أهمية الذهب الاقتصادية والعوامل المؤثرة على أسعاره في السوق العالمية

نبأ العرب- BBC:

أهمية الذهب الاقتصادية والعوامل المؤثرة على أسعاره في السوق العالمية
أهمية الذهب الاقتصادية والعوامل المؤثرة على أسعاره في السوق العالمية

لطالما كانت للذهب قيمة كبيرة للبشر منذ العصور القديمة، إذ لا يقتصر استخدامه على الحلي والزينة، بل يُعتبر أيضاً من الثروات الأساسية التي تعتمد عليها الأفراد والدول، كما يلعب دوراً مهماً في الاقتصاد، وقد أُنشئت له بورصة عالمية تتغير أسعارها يومياً.

ما هي الأهمية الاقتصادية للذهب، وما هي أبرز العوامل التي تؤدي إلى تقلبات أسعاره؟

قاعدة الذهب

تاريخياً، كان للذهب دور محوري في النظام النقدي الدولي، حيث تم سك أولى العملات الذهبية بأمر من كروسياس، ملك ليديا، في عام 550 قبل الميلاد، وقد استُخدم الذهب في العديد من البلدان لصنع العملات قبل الانتقال إلى العملات الورقية.

لكن حتى العملات الورقية احتفظت بعلاقة وثيقة مع الذهب من خلال ما يُعرف بقاعدة الذهب، وهو نظام نقدي يعتمد على استخدام الذهب كمعيار لتحديد قيمة العملة الورقية، حيث كانت العملات المحلية تُحوَّل بحرية إلى كميات محددة من الذهب وفقاً لسعر ثابت. بموجب هذا النظام، كان بإمكان أي شخص تقديم العملات الورقية إلى الحكومة واستبدالها بما يعادلها من الذهب.

كانت بريطانيا أول دولة تعتمد قاعدة الذهب عام 1821، منهيةً هيمنة الفضة كمعدن نقدي عالمي، ومع اكتشاف كميات هائلة من الذهب في أمريكا الشمالية، انتشر هذا النظام عالمياً، لتتبعه دول مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.

قيود على بيع وشراء الذهب

استمر العمل بقاعدة الذهب حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، حيث عادت الدول لاستخدام العملات الورقية غير القابلة للتحويل إلى الذهب، وفرضت قيوداً على صادرات المعدن النفيس. ورغم استعادة العمل بقاعدة الذهب لفترة قصيرة، إلا أنها انهارت خلال “الكساد العظيم” في ثلاثينيات القرن الماضي، وتم استعادتها جزئياً في بعض البلدان بعد الحرب العالمية الثانية، لكن نظام “التثبيت” بدأ يحل محلها تدريجياً.

في عام 1971، ألغت الولايات المتحدة العمل بقاعدة الذهب بسبب انخفاض احتياطياتها من الذهب وتزايد العجز في ميزان مدفوعاتها، مما أدى إلى تحول النظام النقدي العالمي للاعتماد على العملات الورقية، وبالأخص الدولار.

رغم أن قاعدة الذهب ساعدت في الحد من التضخم وضبط إصدار العملة، فإنها كانت تفتقر إلى المرونة، حيث لم تتناسب إمدادات الذهب مع احتياجات الاقتصاد العالمي المتنامي، مما قيّد قدرة الدول على مواجهة الأزمات الاقتصادية.

على الرغم من أن الذهب لم يعد يلعب دوراً مباشراً في النظام النقدي الدولي، فإن المصارف المركزية والحكومات في جميع أنحاء العالم تسعى للاحتفاظ بكميات كبيرة منه كوسيلة للحماية من عدم الاستقرار الاقتصادي، نظراً لأن أداء الذهب يتسم بتقلبات أقل مقارنة بالسلع الأخرى والأسهم التجارية.

الذهب في أوقات الحرب

4242ccf0-760a-11f0-8071-1788c7e8ae0e_9_11zon

يعتبر الذهب وسيلة ادخار جيدة للشركات والأفراد خلال النزاعات، فإذا اضطر الأشخاص للفرار من مناطق النزاع، يتميز الذهب بكونه ثميناً وسهل الحمل، كما أنه يُعتبر عملة دولية يمكن بيعها في أي مكان دون التعرض لمخاطر تقلبات العملات الورقية.

علاوة على ذلك، يمثل الذهب أهمية استراتيجية للدول في أوقات النزاعات، حيث ذكرت تقارير أن روسيا قامت بتخزين كميات هائلة من الذهب في السنوات الأخيرة لمساعدتها على تقليل تأثير العقوبات الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية.

وفقاً لصحيفة ذا تيليغراف البريطانية، أصبحت روسيا تمتلك ذهباً تفوق قيمته احتياطي الدولار الأمريكي في يونيو 2020، حيث شكلت سبائك الذهب 23% من إجمالي احتياطياتها، وتمكنت روسيا من رفع احتياطي الذهب في البنك المركزي بمعدل يزيد عن أربعة أضعاف منذ عام 2010، مما أتاح لها ما وصفته الصحيفة بـ”صندوق تمويل الحرب” من خلال مزيج من الواردات والاحتياطات الضخمة من الذهب.

يقول الدكتور ناصر قلاوون، أستاذ الاقتصاد السياسي وخبير الطاقة والمعادن، إن الذهب يُعتبر استثماراً آمناً، ولكن عندما تكون أسعار الأسهم والسندات مرتفعة، يتحول المستثمرون إلى أسهم تحقق عوائد أعلى، فالذهب يحفظ الثروة ولكنه لا يزيدها كثيراً في حال كان الأداء الاقتصادي جيداً.

كما يعتبر قلاوون أن الذهب استثمار جيد للأفراد والأسر في عدة دول، حيث يُستخدم في الزينة والادخار تحسباً للأوقات الصعبة.

تظهر الفروق في استهلاك الذهب بين الدول الصناعية وغير الصناعية، حيث يتفوق الاستهلاك الصناعي في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بينما في الدول العربية، يتفوق الاستهلاك المنزلي، حيث يُستخدم الذهب في الأعراس والهدايا ويعتبر ملاذاً آمناً للادخار.

ما هي العوامل التي تتحكم في أسعار الذهب؟

العرض والطلب

fff31050-760c-11f0-98de-25e3a52c2b89_10_11zon

تتأثر أسعار الذهب بالعوامل الأساسية مثل العرض والطلب، فزيادة الطلب وانخفاض المعروض يؤديان إلى ارتفاع الأسعار، بينما زيادة المعروض وانخفاض الطلب يؤديان إلى انخفاضها، وتجدر الإشارة إلى أن تعدين الذهب أصبح أكثر صعوبة مع مرور الوقت، مما يساهم في الارتفاع المستمر لأسعاره على المدى الطويل.

التضخم وأسعار الفائدة والعملات

تؤثر القرارات الحكومية في هذا الشأن على الأسعار، حيث يؤدي انخفاض أسعار الفائدة وارتفاع معدلات التضخم إلى زيادة أسعار الذهب، كما أن ضعف العملة المحلية يؤدي أيضاً إلى ارتفاع الأسعار.

التقلبات الجيوسياسية

عدم الاستقرار السياسي والصراعات والتهديدات الإرهابية قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب، ورغم صعوبة قياس تأثير هذه العوامل، فإنها تتفاوت من حالة إلى أخرى، وقد ربط العديد من الخبراء بين ارتفاع أسعار الذهب مؤخراً والغزو الروسي لأوكرانيا، حيث بدأ المستثمرون في الابتعاد عن الأصول المحفوفة بالمخاطر واتجهوا إلى شراء سبائك الذهب، التي شهدت ارتفاعاً في أسعارها بنسبة تزيد عن 12% خلال عام 2022.

وقد أدرك الكاتب الأيرلندي الشهير جورج برنارد شو أهمية الذهب في الاقتصاد، حيث قال في كتابه “دليل المرأة الذكية إلى الاشتراكية والرأسمالية”: “عليك أن تختاري ما بين الثقة في الاستقرار الطبيعي للذهب، والاستقرار الطبيعي لأمانة وذكاء أعضاء الحكومة، ومع كل الاحترام لهؤلاء السادة، أنصحك بأن تصوتي للذهب، طالما بقي النظام الرأسمالي قائماً”.