الهجوم الأوكراني على المطارات الروسية وتأثيراته المحتملة.. كيف يؤثر التوقيت وطريقة التنفيذ على الصراع؟

في حدث غير مسبوق منذ بداية الحرب في فبراير 2022، نفّذ الجيش الأوكراني هجوماً بالطائرات المسيرة استهدف قواعد جوية داخل العمق الروسي، مما أثار تساؤلات حول قدرة موسكو الدفاعية، وأبرز تطور القدرات الهجومية لكييف.

الهجوم الأوكراني على المطارات الروسية وتأثيراته المحتملة.. كيف يؤثر التوقيت وطريقة التنفيذ على الصراع؟
الهجوم الأوكراني على المطارات الروسية وتأثيراته المحتملة.. كيف يؤثر التوقيت وطريقة التنفيذ على الصراع؟

تشكّل عملية “شبكة العنكبوت”، كما أطلق عليها الجيش الأوكراني، إضافة إلى سجل قدراته في تنفيذ ضربات بعيدة المدى باستخدام المسيرات، التي تمثل تكتيكاً جديداً لاختراق الدفاعات الروسية لمسافات تزيد عن 4 آلاف كيلومتر من جبهة القتال، وفق ما ذكرته وكالة “رويترز” البريطانية.

استهدف الهجوم الأوكراني قواعد من بين أهم أصول سلاح الجو الروسي الاستراتيجي، مثل قاعدتي “بيلايا” في إيركوتسك و”أولينيا” في مورمانسك، ما يعزز الضغط العسكري من قِبل كييف قبيل جولة المفاوضات المزمع إجراؤها في إسطنبول، ويمنحها ورقة قوة في موقفها التفاوضي، وفق صحيفة “فايننشال تايمز”.

أوكرانيا.. تطور القدرات الهجومية

مع تزايد الخسائر البشرية في صفوف الجيش الأوكراني، اعتمدت كييف بشكل متزايد على استخدام المسيرات لتخفيف الضغط على قواتها في جبهات القتال، من خلال تنفيذ هجمات تستهدف البنية التحتية العسكرية في العمق الروسي، بما في ذلك المطارات وقواعد الإمداد اللوجستي.

خلال الأشهر الأخيرة، زادت أوكرانيا من هجماتها بالطائرات المسيرة التي اخترقت العمق الروسي لمئات الكيلومترات، وتجاوزت في بعض الهجمات مسافة 1000 كيلومتر، مما أبرز تطور قدراتها التقنية والاستخباراتية في مجال المسيرات واستخدام الذكاء الاصطناعي في الشق العسكري.

أوكرانيا.. ضغوط دبلوماسية ودعم غربي

تزامن الهجوم الأوكراني مع تحركات دولية دبلوماسية حثيثة لتحقيق اتفاق ينهي الحرب الممتدة منذ أكثر من 3 سنوات، إذ كان من المقرر استئناف المفاوضات التي تسعى كييف لاستغلالها للحصول على تعهدات بوقف فوري للنار، بالإضافة إلى تنازلات روسية محتملة بشأن الحدود.

يأتي هجوم “شبكة العنكبوت” بعد أيام من تأكيدات المستشار الألماني فريدريش ميرتس، بأنه لن يفرض قيوداً على استخدام أوكرانيا صواريخ “تاوروس” طالما أن الصراع مستمر، الأمر الذي أثار غضب موسكو وفتح الباب أمام أوكرانيا لاستهداف العمق الروسي، وفق “معهد دراسات الحرب”.

رفضت موسكو بشكل صريح إجراء أي محادثات قبل تحقيق مكاسب ميدانية ملموسة، مؤكدة أنها لن تقف لتشاهد استهداف قواعدها الاستراتيجية في العمق الروسي، مما ينذر بتدهور المفاوضات وتراجع فرص التوصل إلى اتفاق قريب، وفق صحيفة “واشنطن بوست”.

“شبكة العنكبوت”: الإعداد والتخطيط والتنفيذ

استغرقت مرحلة الإعداد للهجوم الأوكراني الذي نُفّذ اليوم الأحد نحو 18 شهراً، بإشراف مباشر من الرئيس فولوديمير زيلينسكي ورئيس جهاز الأمن الأوكراني فاسيل ماليك، مما يعكس تنسيقاً استخباراتياً كبيراً للعملية، بحسب “رويترز”.

شمل التخطيط للهجوم جمع معلومات استخباراتية دقيقة بشأن مواقع انتشار الأنظمة الدفاعية الروسية وخطوط التشويش الإلكتروني، إلى جانب تجنيد شبكة من العملاء الداخليين في روسيا لضمان وصول الشحنات المموهة التي تحتوي على المسيرات المستخدمة في العملية “شبكة العنكبوت” إلى أهدافها.

وفقاً لما ذكرته “رويترز”، استخدم الجيش الأوكراني حاويات مخصصة أُعدّت على شكل “منازل متنقلة” محمولة على شاحنات، بعد تركيب آليات إطلاق الطائرات المسيرة أسفل أسطحها، قبل نقلها إلى مواقع قريبة من القواعد الجوية المستهدفة في المناطق الشمالية والشرقية من روسيا.

عند وصول الشاحنات إلى مواقع قريبة من قواعد “أولينيا” و”بيلايا” الروسيتين، فُتحت أسطح الشاحنات عن بُعد، وانطلقت أسراب من المسيرات الصغيرة الانتحارية نحو القاعدتين قبل تفجيرها في الأهداف المحددة.

اعتمدت المسيرات الأوكرانية على أنظمة ملاحة بصرية مدعومة بخوارزميات ذكاء اصطناعي تم تدريبها على قواعد بيانات فضائية وبصرية لتجنب الرادارات الروسية وأنظمة التشويش الإلكتروني، مما مكّنها من عبور مسافات تصل إلى أكثر من 60 كيلومتراً داخل نطاقات التشويش الإلكتروني الروسي قبل التوجه إلى العمق واستهداف القواعد الجوية.

خداع استراتيجي: دعم استخباراتي وعملاء داخليون

ذكرت مصادر أوكرانية أن جوازات السفر وعمليات دخول الشاحنات إلى الأراضي الروسية، تمت بوسائل مزيفة ووثائق هوية لشركات مدنية روسية وهمية، بينما أعد العملاء الداخليون الخطط لوصول الشاحنات إلى مواقع قريبة من القواعد دون تخوّف من انكشافهم، نتيجة لانشغال الاستخبارات الروسية بصد الهجمات المسيرة الأوكرانية قرب الحدود، وفق “واشنطن بوست”.

بعد انتهاء تجهيز عملية إطلاق المسيرات عن بُعد، سحبت الاستخبارات الأوكرانية العملاء الداخليين لحماية هويتهم، كما أبلغتهم بموعد الهجوم كي لا يكتشفهم حرّاس القواعد أو المراقبة الجوية الروسية.

“شبكة العنكبوت”: الساعة صفر وبدء الهجوم

أشارت وكالة “رويترز” إلى أن أسراب المسيرات أُطلقت من الشاحنات المموهة بشكل متزامن في وقت مبكر من فجر اليوم الأحد، مستغلة انشغال الأنظمة الدفاعية الروسية في 8 مناطق مختلفة، لتعبر إلى هدفها الأول قاعدة “أولينيا” في مورمانسك، قاطعة نحو 2500 كيلومتر من الحدود، قبل أن تتوجه دفعة أخرى من المسيرات إلى قاعدة “بيلايا” في إيركوتسك، حيث ألحق بعضها أضراراً بطائرات الاستطلاع “أيه 50” وقاذفات “تو 95” الاستراتيجية.

في بيان أصدرته وكالة الاستخبارات الأوكرانية، في وقت لاحق، أكدت أن التكلفة التقديرية لخسائر الطيران الاستراتيجي للجيش الروسي إثر ضربة اليوم بلغت 7 مليارات دولار، مشيرة إلى استهداف 34% من حاملات الصواريخ الاستراتيجية في المطارات الرئيسية الروسية.

لاحقاً، نشرت مصادر أوكرانية مشاهد توثّق آثار الهجوم، حيث أظهرت اندلاع حرائق كبيرة في حظائر الطائرات داخل المطارات الروسية، وتصاعد أعمدة من الدخان فوق مدرج الإقلاع، مما يؤكد فعالية الضربة رغم إعلان روسيا تصدّيها للهجوم، وفق صحيفة “الجارديان”.

تزامن الهجمات وتوزيع الأهداف

حرص الجيش الأوكراني على تنفيذ هجومه على 5 قواعد روسية بشكل متزامن فجر الأحد، حيث تضمن قواعد “أولينيا” و”بيلايا” و”دياجلييفو” و”إيفانو سيفيرني” وقاعدة قرب فوسكريسنسك، مستغلاً التوقيت الليلي للاستفادة من خفض قدرة الرصد الجوي وإنهاك الدفاعات الأرضية الروسية الموزعة على مسافات متباعدة، بحسب “واشنطن بوست”.

أدى إطلاق أسراب المسيرات بشكل متزامن في عدة اتجاهات إلى تشتيت أنظمة الدفاع الجوي الروسية، حيث وُجهت مجموعة من المسيرات الأوكرانية إلى مورمانسك، في ذات الوقت الذي وُجهت فيه مجموعة أخرى إلى إيركوتسك، مما عرقل تركيز منظومات “إس 400″ و”إس 300” الروسيتين في آمور وإيركوتسك، وفق “رويترز”.

أهداف الهجوم

تقول شبكة “أيه بي سي نيوز” الأمريكية، إن الهجوم الأوكراني “شبكة العنكبوت” استهدف بشكل حصري طائرات الإنذار المبكر “أيه 50” والقاذفات الاستراتيجية من طراز “تو 95” و”تو 22 إم 3″؛ لتقويض قدرة روسيا على تنفيذ هجمات صاروخية بعيدة المدى، وبالتالي تقييد قدرتها على تنفيذ الضربات الصاروخية العابرة للقارات على المدن الأوكرانية.

صرّح مسؤول أوكراني لوكالة “أسوشيتد برس”، بأن الهجمات دمّرت 40 طائرة حربية روسية، وهو ما يقرب من ثلث قوة القاذفات الاستراتيجية التي يملكها الجيش الروسي، غير أن موسكو لم تعلن حتى الآن عن حجم الخسائر أو نوعية الأهداف.

“شبكة العنكبوت”.. دلالة التوقيت والاستراتيجية

التوقيت.. “بطاقة ضغط رابحة”

جاء الهجوم الأوكراني قبيل ساعات من جولة المحادثات المفترض إجراؤها في إسطنبول التركية الاثنين، كرسالة من كييف تستعرض فيها قدرتها على تنفيذ هجمات استراتيجية عميقة داخل روسيا؛ من أجل إضعاف أوراق الضغط الروسية في المفاوضات.

أكدت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن الهجوم عقّد مهمة الوفد الروسي الذي انشغل بالرد على الخسائر الميدانية في الهجوم بدلاً من التحضير لمناقشة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

اعتبر محللو “فايننشال تايمز” أن “شبكة العنكبوت” تمثل “بطاقة ضغط حيوية”؛ إذ تمكنت كييف من إفشال المحاولات الروسية لفرض شروط غير ملائمة في محادثات إسطنبول، ما يؤكد أن توقيت الهجوم لم يكن عشوائياً بل حُدّد لاستغلاله في الضغط الدبلوماسي.

رسالة ردع لروسيا

تشير “واشنطن بوست” إلى أن الهجوم أظهر قدرة أوكرانيا على توجيه ضربات شديدة التأثير في العمق الروسي، مما يشكل ضغطاً إضافياً على موسكو لإعادة توزيع منظوماتها الدفاعية وتأمين منشآتها الاستراتيجية مثل المطارات والمواقع البعيدة عن جبهات القتال، ما سيكلفها موارد إضافية في ظل العقوبات الاقتصادية الغربية وضغط ميداني مستمر.

عدّ محللو الصحيفة الأمريكية استهداف القاذفات الاستراتيجية النووية، رسالة ردع صريحة للداخل الروسي بأن القدرات النووية المماثلة يمكن أن تصبح أهدافاً لأوكرانيا في أي وقت، مما قد يجبر موسكو على إعادة توزيع قاعدة البيانات الاستراتيجية بعيداً عن مسارات الدعم العسكري من إيران وكوريا الشمالية، مما قد يرهق أنظمتها الدفاعية.

إجراءات روسية

ذكرت “بلومبرج” أن الجيش الروسي تحرك فوراً لتعزيز الدفاعات في قواعد “موروفوسك” و”إنجلس” بأنظمة دفاعية من طرازي “إس 400” و”إس 300″، مما يشير إلى عملية إعادة تنظيم الموازين الجوية الروسية لتعويض الفجوة الأمنية التي كشفها الهجوم الأوكراني بالمسيرات.

إلى جانب ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الروسية استهداف معسكر كتيبتين أوكرانيتين بميدان “نوفوموسكوفسك” للتدريب في دنيبروبيتروفسك، حيث أسفر الهجوم الصاروخي الروسي عن مقتل 12 جندياً على الأقل وإصابة 60 آخرين.

الرد الروسي المحتمل.. الحجم والنطاق والكيفية

في أعقاب الهجوم الأوكراني، وصفت وسائل الإعلام الروسية الرسمية العملية بأنها “هجوم إرهابي خطير”، كما أعلن الجيش الروسي حالة الطوارئ في قاعدتي “إنجلس” و”موروفوسك” الجويتين.

في إطار الرد المحتمل، دعا المحللون العسكريون الروس إلى رد هجوم شامل، بينما طالب بعضهم بتنفيذ “ضربات انتقامية نووية”، غير أنها لا تتخطى مستوى الدعوات الرمزية لمحاولة رفع المعنويات الداخلية، وفق “واشنطن بوست”.

ترى الصحيفة أن روسيا ستركز على تعزيز دفاعاتها الجوية، وتجنب دخول قواتها، خصوصاً الطائرات الاستراتيجية، إلى مجال مرمى النيران الأوكرانية المسيرة.

روسيا من جانبها، أعلنت أنها ستعمل على تجزئة مواقع القواعد والقنابل بعيدة المدى للحفاظ على قدرات الردع النووي موجهة نحو أكثر من اتجاه، فيما تشير صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن موسكو قد تلجأ إلى النقل الجزئي لطائراتها الاستراتيجية إلى مطارات بعيدة ذات حماية إضافية ومنظومات دفاعية متعددة الطبقات لإحباط أي هجوم مستقبلي مماثل.

كذلك، ترى الصحيفة الأمريكية أن موسكو قد تلجأ إلى تعزيز هجماتها السيبرانية ضد البنى التحتية الحيوية في أوكرانيا، أو تنفيذ هجمات صاروخية بعيدة المدى تستهدف منشآت حساسة.