف رأى الدكتور فهمي بشأن وجود مفاوضات، أوضح “الرقب” أن هناك حديثًا أمريكيًا يدور في الكواليس حول صفقة شاملة تشمل إفراجًا محدودًا عن أسرى فلسطينيين مقابل استعادة إسرائيل لأسراها، إلى جانب انسحاب جزئي لقوات الاحتلال من غزة، وترتيبات أمنية تضمن تسليم سلاح حماس لجهة عربية أو دولية، وإعادة تشكيل المنظومة الأمنية والإدارية في القطاع، مشيرًا إلى أن رفض حركة حماس لهذه الشروط دفع إسرائيل إلى طرح سيناريوهات تصعيدية، من بينها الحديث عن احتلال كامل لقطاع غزة.
بحسب الرقب، فإن الجيش الإسرائيلي على خلاف نتنياهو، لا يرغب في احتلال كامل لغزة، ويفضّل سيناريو “الجيوب العسكرية” الذي يُعرف داخل الأوساط الإسرائيلية بمخطط “الجبنة السويسرية”، أي السيطرة على مناطق متفرقة داخل القطاع دون التورط في إدارة السكان والعبء الأمني والإداري، غير أن هذا الخيار يبقى موضع شد وجذب، خاصة مع وجود رغبة واضحة لدى نتنياهو في الذهاب إلى احتلال أعمق يشمل مواصي خانيونس، دير البلح، ومركز غزة.
مقال له علاقة: أعلام مصر تزين لجان امتحانات الثانوية العامة في بورسعيد.. صور مميزة توثق اللحظة
نتنياهو يستثمر الحرب سياسيًا حتى نهاية ولايته
يرى الدكتور الرقب أن نتنياهو ليس في وارد المناورة فقط، بل يسعى إلى إطالة أمد الحرب حتى نهاية فترته القانونية في نوفمبر 2026، مشيرًا إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يستخدم الحرب في غزة كورقة لبقائه السياسي، وهو لا يبالي بثمن الحرب ولا حتى بحياة الأسرى الإسرائيليين في الأنفاق.
وبحسب “الرقب”، يرى الجيش الإسرائيلي أن الاحتلال الكامل للقطاع ليس نزهة، بل عملية محفوفة بالخسائر الميدانية والبشرية، هذا التقدير يجعل الجيش أكثر تحفظًا من القيادة السياسية، التي لا تملك حتى الآن رؤية واضحة لإدارة القطاع بعد السيطرة عليه.
ويؤكد الرقب أن مخاوف الجيش تنبع أيضًا من احتمال مقتل الأسرى الإسرائيليين في حال اقتحم الأنفاق، وهي مسألة لا تبدو ذات أولوية لدى حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.
سيناريو الاشتباك المفتوح مرجّح والمقاومة ستحارب
وحذر الرقب من أن الاحتلال، في حال قرر التوغل الكامل، سيدخل في حرب استنزاف مباشرة مع المقاومة الفلسطينية، التي لن تتردد بعد فقدانها كل أوراقها في خوض اشتباكات واسعة النطاق داخل القطاع، لافتًا إلى أن حجم الكارثة الإنسانية المتصاعدة في غزة، يُقدّر أن 10% من سكان القطاع بين شهيد وجريح ومفقود، أي أكثر من 200 ألف حالة، وهو رقم مرعب بموجب القانون الدولي، ومع ذلك يفشل المجتمع الدولي في كبح العدوان الإسرائيلي أو محاسبة المتطرفين في حكومة تل أبيب.