في ظل التصعيد المتزايد بين إسرائيل وإيران، ومع دخول أسلحة جديدة ومتطورة إلى ساحة المواجهة، تبرز تساؤلات حادة حول قدرة إسرائيل على مواجهة الهجمات الإيرانية، خاصة مع التقارير التي تشير إلى أن تل أبيب تعاني من عجز في منظومتها الدفاعية، وخصوصًا في منظومة “آرو” الاعتراضية، التي تعتبر العمود الفقري في دفاعاتها متعددة الطبقات ضد التهديدات الباليستية.

مواضيع مشابهة: أول تعليق لحركة حماس على مجزرة رفح بعد استهداف المنتظرين للمساعدات
منذ تنفيذ قرار الضربة الاستباقية ضد إيران، تمكنت إسرائيل من إلحاق أضرار جسيمة بالجانب الإيراني، سواء من خلال اغتيال قادة الصفوف الأولى أو استهداف منشآت استراتيجية، لكن على الجانب الآخر، وجدت طهران نفسها مضطرة لاستخدام صواريخها التي كانت تحتفظ بها لسنوات ضد تل أبيب، بعد توخي الحذر في الهجمات السابقة.
استطاعت صواريخ إيران اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية المكونة من ثلاثة مستويات هي القبة الحديدية ومقلاع داوود والسهم أو “آرو”، مما أسفر عن أضرار لم تشهدها إسرائيل في تاريخها الممتد لثمانين عامًا، وبالتالي لم تتمكن المنظومة الدفاعية من التصدي لجميع صواريخ طهران، التي تكلف تل أبيب مبالغ ضخمة.
نقص حرج في صواريخ آرو
ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، استنادًا إلى مسؤول أمريكي رفيع، أن إسرائيل تواجه نقصًا في صواريخ “آرو” الدفاعية، وهذا يأتي في وقت يتصاعد فيه التصعيد العسكري الإيراني بشكل غير مسبوق، حيث تم استخدام صواريخ “فتاح-1” الفرط صوتية، التي تمثل تحديًا كبيرًا حتى لأحدث الأنظمة الدفاعية.
وتؤكد الصحيفة أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) كانت على علم بهذا النقص منذ عدة أشهر، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى استعداد إسرائيل لمواجهة تهديدات طويلة المدى وسريعة الحركة من الجانب الإيراني، الذي يخوض معركة وجودية في الوقت الحالي.
يشير التقرير إلى أن هذا النقص يأتي في وقت بدأت فيه إيران تغيير قواعد اللعبة عبر نشر صواريخ فرط صوتية تتجاوز سرعتها خمسة أضعاف سرعة الصوت، مع قدرة على المناورة أثناء التحليق، مما يعقد عملية تعقبها واعتراضها حتى بواسطة أنظمة متقدمة مثل “آرو 3″ و”آرو 2”.
نقطة تحول في نوعية التهديدات
في هذا السياق، أعلنت إيران رسميًا عن إطلاق صواريخ “فتاح-1” باتجاه إسرائيل، قائلة إن تلك الضربات “هزت الملاجئ” الإسرائيلية في تل أبيب، كما نشرت وسائل الإعلام الإيرانية لقطات مصورة لعملية الإطلاق، في خطوة تهدف لاستعراض قدراتها المتزايدة على شن ضربات موجعة تستهدف الداخل الإسرائيلي.
إلى جانب الصواريخ، أطلقت إيران أيضًا “سربًا” من الطائرات المسيّرة على أهداف داخل الأراضي الإسرائيلية، في استراتيجية تهدف إلى تشتيت قدرات الدفاع الجوي الإسرائيلية وإنهاكها.
وبحسب التقييمات العسكرية، التي نقلتها صحيفة “نيوزويك” الأمريكية، فإن هذه الأسلحة الجديدة تغيّر طبيعة المواجهة، إذ إن الصواريخ الفرط صوتية تُقلل من زمن الاستجابة لدى أنظمة الدفاع الجوي، كما أن قدرتها على تغيير المسار تجعل من اعتراضها عملية شبه مستحيلة إذا لم تتوفر كمية كافية من الذخائر الاعتراضية.
منظومة الدفاع الإسرائيلية
تتكون منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي من عدة طبقات: “القبة الحديدية” لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى، و”مقلاع داوود” للمتوسطة، و”آرو 2″ و”آرو 3″ لمواجهة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وهي أنظمة تم تطويرها بالتعاون مع الولايات المتحدة
بينما توفر أنظمة “آرو” تغطية للغلاف الجوي العلوي والفضاء، فإنها تعتمد على صواريخ باهظة التكلفة وتحتاج إلى تخزين كميات كبيرة منها لضمان الاستمرارية في حال نشوب نزاع واسع.
إلا أن هذه المنظومة الآن تواجه اختبارًا قاسيًا، إذ ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، استنادًا إلى مصدر مطلع على تقييمات استخباراتية أمريكية وإسرائيلية، أن إسرائيل قد تتمكن من الحفاظ على قدراتها الدفاعية الحالية لمدة تتراوح بين 10 و12 يومًا فقط، في حال استمرت الهجمات الإيرانية بنفس المعدل.
وأوضح المصدر أن الجيش الإسرائيلي بات مضطرًا إلى “اختيار الأهداف التي يريد اعتراضها”، مشيرًا إلى أن “المنظومة الدفاعية باتت مثقلة وفوق طاقتها”، وهذا ما تؤكده تصريحات تل أبيب، التي أشارت إلى أن شن هجمات داخل إيران أقل تكلفة من تحمل عبء الصاروخ الذي تطلقه الدفاعات الإسرائيلية ضد الهجمات الإيرانية.
الرد الإسرائيلي والمأزق التكتيكي
منذ الجمعة، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية مفاجئة استهدفت فيها منشآت نووية ومواقع لإطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية، في محاولة لإزالة ما وصفته بـ”التهديد الوجودي”، في وقت كانت فيه إيران تستعد للجولة السادسة من المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الأمريكي حول الاتفاق النووي.
لكن وبشكل غير مسبوق، ردت إيران بإطلاق أكثر من 370 صاروخًا ومئات الطائرات المسيّرة، وقد قُتل حتى الآن 24 شخصًا في إسرائيل وأُصيب أكثر من 500 بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.
ومع اتساع نطاق الضربات الإيرانية لتشمل مناطق مكتظة بالسكان، ازدادت خطورة سقوط أي صاروخ غير معترض، مقارنة بهجمات سابقة في عام 2024 التي استهدفت قواعد عسكرية معزولة، وهو تحول في أهداف إيران يجعل كل صاروخ يفلت من الاعتراض يشكل تهديدًا مباشرًا لحياة المدنيين والبنية التحتية الحيوية في الدولة العبرية.
وبحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، تبلغ كلفة اعتراض كل دفعة من صواريخ الجمهورية الإسلامية نحو 287 مليون دولار أي مليار شيكل يوميًا، مما يعني كلفة عالية على ميزانية الدولة المنهكة بالفعل من حرب غزة.
الدعم الأمريكي.. إلى متى يظل محدودًا؟
في مواجهة هذا الوضع، أقدمت واشنطن على نشر المزيد من الأصول العسكرية في المنطقة، شملت حاملة الطائرات “نيميتز”، بالإضافة إلى أنظمة دفاع صاروخي مثل “باتريوت” و”ثاد”، إلى جانب مدمرات بحرية قادرة على إسقاط الصواريخ.
اقرأ كمان: ترامب يتخذ إجراءات قانونية ضد نيويورك بسبب قانون اعتقال المهاجرين
غير أن هذه القدرات، رغم أهميتها، لا تعني بالضرورة توفر صواريخ اعتراضية كافية لإسرائيل، إذ حذرت الصحيفة الأمريكية من أن الولايات المتحدة أيضًا بدأت تعاني من “استنزاف” في مخزونها من الصواريخ الاعتراضية بعد إرسال جزء كبير منها إلى إسرائيل.
ورغم أن الإدارة الأمريكية لم تتدخل بشكل مباشر حتى الآن، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هدد بالتدخل المباشر، وذلك بعد عقد اجتماع لمجلس الأمن القومي لبحث الخيارات المطروحة، وسط تصاعد الأصوات في واشنطن التي تحذر من أن السماح لإسرائيل بالانهيار الدفاعي قد يؤدي إلى انفجار إقليمي واسع النطاق.
في تصريحاته لشبكة “إيه بي سي” الأمريكية، أكد الرئيس الجمهوري أن الإدارة الأمريكية، رغم اتهامات طهران، ليست متورطة في الحرب الدائرة بينها وبين تل أبيب، لكنه ألمح إلى احتمالية تدخل الولايات المتحدة في النزاع، مشيرًا إلى أن بلاده قد تتدخل إذا اقتضت الظروف، لأن “صبرها بدأ ينفد” بحسب تعبيره.
ردًا على سؤال حول ما إذا كانت هناك مهلة زمنية محددة أمام إيران للدخول في مفاوضات، نفى ترامب وجود أي موعد نهائي، لكنه سبق أن صرح بأن واشنطن لا تسعى لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، بل تهدف للقضاء على البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل.
الجيش الإسرائيلي يلتزم الصمت
حتى الآن، لم يصدر عن الجيش الإسرائيلي أي تأكيد رسمي بشأن نقص الذخيرة الاعتراضية، واكتفى بالقول في بيان مقتضب لصحيفة وول ستريت جورنال إنه “مستعد وجاهز للتعامل مع أي سيناريو”، لكنه رفض التعليق على الأمور المتعلقة بالذخائر، وتشير التقارير الإسرائيلية إلى أن الغالبية العظمى من الصواريخ الإيرانية تم اعتراضها، إلا أن الهجمات الأخيرة كانت مختلفة من حيث الكثافة والنوعية، مما يظهر أن صواريخ طهران استطاعت النفاذ من التحصينات الإسرائيلية.