بي بي سي.

مواضيع مشابهة: استمتع بإجازتك في الإسكندرية مع 8 شواطئ آمنة للعائلات توفر حواجز أمواج لحماية مثالية
قبل أيام من لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبارة “تبادل الأراضي” كشرط لإنهاء الحرب، وهو طرح أربك كثيراً الأوكرانيين، حيث تساءل الناس هناك: أي أراضٍ يقصد؟ وهل يُعقل أن تقدّم روسيا جزءاً من أراضيها مقابل ما استولت عليه بالقوة داخل أوكرانيا؟
ومع استعداد الرئيس فولوديمير زيلينسكي للتوجه إلى واشنطن للقاء ترامب، يبدو أن المسألة لا تتعلق بأي “تبادل”، بل إن ترامب يخطط، بحسب ما تردّد، للضغط على زيلينسكي للتنازل عن إقليمي دونيتسك ولوهانسك بالكامل، مقابل أن تجمد روسيا القتال في بقية الجبهة، وهو اقتراح طرحه بوتين في ألاسكا.
لوهانسك باتت شبه خاضعة للسيطرة الروسية، فيما ما تزال أوكرانيا تحتفظ بنحو 30 في المئة من دونيتسك، بما في ذلك مدن ومواقع دفاعية استراتيجية، بعد أن دفعت ثمناً باهظاً بعشرات الآلاف من الأرواح، وتكمن أهمية هذين الإقليمين، المعروفين معاً باسم دونباس، في ثرواتهما المعدنية والصناعية، ما يجعل خسارتهما ضربة كبيرة.
ووصف المؤرخ الأوكراني ياروسلاف هريتساك أي تنازل عنهما بأنه “مأساة”، مؤكداً أن سكان المنطقة، وخصوصاً عمال المناجم، أسهموا في ترسيخ الهوية الوطنية الأوكرانية، وأن هذه الأرض أنجبت سياسيين وشعراء ومنشقين بارزين، قبل أن تتحول إلى مصدر لجوء ونزوح لملايين الأوكرانيين.
منذ عام 2014 نزح أكثر من 1.5 مليون شخص من دونباس، فيما يعيش نحو ثلاثة ملايين تحت الاحتلال الروسي، ونحو 300 ألف في المناطق التي ما تزال تحت سيطرة كييف.
وعلى خطوط التماس تبقى الحياة محفوفة بالمخاطر، إذ قال القس العسكري أندريه بوريلو من مدينة سلوفيانسك إن قذائف سقطت بجوار منزله مؤخراً، مضيفاً أن الوضع صعب جداً وأن شعور الاستسلام والتخلي يسود بين الناس.
مقال مقترح: إسرائيل تمنع وزراء عرب من دخول رام الله قبل اجتماع هام لدعم الاعتراف بفلسطين
وأضاف: “لا نعرف إلى متى سنصمد، يجب أن يحمينا أحد، لكن مَن؟”
وأوضح أنه يتابع أخبار لقاء ألاسكا، قائلاً: “ألقي باللوم على ترامب، لا على زيلينسكي..لكنهم يسلبونني كل شيء، وهذا خيانة”
زيلينسكي أكد مراراً أن أوكرانيا لن تتخلى عن دونباس مقابل السلام، في ظل شكوك كبيرة بوفاء روسيا بأي اتفاق، وخشية من أن تستخدم الأرض لاحقاً لشن هجمات جديدة.
وتعكس استطلاعات الرأي في أوكرانيا هذا الرفض الشعبي، إذ أظهر استطلاع أجراه المعهد الدولي لعلم الاجتماع في كييف أن نحو 75 في المئة من الأوكرانيين يعارضون التنازل عن أي جزء من أراضيهم لروسيا.
لكن أوكرانيا منهكة بشدة من الحرب، حيث إن مئات الآلاف من الجنود والمدنيين قُتلوا أو جُرحوا منذ بدء الغزو الشامل، والناس يتوقون إلى نهاية هذا الوضع المأساوي، خصوصاً في دونباس.
ويقول ييفهين تكاتشوف، 56 عاماً، وهو عامل إنقاذ طارئ من مدينة كراماتورسك في دونيتسك: “تسألون عن مسألة الاستسلام في دونيتسك، بالنسبة لي لا أقيس هذه الحرب بالكيلومترات، بل بأرواح البشر”
وأضاف: “لست مستعداً للتضحية بعشرات الآلاف من الأرواح مقابل عدة آلاف من الكيلومترات المربعة، الحياة أهم من الأرض”
بالنسبة للبعض، هذه هي الخلاصة: الأرض في مواجهة الحياة، وهو ما يضع الرئيس زيلينسكي “عند مفترق طرق بلا خيار جيد أمامه”، كما قال فولوديمير أريف، نائب أوكراني من حزب “التضامن الأوروبي” المعارض
وأوضح أريف: “ليست لدينا القوة الكافية لمواصلة الحرب إلى ما لا نهاية، لكن إذا تخلّى زيلينسكي عن هذه الأرض فلن يكون ذلك مجرد خرق لدستورنا، بل قد يحمل سمات الخيانة”
ومع ذلك، ليس واضحاً في أوكرانيا بأي آلية يمكن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، فأي تسليم رسمي للأراضي الوطنية يتطلب موافقة البرلمان وإجراء استفتاء شعبي.
الأرجح أن يكون الأمر أقرب إلى تسليم فعلي للسيطرة دون اعتراف رسمي بالمنطقة كأرض روسية، لكن حتى في هذه الحالة، العملية ليست مفهومة جيداً، وفق ما قالت النائبة الأوكرانية إينا سوفسون.
وأضافت: “لا يوجد فهم حقيقي للإجراء الذي ينبغي اتباعه، وإن كان الرئيس سيوقّع الاتفاق ببساطة، وهل يجب أن تقوم به الحكومة؟ أم البرلمان؟ لا توجد آلية قانونية محددة، لأن واضعي الدستور لم يتصوروا هذا الاحتمال”
وفي ظل الاستياء الذي خلّفه لقاء ألاسكا، برز بصيص أمل واحد محتمل لأوكرانيا، إذ بدا أن ترامب غيّر موقفه من مسألة الضمانات الأمنية بعد القمة، مشيراً إلى استعداده للانضمام إلى أوروبا في تقديم حماية عسكرية لأوكرانيا من أي هجمات روسية مستقبلية.
بالنسبة للأوكرانيين، تُظهر استطلاعات الرأي أن الضمانات الأمنية جزء أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في أي اتفاق محتمل، سواء تعلّق الأمر بالأراضي أو بغيرها.
وقال أنطون غروشيتسكي، مدير المعهد الدولي لعلم الاجتماع في كييف: “الناس في أوكرانيا قد يقبلون أشكالاً مختلفة من الضمانات الأمنية، لكنهم يشترطون وجودها”
أما ييفهين تكاتشوف، عامل الإنقاذ الطارئ في كراماتورسك، فرأى أن مسألة تبادل الأراضي لا يمكن النظر فيها إلا مع “ضمانات حقيقية، لا وعود مكتوبة فقط”.
وأضاف: “عندها فقط، وبدرجة محدودة، قد أؤيد فكرة تسليم دونباس لروسيا، لكن بشرط أن ترسو البحرية الملكية البريطانية في ميناء أوديسا”
ومع طرح مسارات مختلفة للسلام ومناقشتها أحياناً بالأسلوب التفاوضي الذي يفضّله الرئيس ترامب، يبقى الخطر قائماً في تجاهل حقيقة الناس المعنيين مباشرة، أولئك الذين عاشوا عقداً كاملاً من الحرب، وقد يخسرون الآن أكثر مما خسروا مقابل الحصول على السلام.
وقال المؤرخ الأوكراني فيتالي دريبنيتسيا إن دونباس كانت منطقة عامرة بأوكرانيين من مختلف الشرائح، مضيفاً: “نحن لا نتحدث فقط عن الثقافة أو السياسة أو التركيبة السكانية، بل عن الناس”
وأوضح أن دونيتسك قد لا تتمتع بسمعة ثقافية تضاهي مدينة مثل أوديسا، “لكنها تبقى أوكرانيا، وأي بقعة من أوكرانيا، سواء كانت ذات قيمة ثقافية كبيرة أو لا، فهي جزء من أوكرانيا”.