بي بي سي.

مقال له علاقة: الأوقاف تصدر تحذيرًا هامًا حول تنظيم الصفوف في صلاة العيد
انتهت مهام إيلون ماسك في إدارة ترامب بعد 129 يوماً مليئاً بالجدل، حيث قاد خلالها حملة غير مسبوقة لخفض الإنفاق الحكومي، مما أثار انتقادات واسعة النطاق.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، نشر الملياردير الجنوب إفريقي رسالة شكر عبر منصته على موقع “إكس”، موجهة للرئيس ترامب على منحه الفرصة للعمل في وزارة الكفاءة الحكومية المعروفة اختصاراً بـ”دوج”.
رغم قصر فترة ماسك في الحكومة، إلا أن تأثيره في وزارة الكفاءة الحكومية أحدث تغييراً ملحوظاً في عمل المؤسسات الفيدرالية، وامتد أثره إلى خارج واشنطن ليصل إلى الساحة الدولية.
منشار وزارة الكفاءة الحكومية
انضم ماسك إلى البيت الأبيض بهدف تقليص الإنفاق الحكومي إلى أقصى حد، حيث بدأت مهمته بخفض الإنفاق بمقدار تريليوني دولار، ثم تراجع الرقم إلى تريليون، قبل أن يُحدد أخيراً عند 150 مليار دولار.
حتى اليوم، تقول الوزارة إنها وفرت نحو 175 مليار دولار من خلال بيع أصول، وإلغاء عقود إيجار ومنح، وحذف مدفوعات احتيالية أو غير نظامية، وتعديلات تنظيمية، بالإضافة إلى تقليص عدد موظفي الحكومة الفيدرالية بواقع 260 ألف موظف من أصل 2.3 مليون، إلا أن تحليلاً أجرته بي بي سي أظهر نقصاً في الأدلة على بعض هذه الادعاءات.
مواضيع مشابهة: القبض على خمسة أفراد في الفيوم بعد مشاجرة حادة في سوق المواشي
أدت هذه السياسات إلى حالة من الفوضى في بعض الأحيان، مما دفع القضاء الفيدرالي إلى التدخل لوقف عمليات فصل جماعي، وإصدار أوامر بإعادة الموظفين إلى أعمالهم.
وفي حادثة بارزة في فبراير/شباط الماضي، اضطرت الإدارة إلى وقف تسريح مئات العاملين في “الإدارة الوطنية للأمن النووي”، بينهم موظفون يشغلون مناصب حساسة تتعلق بالترسانة النووية الأمريكية.
أقر ماسك بأن هذا النوع من الإجراءات لا يخلو من الأخطاء، حيث قال: “سنرتكب أخطاء”، وذلك بعد أن ألغت وزارته برنامج مساعدات ظناً منها أن المنطقة المستفيدة هي غزة، بينما كانت في الحقيقة موزمبيق
كما أثار سعي وزارة “دوج” للوصول إلى بيانات حكومية حساسة، خاصة تلك التابعة لوزارة الخزانة، جدلاً واسعاً، لاسيما وأنها تشمل معلومات خاصة بملايين الأمريكيين.
ورغم الجدل، لا تزال سياسات خفض الإنفاق تحظى بدعم شريحة من الأمريكيين، حتى وإن تراجعت جراءها شعبية ماسك الشخصية.
تداخل المصالح بين السلطة والمال
أثار وجود ماسك، بصفته “موظفاً حكومياً خاصاً” غير منتخب، ويمتلك شركات ترتبط بعقود كبيرة مع الحكومة الأمريكية، تساؤلات حول إشكالية تضارب المصالح.
تشمل إمبراطورية ماسك للأعمال شركات تتعامل مع حكومات داخل وخارج الولايات المتحدة، من أبرزها شركة “سبيس إكس”، التي تصل قيمة عقودها الحكومية إلى نحو 22 مليار دولار، وفقاً لما قاله مديرها التنفيذي.
كما اتهمه عدد من الديمقراطيين باستغلال منصبه في الحكومة لتعزيز مصالح شركته “ستارلينك” المتخصصة في خدمات الإنترنت الفضائي، خاصة على الصعيد الدولي.
تعرض البيت الأبيض لانتقادات بعدما استعرض ماسك في مارس الماضي، سيارات تابعة لشركة “تسلا”، في حدائق البيت الأبيض، في خطوة اعتبرها البعض دعماً غير مباشر لشركاته.
إلا أن ماسك وترامب نفيا وجود أي تعارض في المصالح أو أي إشكال أخلاقي في هذا السياق.
هل دفع نحو عزلة أمريكية؟
برز التأثير العالمي لماسك ووزارته، بعد أن ألغت الإدارة أكثر من 80 في المئة من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، عقب مراجعة استمرت ستة أسابيع، في حين تم نقل ما تبقى منها إلى وزارة الخارجية.
جاءت هذه الخطوة في إطار سياسة “أمريكا أولاً” التي تتبناها إدارة ترامب، وتهدف إلى تقليص الإنفاق الخارجي.
أثرت التخفيضات على برامج إنسانية عديدة، في الوكالة المكلفة بمهام مثل اكتشاف المجاعة والتطعيم والمساعدات الغذائية في مناطق الصراع، وهي مسؤولة عن مطابخ جماعية في السودان الذي مزقته الحرب، ومنح تعليمية لفتيات أفغانيات هربن من طالبان، وعيادات مخصصة للمتحولين جنسياً في الهند.
بما أن الوكالة تُعد أداة أساسية من أدوات “القوة الناعمة” الأمريكية، رأى بعض المحللين أن إضعافها يمثل تراجعاً في النفوذ الأمريكي على الساحة الدولية.
نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة
لطالما وُجهت اتهامات لماسك وترامب من قبل منتقديهما بنشر نظريات مؤامرة لا أساس لها، لكن وجود ماسك في البيت الأبيض كشف إلى أي مدى يمكن أن تتسلل المعلومات المضللة إلى أروقة الحكم.
على سبيل المثال، روّج ماسك لنظرية لا تستند إلى أي دليل، مفادها أن احتياطي الذهب الأمريكي قد سُرق خلسة من “فورت نوكس” في كنتاكي، واقترح بث زيارة مباشرة للمكان للتأكد من وجود الذهب.
كما أعاد ماسك مؤخراً نشر شائعات لا أساس لها تقول إن الأقلية الأفريقانية البيضاء في جنوب أفريقيا تتعرض لـ”إبادة جماعية”.
انقسامات داخل إدارة ترامب
كشفت الفترة التي قضاها ماسك في الحكومة عن وجود توترات داخل إدارة ترامب رغم التصريحات العلنية التي تشدد على وحدة الصف.
بينما عبّر ترامب علناً عن دعمه المتكرر لماسك ووزارته، أشارت تقارير إلى وجود خلافات بين ماسك وبعض الوزراء الذين رأوا أن سياسة التقشف أضرت بوزاراتهم.
قال ترامب خلال اجتماع لمجلس الوزراء في فبراير/شباط الماضي: “الجميع يحترم إيلون على ما يفعله، لكن بعضهم لديه تحفظات بسيطة. وإذا كان لديهم تحفظات، أريدهم أن يتحدثوا”، ثم التفت إلى الوزراء وسألهم مباشرة إن كان أحدهم غير راضٍ عن ماسك، لكن لم يتحدث أحد
جاء الإعلان عن رحيل ماسك في نفس اليوم الذي بثت فيه شبكة سي بي إس الأمريكية، شريكة بي بي سي في الولايات المتحدة، مقابلة أعرب فيها ماسك عن “خيبة أمله” من مشروع قانون الموازنة الجديد الذي وصفه ترامب بأنه “ضخم وجميل”، ويشمل المشروع إعفاءات ضريبية بقيمة تريليونات الدولارات، إلى جانب زيادات في الإنفاق الدفاعي.
قال ماسك إن مشروع القانون “يُقوّض” جهود وزارة الكفاءة الحكومية في تقليص الإنفاق، مما يعكس انقسامات أعمق داخل الحزب الجمهوري بشأن التوجه الاقتصادي.