أنجولا تبرز كوجهة للفرص في عصر القروض الصينية.. insights من باحث في الشأن الأفريقي (صور)
القاهرة – نبأ العرب:

مواضيع مشابهة: كيف يؤثر خفض الفائدة من البنك المركزي على شهية المستثمرين في البورصة؟
عقدت كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، اليوم الإثنين 26 مايو 2025، سلسلة من الجلسات النقاشية في ثاني أيام مؤتمرها السنوي “الاستثمار في أفريقيا: فرص ريادة الأعمال وتحديات المنافسة الدولية والإقليمية”، حيث استعرضت أبرز الأوراق البحثية المقدمة في هذا العام.
وفي أولى جلسات اليوم، ألقى الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي، فادي الصاوي، كلمة محورية تناول فيها تعقيدات سياسة “القروض مقابل النفط” الصينية في أفريقيا، مشيرًا إلى تجربة أنجولا كنموذج تفصيلي.
فكك الباحث أبعاد هذه السياسة المثيرة للجدل، وكشف كيف تمكنت أنجولا، رغم التحديات، من تعزيز نفوذها وتحقيق مكاسب استراتيجية في علاقاتها مع بكين، مؤكدًا أن القارة السمراء ليست مجرد متلقٍ سلبي، بل لاعب فاعل في المشهد الجيوسياسي المتغير.
بدأ الصاوي كلمته بالتأكيد على أن “أفريقيا شهدت في العقدين الأخيرين تزايدًا ملحوظًا في التمويل الصيني للتنمية، وهو ما أثار جدلاً واسعًا، ففي الفترة من 2000 إلى 2023، قدم المقرضون الصينيون 1306 قروضًا بقيمة 182.28 مليار دولار إلى 49 حكومة أفريقية، تركزت بشكل كبير على قطاعي الطاقة والبنية التحتية”.
وأضاف أن “سياسة القروض مقابل النفط برزت كأحد الأدوات الرئيسية التي استخدمتها الصين لتعزيز تعاونها مع القارة، خاصة الدول الغنية بالنفط مثل أنجولا”، مشيرًا إلى أن أنجولا، بعد الحرب الأهلية التي انتهت في عام 2002، واجهت تحديات اقتصادية هائلة نتيجة تدمير بنيتها التحتية وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، مما جعلها بحاجة ماسة لتمويل إعادة الإعمار، وفي ظل تعثر المفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية التقليدية، اتجهت أنجولا نحو الصين مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط العالمية.
بلغ حجم القروض الصينية لأنجولا 46 مليار دولار عبر 270 قرضًا في الفترة من 2002 إلى 2023، وتركزت معظمها على قطاع الطاقة ثم المواصلات والبنية التحتية، موضحًا أن هذه القروض ساهمت في تجديد وبناء 2800 كيلومتر من السكك الحديدية، و20 ألف كيلومتر من الطرق، وأكثر من 100 ألف وحدة سكنية، وأكثر من 100 مدرسة وأكثر من 50 مستشفى في أنجولا، مما ساهم في تحسين نوعية الحياة وتحفيز النمو الاقتصادي بشكل ملموس.
وأشار الصاوي إلى بعض الجوانب الإيجابية لهذه الشراكة، حيث تميزت هذه المشاريع بطبيعة “استخدام مزدوج” لتوسيع التبادل التجاري ليشمل دولًا أخرى غير الصين، كما أن شروط السداد كانت مرنة، حيث تراوحت فترة السداد بين 15 و18 عامًا، وهي فترة كبيرة مقارنة بما تمنحه المؤسسات الغربية، مما يمثل ميزة كبيرة للدولة الأفريقية.
وعن مدى استفادة أنجولا، أوضح الباحث أن استراتيجية منح عقود استغلال الموارد للشركات الصينية على حساب الشركات الغربية دفعت العديد من الدول الغربية إلى تخفيف مواقفها تجاه أنجولا، حتى صندوق النقد الدولي، الذي كان يدعو إلى الشفافية في قطاع النفط، صرف قرضًا بقيمة 1.4 مليار دولار للبلاد في عام 2009 رغم اتهامات بالفساد، وهذا يوضح كيف أتاحت المنافسة بين الصين والمانحين الغربيين لأنجولا فرصة للتلاعب ببعضهم البعض وتمكين نفسها من خيار التوجه نحو الشريك الذي يمنحها صفقة أفضل ولا يتدخل في شؤونها الداخلية.
نجحت أنجولا أيضًا في استخدام النفط كورقة ضغط لتعديل شروط التعاقد، فبينما نصت اتفاقية القرض الأول على تخصيص 70% من الأعمال للشركات الصينية، فإن تخصيص 30% من قيمة التعاقد للقطاع الخاص الأنجولي كان تنازلًا كبيرًا من الجانب الصيني، مما يدل على قوة المساومة الأنجولية، كما أن اتفاقيات التعاقد من الباطن سمحت بالتعاقد مع شركاء محليين لما يصل إلى 60% من العطاءات الممنوحة للشركات الصينية، وهو مؤشر آخر على قوة المساومة الأنجولية.
مواضيع مشابهة: محافظ الدقهلية يتفقد سيارة أسطوانات البوتاجاز ويقوم بوزن أنبوبة.. صور حصرية من الحدث
بالتأكيد، لم تخلُ هذه السياسة من الانتقادات والسلبيات، فقد اتسمت الاتفاقيات المبرمة بين الصين وأنجولا بالغموض في إدارة القروض وتدفقاتها المالية، ما فتح الباب أمام الفساد وسوء استخدام الأموال، كما أن الاعتماد الكبير على العمالة الصينية في تنفيذ المشاريع حد من استفادة أنجولا في بناء قدراتها البشرية والتكنولوجية، كذلك أثبت “النموذج الأنجولي” القائم على القروض مقابل النفط عدم استدامته، خاصة في ظل تقلبات أسعار النفط العالمية وتراجع الإنتاج المحلي، ما أدى إلى أزمة اقتصادية حادة في أنجولا في عام 2014.
ومع ذلك، فإن هذه التحديات ليست حتمية، فإدارة الرئيس الأنجولي الحالي لورينسو تبنت استراتيجية جديدة تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، كما أن الصين اتجهت إلى الاستثمار في مجالات جديدة مثل التكنولوجيا والاتصالات.