– مارينا ميلاد:

اقرأ كمان: أسعار الحديد تشهد ارتفاعًا بينما تنخفض أسعار الأسمنت في الأسواق اليوم – تحديث رسمي
في قلب غزة، يقف شاب يرتدي الدرع الأزرق المميز للصحفيين، يشير إلى عربات تجرها حمير، عليه الإسراع، فقد حلقت طائرة مسيرة إسرائيلية فوقه منذ قليل، مما ينذر بأن المكان قد يتعرض للقصف في أي لحظة، ومع ذلك مرت عربة تلو الأخرى، ولم يوافق أحد على مصاحبته، لأنه ببساطة “هدف محتمل لإسرائيل”.
“نحن ندفع أثمانًا مضاعفة”، هكذا وصف الصحفي الغزي محمد عمران الوضع، وهو يروي شهادات عن الجانب الآخر من المعركة، فيحكي عن نفسه وأربعة زملاء له، أن “صاحب أرض في المواصي أبلغ أحدهم بأنه أسكن عائلةً أخرى مكان خيمته، بينما تفاجأ الثاني بجيرانه في النزوح يقفزون جماعةً، ويطلبون منه تقليل التصوير والتنقل، قائلين: (لِم حالك)”
ويتابع: “أما الثالث، فيسمع همسات النازحين من حوله: (يا رب يسلّمنا من جيرته)، بينما خاض الرابع معركةً مع ركاب عربة يجرها حمار، بالكاد نجح في إقناعهم ليقبلوا بقاءه معهم حتى يصل مشواره، وخامس وسادس وغيرهم”
ويكمل الصحفي نسيم عبد العال قائلاً: “ولا تتوقف لنا السيارات، ونحن في طريقنا لأعمالنا، ليس لشيء، فقط لأننا نرتدي الدروع وننقل الحقيقة للعالم!”
فيما يروي الصحفي فؤاد جرادة: “زملاء تعرضوا للطرد من منازل استأجروها، وآخرون رفض أصحاب المنازل تأجيرهم، وفي الشارع الناس تنفض من حولنا”، ثم يضيف: “لكن الروح عزيزة، فلا نلوم أحد!”، وشبه الصحفي سليمان حجي ما يحدث لهم بأن “الناس يهربون من الصحفي قبل الطائرة، لأن الكاميرا صارت تُستهدف، ومن يقف بجوارها يُقتل”
ومن قبل، ذكرت لجنة حماية الصحفيين أن “العديد من أسرهم قتلوا أيضاً معهم”.
ممكن يعجبك: ضبط ثلاثة تجار مخدرات في أبشواي الفيوم ونجاح جهود مكافحة المخدرات
بشكل أساسي، تعتمد المؤسسات الإعلامية الدولية على الصحفيين المحليين لتغطية يوميات الحرب دون أي وسائل حماية أو تأمين، ولا تسمح إسرائيل بوصول أي أطقم جديدة إلى داخل غزة.
غالبيتهم يعملون وينامون داخل خيم من القماش والبلاستيك بالقرب من المستشفيات على امتداد القطاع، أولاً لتكون نقطة قريبة لنقل الأحداث، فلا تحتاج للكثير من التحرك والمخاطرة، وثانيًا يحصلون على الكهرباء من مولداتها، كما يقولون، وفي البداية، ظنوا أن هناك ميزة ثالثة وهي أنها “أماكن توفر الحماية إلى حد ما”، لكن هذا الاعتقاد تبدد بمرور الوقت مع كثرة استهدافها، وكان آخرها مستشفى ناصر الطبي الذي راح فيه الصحفيون الخمسة: حسام المصري، ومحمد سلامة، ومريم أبو دقة، ومعاذ أبو طه، وأحمد أبو عزيز
في 25 أغسطس الجاري، شنت إسرائيل غارتين على المستشفى الواقعة بخان يونس جنوب القطاع، أسفرتا عن مقتل نحو 20 شخصًا، وبتوثيق وتحليل مقاطع الفيديو المتداولة للحادثة، فقد وقعت الغارة الأولى، وتحرك على إثرها أفراد الإسعاف والصحفيون، وبعد وقت قليل، أصابتهم جميعًا الغارة الثانية المباشرة.
وقال الصحفي حاتم عمر، مصور وكالة رويترز، الذي أصيب في هذا القصف: “لقد نجوت من الموت، لكن ما شاهدته أن كل من كان في الصورة هو الهدف، فالصحافة صارت مهنة الموت والحصار، وأنا أعيد التفكير بشأن أن أعمل أشياء أخرى تكون أقل قسوة وخطورة”
وأدانت نقابة الصحفيين الفلسطينيين ما وصفته بـ”المجزرة الجديدة بحق الصحافة”، معتبرة أنها تمثل “حربًا مفتوحة على الإعلام، بهدف إرهاب الصحفيين ومنعهم من أداء رسالتهم المهنية في كشف الجرائم الإسرائيلية للعالم”.
ووصف مقال للفريق التحريري لصحيفة الإندبندنت البريطانية ما يحدث بأنه “إسكات مخزٍ للتغطية الإعلامية لأحداث غزة”، وأشار إلى أن “هؤلاء الصحفيين ليسوا أكثر أهمية من 62 ألفاً من الفلسطينيين الذين قُتلوا أثناء حرب غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وإسرائيل لا تهتم بالقوانين الدولية التي تحمي الصحفيين أو غيرهم من المدنيين”.
وردت إسرائيل بأنها “تأسف لأي أذى يلحق بأفراد غير متورطين، ولا يستهدف الصحفيين في حد ذاتهم”، وقال بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) إن الجيش “يجري تحقيقًا شاملاً” في ما وصفه بـ”الحادث المأساوي”.
لكن ذلك لم يمنع ردود الأفعال الدولية المنددة بهذه الضربة من الولايات المتحدة وكندا وفرنسا، إذ قال دونالد ترامب (الرئيس الأمريكي) إنه لم يكن على دراية بها ومستاء من الحادث، كما وصف إيمانويل ماكرون (الرئيس الفرنسي) الهجوم بأنه “غير مقبول ولا يمكن تحمله”.
وقالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان “إن مقتل الصحفيين في غزة ينبغي أن يصدم العالم ويدفعه إلى التحرك من أجل المطالبة بالمساءلة والعدالة، وليس إلى صمت مذهول”، وذكر ثمين الخيطان (المتحدث باسم المفوضية) “أنهم وثقوا العديد من الهجمات غير المقبولة على الصحفيين، لكن ليس هناك أي نتائج أو إجراءات للمساءلة”، مختتمًا مؤتمره بقوله: “هؤلاء الصحفيون هم عيون وآذان العالم بأسره، وينبغي أن تتم حمايتهم”
اقرأ أيضا: