تحول خطة توزيع المساعدات الأمريكية إلى فخ لإسرائيل في غزة وكيف أثر ذلك على الوضع الإنساني
منذ بداية تنفيذ الخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، تحولت تلك الخطة التي كانت تأمل تل أبيب وواشنطن أن تكون منقذًا وسط أزمة المجاعة المتفاقمة، إلى حالة من الفوضى والانهيار منذ يومها الأول، ورغم أن الهدف المعلن كان إنقاذ أكثر من مليوني فلسطيني مهددين بالجوع، إلا أن الواقع على الأرض كان أكثر تعقيدًا وعنفًا مما توقعه أي طرف من الأطراف.

اقرأ كمان: حكم التأديبية بشأن اعتداء مدير على طالبتيه بالضرب.. تفاصيل القضية وأهم النتائج
بداية احتفالية
في اليوم الأول لافتتاح مركز توزيع تابع لمؤسسة “غزة الإنسانية” – الكيان الذي أنشئ بدعم أمريكي وإسرائيلي لتولي ملف توزيع المساعدات – بدا المشهد وكأنه مهرجان رمزي، حيث تم تداول فيديو يظهر أحد المتعاقدين الأمنيين الأمريكيين الملثمين، وهو يقف على تلة ترابية ويرسم حركات للجمهور المحاصر خلف الأسلاك الشائكة، ليرد الحشد بهتافات حماسية في انتظار الحصول على الإمدادات التي حظرت إسرائيل دخولها لفترة طويلة.
مرتزقة أمريكيون يضحكون على أوجاع أهل غزة..
وكأنهم في مشهد ترفيهي، أولئك الذين باعوا ضمائرهم بأموال، وأرادوا السخرية من شعب لم ينحنِ رغم الجوع والحصار..
— مِحراك – الجامعة الأردنية (@me7rak_).
لكن سرعان ما تحول هذا المشهد إلى كارثة، ففي فترة بعد الظهر، اقتحم آلاف المدنيين الجائعين الموقع، متجاوزين الحواجز، وبدأت أصوات الأعيرة النارية تُسمع في المكان، بينما هرع الناس في كل اتجاه وسط حالة من الفوضى، ليسقط على إثر ذلك عشرات الشهداء وعدد كبير من المصابين فقط في سبيل الحصول على بعض الطعام بعدما فتكت المجاعة بكثيرين.
في الواقع، كان عدد المساعدات وحجم الإمكانيات التي وفرتها إسرائيل وأمريكا في نقاط التوزيع المحدودة لا يتناسب على الإطلاق مع الأعداد الكبيرة – بمن فيهم الأطفال – الذين تجمعوا في حشد غير منظم للحصول على بعض الطعام، مما أدى بالبعض للخروج إما مصابًا ومعه الطعام أو شهيدًا أو بلا شيء.
هيكل بديل للأمم المتحدة
جاء تأسيس “مؤسسة غزة الإنسانية” كمحاولة من إسرائيل لإنشاء بديل للأمم المتحدة ووكالاتها، بما في ذلك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” التي اتهمتها إسرائيل بالتعاون مع المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، لتصبح المنظمة الجديدة الجهة الرئيسية لتنسيق وتوزيع المساعدات في غزة.
إضافة لذلك، كان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإسرائيل بإنشاء الهيئة الجديدة محاولة للالتفاف على آلية الأمم المتحدة بدعوى أن حركة المقاومة الإسلامية حماس تسيطر على المساعدات، وهو ما تنفيه الحركة بشكل قاطع، بل وتعتبره محاولة من حكومة بنيامين نتنياهو للالتفاف على حظر المساعدات المفروض على القطاع.
على جانب آخر، قوبلت الخطة بإدانة واسعة من وكالات الإغاثة الدولية، التي رفضت التعاون مع المؤسسة الجديدة، مؤكدة أن وجود مقاولين أمنيين مسلحين – بعضهم أمريكيون – عند نقاط توزيع المساعدات يهدد ثقة المدنيين ويعرقل فعالية الإغاثة.
Thousands of people in Gaza rushed to receive aid from a new US-backed distribution center in southern Gaza. The so-called Gaza Humanitarian Foundation has been accused of helping Israel achieve its military objectives.
— DW News (@dwnews).
ممكن يعجبك: روسيا تؤكد عدم حصولها على موافقة من كييف لتسليم جثث الجنود الأوكرانيين وتبادل الأسرى
مشاهد اضطراب واشتباكات
في اليوم الرابع للتوزيع، قالت المؤسسة إنها وزعت “مليوني وجبة”، لكنها لم توضح كيفية توثيق المستفيدين أو مراقبة التوزيع، ولم تقدم أي معلومات تفصيلية بهذا الشأن كما ذكرت “بي بي سي”.
في موقع قريب من مخيم النصيرات، وثقت مقاطع فيديو قيام أحد عناصر الأمن بإلقاء قنبلة دخانية وسط الحشد، مما دفع العشرات للهرب وسط الدخان والصراخ، وادعت المؤسسة أن الأمر كان “ردًا على حشد خطير ورافض للتفرق”، زاعمة أن القنبلة كانت غير قاتلة، وأن “لا إصابات وقعت”، لكن الواقع كان مغايرًا مع إعلان وزارة الصحة في قطاع غزة عن استشهاد 31 فلسطينيًا جراء استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة توزيع المساعدات في مدينة رفح جنوبي القطاع.
🚨🚨🚨🚨
أنا لست مستوعبا ما يحصل بصراحة
هل هي شركة توزيع أكل وإلا شركة توزيع نيران على شعب غزة؟؟
هو ناقصه يعني إطلاق نار وإلا غذاء وماء ودواء !!
شاهد اشتباكات جديدة بين الأهالي وشركة توزيع المساعدات الأمريكية.— محمد علاء العناسوه (@alaa_tallaq).
جاء الهجوم الإسرائيلي على نقطة التوزيع رغم خضوعها لسيطرتها ورغم أنها ليست تابعة لحماس، وهو ما أدى إلى إصابة 115 آخرين، بالإضافة إلى مئات آخرين في انتهاكات الأيام السابقة.
من جهتها، علقت حركة المقاومة الإسلامية على الهجوم، بالقول إن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم مراكز توزيع المساعدات الواقعة تحت سيطرته كمصائد لاستدراج الجوعى، وممارسة أبشع صور القتل والإذلال بحقهم.
وفي منشور سابق على فيسبوك، هددت المؤسسة بإغلاق أي موقع توزيع يشهد حوادث اجتياح أو “نهب” بحسب زعمها، دون الالتفات للكميات القليلة للغاية التي لا تكفي لسد حاجات الآلاف الذين تجمعوا بعد أن فتك بهم الجوع للحصول على كميات محدودة من الغذاء، والتي وصفتها منظمة “أطباء بلا حدود” بـ “التافهة” لعدم ملائمة كميات الإمدادات لحجم الكارثة الفعلية داخل القطاع.
فوضى المعلومات والتواصل
تعاني العملية التي تقودها المنظمة الأمريكية الإسرائيلية في قطاع غزة من ضعف واضح في التواصل والتنظيم، حيث يذهب البعض إلى الموقع على أمل الحصول على مساعدات ثم يعود خالي الوفاض، وسط تواجد نقاط توزيع محدودة مقارنة بالسابق.
بينما كانت الأمم المتحدة تدير أكثر من 400 نقطة توزيع منتشرة في أنحاء غزة، اختارت المؤسسة الإسرائيلية الأمريكية العمل عبر أربعة مواقع فقط، وهو النهج الذي انتقدته منظمة “أوكسفام” مشيرة إلى أنه يخضع العملية لـ”سيطرة عسكرية”، ويزيد من معاناة الفئات الأضعف مثل كبار السن الذين لا يستطيعون قطع المسافات الطويلة للوصول إلى نقاط التوزيع.
الإذلال الذي تمارسه الشركة الأمنية الأمريكية بحق المجوعين في غزة فاق كل احتمال، تستدعي الشركة عبر الجيش الإسرائيلي الآلاف إلى مراكز التوزيع وبعد وصولهم تخبرهم بأنه لا يوجد توزيع اليوم. طريقة التوزيع مذلة ومهينة والكميات رمزية للغاية.
— Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu).
هل هذه مساعدات إنسانية بالفعل؟
بحسب الصور المتداولة، تتضمن صناديق المساعدات التي وزعتها المؤسسة مواد أساسية مثل المعلبات، الأرز، البسكويت، العدس والزيت، بينما لم تتضمن أي مستلزمات طبية، أو أدوات نظافة، ووسائل لتنقية المياه، التي تتضمنها المساعدات الإغاثية عادة.
والدليل على أن المؤسسة أخلفت بوعودها، هو وثيقة داخلية مكونة من 14 صفحة صادرة عن المؤسسة قد وعدت بتوفير الإمدادات المذكورة سابقًا، لكن على أرض الواقع، لم يُوزع سوى الطعام، وفي يوم الجمعة الماضي، كان موقع توزيع واحد فقط يعمل ولفترة لم تتجاوز الساعة قبل أن تعلن المؤسسة على فيسبوك انتهاء الإمدادات.