وسط تصاعد الأزمة في قطاع غزة، أعلنت حركة “حماس” يوم الإثنين عن قبولها المقترح الذي تقدمت به الوساطات المصرية والقطرية لوقف إطلاق النار، في خطوة قد تكون بمثابة نقطة تحول في التصعيد المستمر، ورغم هذا التقدم، يبقى القرار النهائي بيد الحكومة الإسرائيلية، التي تواجه خيارات معقدة بين القبول بالهدنة لاستعادة الهدوء، أو الاستمرار في العمليات العسكرية للحفاظ على الأمن وردع حماس، وذلك في ظل مشهد داخلي وخارجي معقد.

شوف كمان: مزاد إلكتروني لسيارة مميزة من المرور بسعر قريب من نصف مليون جنيه
ينص المقترح على وقف مؤقت للعمليات العسكرية لمدة 60 يومًا، يُمكن من خلاله إعادة تموضع القوات الإسرائيلية لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ويشمل أيضًا اتفاقًا لتبادل الأسرى، يتضمن إطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين أحياء و18 جثمانًا على دفعتين، مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل.
أشارت القناة العبرية إلى أنه رغم التصريحات القوية، إلا أن المصدر لم يغلق الباب أمام إمكانية تنفيذ الصفقة جزئيًا أو على مراحل، وتجنب تحديد ما إذا كان إطلاق سراح الرهائن سيتم دفعة واحدة أم على دفعات منفصلة.
تأتي هذه التطورات في وقت تتزايد فيه الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، سواء من خلال الاحتجاجات والمظاهرات الداخلية، أو من خلال الإدانات الدولية المتزايدة والتحركات الدبلوماسية للحد من التصعيد، مما يجعل من الضروري قراءة السيناريوهات المتاحة أمام صناع القرار في تل أبيب لفهم آفاق المرحلة المقبلة ومصير الصراع.
في هذا السياق، يرى الدكتور علي الأعور أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن إعلان حركة حماس عن موافقتها الرسمية على مقترح “ويتكوف بلس”، يمهد الطريق نحو اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار وصفقة تبادل أسرى، مشيرًا إلى أن هذا المقترح هو في جوهره نفس الطرح الذي قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مما يعزز احتمالات موافقته عليه.
أوضح الأعور في تصريحات لـ”نبأ العرب”، أن مقترح ويتكوف، الذي كانت حماس قد طالبت ببعض التعديلات عليه قبل أسابيع، تم قبوله الآن تقريبًا بكامل بنوده وشروطه من جانب الحركة، وقد أرسلت ردها إلى الوسطاء، كما أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن تل أبيب تسلمت الرد ووصفته بـ”الإيجابي”، مما يعني أن الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي في انتظار القرار النهائي من نتنياهو.
فيما يتعلق بالعوامل الضاغطة على الحكومة الإسرائيلية، أشار الأعور إلى أن الاحتجاجات الشعبية داخل إسرائيل شكّلت نقطة تحول غير مسبوقة، فقد شهدت تل أبيب ومدن أخرى يوم الأحد الماضي إضرابًا شاملًا قادته عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، بمشاركة أكثر من 100 شركة، وعدد من الجامعات والكليات.
أضاف الأعور: “هذه التعبئة الشعبية الواسعة هزّت الداخل الإسرائيلي للمرة الأولى منذ 22 شهرًا، وشكّلت ضغطًا مباشرًا على نتنياهو، خاصة مع تصاعد تحذيرات أهالي الأسرى من خطر القتل في حال استمر القصف الإسرائيلي أو تم اجتياح غزة”.
أشار الخبير في الشأن الإسرائيلي إلى أن الرسالة الشعبية كانت واضحة: “إما استعادة الأسرى أحياء من خلال صفقة تبادل، أو تحميل نتنياهو المسؤولية الكاملة في حال مقتلهم”، موضحًا أن التحذيرات التي صدرت عن إيال زمير، رئيس الأركان الإسرائيلي، بشأن الخطر المباشر الذي يتهدد حياة 20 أسيرًا إسرائيليًا محتجزين لدى المقاومة في غزة إذا أصر نتنياهو على قرار احتلال غزة بالكامل، دعمت رسالة الأسرى.
في السياق ذاته، أشار الأعور إلى أن إسرائيل تواجه عزلة دولية متصاعدة، وسط اتهامات بالإبادة الجماعية، وحملات مقاطعة متنامية، ومظاهرات عالمية داعمة لفلسطين، مما يزيد من تعقيد الموقف الإسرائيلي ويجعل التوجه نحو صفقة تبادل هو المخرج الأكثر واقعية.
يعتقد الدكتور الأعور أن نتنياهو الآن بات في مواجهة خيارات محدودة، موضحًا: “بتقديري، نحن أمام صفقة تبادل أسرى قريبة، الضغوط الداخلية والخارجية دفعت إسرائيل إلى مفترق طرق، ونتنياهو أقرب من أي وقت مضى لاتخاذ قرار بالموافقة على مقترح وقف إطلاق النار”.
من جانبه، يرى الدكتور عبد المُهدي مطاوع، المحلل السياسي الفلسطيني، أن ما طُرح من مقترحات حتى الآن هو نسخة مقترح “ويتكوف” الأصلي، دون التعديلات التي كانت تطالب بها حماس في وقت سابق، وهو المقترح ذاته الذي كانت إسرائيل قد وافقت عليه سابقًا من حيث المبدأ، لكن الظروف السياسية الداخلية الآن مختلفة تمامًا.
يؤكد مطاوع أن هناك اتجاهًا واسعًا داخل إسرائيل يرفض الصفقات الجزئية، خاصة في ما يتعلق بالأسرى، حيث يطالب هذا التيار بـ”إخراج جميع الأسرى دفعة واحدة”، وهو توجه يعكسه موقف مستشار نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وكذلك ما سبق أن صرّح به نتنياهو نفسه، حين قال إن “الصفقات الجزئية أصبحت خلفنا”.
ومع ذلك، لا يستبعد مطاوع أن تكون الصفقة الحالية بداية جزئية تُمهّد لصفقة شاملة لاحقة، مشيرًا إلى أن السيناريوهات المطروحة أمام نتنياهو لا تزال متعددة، أبرزها:
مقال مقترح: أسرة أحمد الدجوي تكشف أول رد فعل على وفاته والحكومة تقترح زيادة الإيجار القديم 20 ضعفًا في نشرة التوك شو
1- الموافقة على الصفقة الجزئية، مع الإصرار على ربط إنهاء الحرب بتحقيق شروط نتنياهو التي أعلن عنها.
2- الموافقة مع إضافة شروط جديدة، قد تشمل تحديد أعداد الرهائن والأسرى الذين يجب إطلاق سراحهم في المراحل الأولى.
3- رفض الصفقة الحالية والمطالبة بصفقة شاملة من البداية، وإلا التوجه إلى عملية عسكرية موسعة في غزة.
4- الرفض دون تقديم شروط بديلة، ومواصلة المسار العسكري وصولًا إلى اجتياح مدينة غزة.
يرجّح مطاوع أن نتنياهو لن يرفض بشكل مباشر، بل سيسعى إلى إعادة ضبط شروط الصفقة لصياغتها بطريقة ترضي طرفي الائتلاف، أي الفريق المؤيد للصفقة الجزئية، والفريق المتشدد المطالب بالصفقة الشاملة، موضحًا: “في النهاية، من المرجح أن يسعى نتنياهو إلى حل وسط يُجنبه الصدام المباشر مع الشارع الإسرائيلي وفي الوقت نفسه يُرضي شركائه في الائتلاف الحكومي، دون أن يتخلى بالكامل عن نهجه العسكري أو شروطه السياسية المعلنة”.