غضب واسع من خطة نقل سكان غزة إلى مدينة إنسانية جديدة جنوب القطاع

بي بي سي.

غضب واسع من خطة نقل سكان غزة إلى مدينة إنسانية جديدة جنوب القطاع
غضب واسع من خطة نقل سكان غزة إلى مدينة إنسانية جديدة جنوب القطاع

يمثل وقف إطلاق النار الذي يتم التفاوض عليه بين إسرائيل وحماس لمدة 60 يومًا شريان حياة لسكّان قطاع غزة، كما يُعتبر فرصة لإدخال كميات كبيرة من الغذاء والمياه والأدوية الضرورية بعد القيود الإسرائيلية الصارمة على إيصال المساعدات، وأحيانًا القيود الكاملة.

أما بالنسبة لوزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، فإن توقف العمليات العسكرية لمدة شهرين قد يخلق فرصة لبناء ما وصفه بـ “مدينة إنسانية” على أنقاض مدينة رفح المدمرة جنوبي القطاع، لتؤوي جميع سكان غزة تقريبًا، باستثناء أولئك المنتمين إلى حركات المقاومة.

وبحسب الخطة، سيتم التدقيق أمنيًا على الفلسطينيين قبل السماح لهم بالدخول إلى المدينة، ولن يُسمح لهم بالمغادرة، وقد ندد منتقدون محليون ودوليون بهذا الاقتراح، ووصفته جماعات لحقوق الإنسان وأكاديميون ومحامون بأنه مخطط لبناء “معسكر اعتقال”.

لكن من غير الواضح مدى تمثيل هذا الاقتراح لتوجه ملموس لدى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أو إذا كان مجرد أسلوب تفاوضي لزيادة الضغط على حماس في المحادثات بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى.

في ظل غياب أي خطة إسرائيلية واضحة بشأن غزة بعد انتهاء الحرب، تملأ هذه الفكرة الفراغ الاستراتيجي، حيث أطلع كاتس مجموعة من الصحفيين الإسرائيليين على الخطة، مشيرًا إلى أن “المخيّم” الجديد من المقرر أن يستوعب في البداية نحو 600 ألف فلسطيني، وفي النهاية سيستوعب كل سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة.

تتضمن خطته أن يتولى الجيش الإسرائيلي تأمين الموقع عن بُعد، بينما تتولى هيئات دولية إدارته، وأوضح أنه سيجري إنشاء 4 مواقع لتوزيع المساعدات في المنطقة.

صورة 1

كما أوضح كاتس مجددًا رغبته في تشجيع الفلسطينيين على “الهجرة الطوعية” من غزة إلى دول أخرى، لكن الاقتراح لم يحظ بالقبول أو الدعم بين كبار الشخصيات الأخرى في إسرائيل، ووفقًا للتقارير، فإن الاقتراح أثار حتى صدامًا بين رئيس الوزراء وقائد الجيش الإسرائيلي.

وقيل إن زامير ونتنياهو تبادلا حوارًا غاضبًا خلال اجتماع مجلس الحرب الأخير، حيث قال تال شنايدر، المراسل السياسي في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، إن زامير سيكون في موقف قوي لأن الحكومة “توسّلت إليه عمليًا لتولي منصبه” قبل ستة أشهر، وقد أيد نتنياهو تعيينه بقوة.

ليس كبار القادة العسكريين وحدهم من يعارضون الفكرة، إذ كان الاستياء حاضرًا بين صفوف الجنود أيضًا، حيث قال يوتام فيلك، جندي الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، خلال مقابلة مع “بي بي سي” من منزله في تل أبيب: “أي نقل للسكان المدنيين هو شكل من أشكال جرائم الحرب، وهو شكل من أشكال التطهير العرقي، الذي يعد أيضًا شكلًا من أشكال الإبادة الجماعية”.

صورة 2

يرفض الضابط السابق في سلاح المدرعات، البالغ من العمر 28 عامًا، الخدمة في الجيش بعد 270 يومًا من القتال في غزة، ويصف نفسه بأنه وطني، ويؤكد أن إسرائيل يجب أن تدافع عن نفسها، لكن الحرب الحالية -بحسب رأيه- دون استراتيجية واضحة، ولا نهاية لها في الأفق.

يُعد فيلك كذلك عضوًا في منظمة “جنود من أجل الرهائن”، وهي مجموعة تدعو إلى إنهاء الحرب لضمان إطلاق سراح 50 إسرائيليًا ما زالوا محتجزين لدى حماس في غزة، ويُعتقد أن ما يصل إلى 20 منهم على قيد الحياة.

في غضون ذلك، أصدر 16 خبيرًا إسرائيليًا في القانون الدولي رسالةً مشتركةً يوم الجمعة، نددوا فيها بالخطة المتعلقة بنقل سكّان غزة، واعتبروها “جريمة حرب”، وحثّت الرسالة “جميع الأطراف المعنية على الانسحاب علنًا من الخطة، والتخلي عنها، والامتناع عن تنفيذها”.

من غير المستغرب أن تثير الخطة استياء الفلسطينيين في غزة أيضًا، إذ تقول صابرين، وهي نازحة فلسطينية أُجبرت على مغادرة خان يونس، لبي بي سي: “نرفض هذا الاقتراح رفضًا قاطعًا، ونرفض تهجير أي فلسطيني من أرضه، نحن صامدون وسنبقى هنا حتى آخر نفس”.

وقال أحمد المغير من رفح: “الحرية فوق كل اعتبار، هذه أرضنا، ويجب أن نكون أحرارًا في التنقل أينما نشاء، لماذا تُفرض علينا هذه الضغوط؟”.

ليس من الواضح بعد مدى الدعم الذي تحظى به خطة كاتس بين عامة الناس، لكن استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت إلى أن غالبية اليهود في إسرائيل يؤيدون طرد الفلسطينيين من غزة.

وأشار استطلاع للرأي نشرته صحيفة “هآرتس” اليسارية إلى أن 82% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون مثل هذه الخطوة.

لكن الملفت كان غياب الدعم الشعبي بين أوساط اليمين المتطرف لهذا الاقتراح، بما في ذلك الوزيرين البارزين في الائتلاف الحكومي، إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، وكان كلا الوزيرين من المؤيدين الصريحين لرحيل الفلسطينيين عن غزة وعودة المستوطنين اليهود.

قال تال شنايدر إن الوزيرين ربما لا يزالان يدرسان تقديم دعمهما للاقتراح الخاص بإقامة “المعسكر الجماعي”، وقد ينتظران معرفة ما إذا كانت الأمور جدية، سموتريتش وبن غفير عضوان في الحكومة، ولهما صلاحية الاطلاع على النقاشات الداخلية، وربما يظنان أن هذا مجرد ضغط سياسي على حماس للجلوس على طاولة المفاوضات.

أما خارج إسرائيل، فقد أثار الاقتراح بإنشاء مخيم جديد لجميع سكان غزة انتقادات واسعة النطاق، حيث قال وزير شؤون الشرق الأوسط في المملكة المتحدة هاميش فالكونر على وسائل التواصل الاجتماعي إنه “منزعج” من الخطة.

أضاف أنه “يجب ألا تُقلّص مساحة الأراضي الفلسطينية، ويجب أن يتمكن المدنيون من العودة إلى مناطقهم، علينا أن نتحرك نحو اتفاق لوقف إطلاق النار وفتح طريق نحو سلام دائم”.

كما قالت المحامية البريطانية في مجال حقوق الإنسان، البارونة هيلينا كينيدي، لبي بي سي، إن المشروع من شأنه أن يجبر الفلسطينيين على الذهاب إلى “معسكر اعتقال”، وهذا الوصف الذي استخدمه منتقدون آخرون يحمل صدى كبيرًا في ضوء الدور الذي لعبته معسكرات الاعتقال خلال الهولوكوست.

وأشارت البارونة كينيدي إلى أن الخطة – فضلًا عن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إسرائيل – دفعتها إلى الاستنتاج بأن إسرائيل ترتكب “إبادة جماعية” في غزة، مضيفة: “كنت مترددة جدًا في التوصل إلى تلك النتيجة، لأن العتبة التي يتحقق عندها ذلك الأمر يجب أن تكون مرتفعة جدًا، لكن ما نراه الآن هو سلوك مرتبط بالإبادة الجماعية”.

رفضت إسرائيل بشدة الاتهامات بارتكاب إبادة جماعية، وتزعم أنها لا تستهدف المدنيين، حيث صرّحت وزارة الخارجية الإسرائيلية لبي بي سي بأن “الإشارة إلى إنشاء إسرائيل معسكرات اعتقال هي فكرة مُسيئة للغاية، وتضعها بالتوازي مع النازيين”، وأضافت أن إسرائيل “ملتزمة باتفاقية جنيف”، في إشارة إلى اللوائح الدولية التي تُنظّم معاملة المدنيين في الأراضي المحتلة.

بعيدًا عن التحذيرات القاتمة بشأن ما قد يحدث، فإن احتمال إنشاء معسكر جديد له تأثير على الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في غزة، حيث قالت مصادر فلسطينية مشاركة في محادثات وقف إطلاق النار الجارية في العاصمة القطرية الدوحة لبي بي سي إن الخطة أثارت قلق وفد حماس وخلقت عقبة جديدة أمام التوصل إلى اتفاق.