تتزايد حدة التوتر في المنطقة مع استمرار العمليات العسكرية القوية بين إسرائيل وإيران، حيث دخلت هذه المواجهات يومها السادس دون أي بوادر تهدئة، وزادت الأمور تعقيدًا مع احتمال مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر في القتال، بالإضافة إلى التهديدات الإسرائيلية باغتيال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.

مواضيع مشابهة: مصر وفرنسا تتعاونان لوقف الحرب على غزة والاستعداد لمؤتمر دولي لحل الدولتين
ومع استمرار القتال، تتجه الأنظار نحو روسيا لتحديد موقفها من الدفاع عن حليفتها الاستراتيجية إيران، وتزايدت التساؤلات بعد التحذير الصريح الذي أطلقته موسكو تجاه واشنطن بشأن دعمها العسكري المباشر لتل أبيب، فهل يعني ذلك أن روسيا مستعدة للانخراط في الصراع؟ أم أن تحذيرها يقتصر على الضغط السياسي فقط؟
هل تشارك روسيا في القتال؟
حذرت روسيا الولايات المتحدة من “مجرد التفكير” في تقديم دعم عسكري مباشر لإسرائيل في صراعها مع إيران، معتبرة أن ذلك قد يزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط، وفقًا لما ذكره نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف اليوم الأربعاء.
وفي ضوء التحذير الروسي، يرى عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، الدكتور مهدي العفيفي، أن تحذير موسكو هو “ردع سياسي” ولا يعني انخراط روسيا في الحرب بجانب إيران، إذ لو كانت تنوي ذلك، لكانت أعلنت عنه بشكل صريح.
ويضيف العفيفي في حديثه لـ”نبأ العرب”، أنه من المعروف أن روسيا تمد إيران بالأسلحة والخبرات التقنية، بالإضافة إلى المعلومات الاستخباراتية، مما يعني دعمًا عسكريًا بدون مشاركة مباشرة في القتال.
ويشير العفيفي إلى أنه حتى إذا شاركت الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب بجانب إسرائيل، فإن روسيا لن تفعل الشيء ذاته بجانب حليفتها إيران، ويرجع ذلك إلى انشغال روسيا في حربها ضد أوكرانيا، مما يجعلها غير قادرة على فتح جبهة قتال جديدة في الوقت الحالي.
ممكن يعجبك: دورة تدريبية في مستشفى “أهل مصر” لتعزيز سلامة مرضى الحروق بالتعاون مع الصحة العالمية
ويعتقد العفيفي أنه بموجب هذا التحذير، قد تمد روسيا إيران بمزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية عبر القواعد القليلة التي تمتلكها موسكو في المنطقة، أو حتى تسمح لطهران باستخدام تلك القواعد، ولكن لن تتعدى المسألة ذلك.
ويشير العفيفي إلى أن هذا التحذير لن يؤثر على قرار الولايات المتحدة بشأن الحرب الدائرة، مشيرًا إلى أن روسيا أصدرت تحذيرات مشابهة في حربها مع أوكرانيا، مما يجعل هذه التحذيرات غير موثوقة، بل قد تؤدي إلى تفاقم الوضع، إذ كانت موسكو تتمتع بموقف جيد للعب دور الوسيط في المفاوضات النووية غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.
مخاوف روسيا
أثارت الحرب التي شنتها إسرائيل يوم الجمعة الماضي على إيران ضمن عملية أسمتها “الأسد الصاعد” مخاوف روسيا من فقدان “حليف آخر” في المنطقة بعد الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، بحسب ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست”.
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته بعنوان “روسيا تخشى أن يكلفها صراع إسرائيل مع إيران حليفًا آخر في الشرق الأوسط”، ومع استمرار القتال بدأ المسؤولون الروس يدركون أن الصراع قد يدمر أقرب حليف لهم في المنطقة، وهو ثاني حليف يسقط في أقل من عام، في إشارة للأسد.
وعندما بدأت إسرائيل قصف المنشآت النووية الإيرانية، توقع بعض المحللين الروس أن يكون ذلك فرصة لبلادهم، إذ قد يؤدي الصراع الجديد إلى صرف انتباه العالم عن العمل العسكري الروسي ضد أوكرانيا وتقليل الدعم العسكري الأمريكي، وأن الارتفاع الناتج في أسعار النفط قد يجدد خزائن روسيا التي تعاني من ضغوط متزايدة.
لكن مع توسيع إسرائيل هجماتها في مناطق إيرانية مختلفة، بما في ذلك العاصمة طهران، تزايدت المخاوف في روسيا من أن هذه الهجمات قد تؤدي إلى تغيير النظام الحاكم في إيران، مما يعني خسارة أحد أهم حلفائها في جهودها لإنشاء “تحالف مناهض للغرب”، وفق “واشنطن بوست”.
بعد تبادل الهجمات العسكرية بين إسرائيل وإيران، سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ترشيح نفسه كوسيط في مكالمات هاتفية مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
لكن ترامب رفض العرض الروسي، مؤكدًا أن على موسكو إنهاء حربها في أوكرانيا أولًا، ثم وجه حديثه لبوتين قائلًا: “بإمكانك الاهتمام بالحرب بين إيران وإسرائيل لاحقًا”، كما أكد ترامب أنه طلب من بوتين أن يتوسط لنفسه أولًا قبل الحديث عن الوساطة بين الدول الأخرى
مصالح روسيا مع إيران
تتمتع روسيا بمصالح اقتصادية متعددة في منطقة الشرق الأوسط، تشمل مبيعات الأسلحة وبناء محطات طاقة نووية في بعض الدول، والتنسيق مع دول الخليج في إطار أوبك+ بشأن أسواق النفط العالمية، فضلًا عن كونها من أكبر مصدري الحبوب في العالم، وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
مؤخراً، عززت روسيا علاقاتها مع إيران في مجالات متعددة، بما في ذلك الاقتصادية والتجارية والعسكرية، هربًا من العقوبات الغربية المفروضة عليهما، وتطورت العلاقات بين البلدين بعد العملية العسكرية الشاملة التي شنتها موسكو في أوكرانيا عام 2022.
وفي يناير الماضي، وقع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين التي تمتد لـ20 عامًا، ولكن لم تصل إلى حد إقامة تحالف عسكري كامل، إذ لم تتعهد موسكو بمساعدة طهران عسكريًا، وليست ملزمة بذلك، رغم العلاقات العسكرية الوثيقة بينهما.
ويؤكد الدكتور مهدي العفيفي أن الاتفاقية لا تعني “أبدًا” تدخل روسيا في الحرب للدفاع عن حليفتها إيران، إذ تركزت الاتفاقية أساسًا على مشاريع الطاقة النووية والكهربائية والبنية التحتية وغيرها.
منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، اقتربت موسكو أكثر من حليفتها القديمة طهران، حيث اعتمدت روسيا على إمدادات ثابتة من الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية لقصف كييف ومدن أوكرانية أخرى، وفقًا لصحيفة “واشنطن بوست”.
خلال الحرب الروسية الأوكرانية، قدمت إيران لموسكو أكثر من 400 صاروخ باليستي قصير المدى، وفقًا للجنرال الأمريكي كريستوفر كافولي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، الذي أشار إلى ذلك خلال شهادته أمام المشرعين الأمريكيين في أبريل الماضي، ونقلته وكالة “رويترز”.
وأفادت الولايات المتحدة في سبتمبر الماضي بأن إيران سلمت الصواريخ إلى روسيا على متن تسع سفن تحمل العلم الروسي، والتي فرضت عليها عقوبات، وفقًا لـ”رويترز”، وكان من المخطط أن تصدر إيران في مايو الماضي “صواريخ فتح 360” التي يبلغ مداها 75 ميلًا، مما يوفر لموسكو سلاحًا جديدًا لاستهداف القوات الأوكرانية والأهداف العسكرية القريبة والمراكز السكانية بالقرب من الحدود.