اكتشف وحدة تدوير المخلفات الزراعية بجامعة قناة السويس وتحويلها إلى حياة خضراء مستدامة

الإسماعيلية – أميرة يوسف:

اكتشف وحدة تدوير المخلفات الزراعية بجامعة قناة السويس وتحويلها إلى حياة خضراء مستدامة
اكتشف وحدة تدوير المخلفات الزراعية بجامعة قناة السويس وتحويلها إلى حياة خضراء مستدامة

في ركن هادئ داخل كلية الزراعة بجامعة قناة السويس، تمتد المساحات الخضراء وتتجاور الحقول مع المعامل، حيث تعمل وحدة تدوير المخلفات الزراعية بلا توقف، فتصدح ماكينات الفرم والمعالجة بأصواتها، وهدفنا هو تحويل “المخلفات” إلى “منتجات عضوية” تعيد للتربة حياتها، وللمزارع أمله، وللبيئة توازنها.

يقول الدكتور السيد عويس عمران، أستاذ الأراضي والمياه ومدير الوحدة: “الذي نقوم به هنا ليس مجرد إعادة تدوير، بل نحن نعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والأرض، المخلفات التي يعتبرها الناس عبئًا، نحولها إلى موارد طبيعية قيمة، تخدم الزراعة وتحافظ على البيئة في نفس الوقت”

تعتمد الوحدة على جمع المخلفات النباتية من المسطحات والمزارع التابعة للجامعة، ليتم فرزها ثم فرمها ومعالجتها لإنتاج الكمبوست الحيوي – سماد عضوي نظيف، منخفض الانبعاثات الكربونية (زيرو كاربون)، يمكن استخدامه بأمان في الزراعة دون أي تأثيرات سلبية على التربة أو المياه الجوفية.

يوضح عويس: “الكمبوست الناتج من الوحدة غني بالمواد العضوية والعناصر المغذية، نقدمه للمزارعين كبديل آمن للأسمدة الكيميائية، مما يساهم في خفض التكاليف وتحسين جودة المحاصيل”

لم تتوقف الوحدة عند حدود الكمبوست، بل توسعت في تنفيذ عدد من المشروعات البيئية المبتكرة، من بينها مشروع لإنتاج الأمونيا العضوية عبر تنمية فطر “السبيرولينا”، حيث تُستخدم تلك الأمونيا في رفع كفاءة الكمبوست، ويُستخلص منها غاز الهيدروجين العضوي الذي يُعد وقودًا نظيفًا يُستخدم في المواقد، مما يعكس توجهًا واضحًا نحو إنتاج الطاقة البديلة.

ويضيف عويس: “نعمل على ربط التدوير بإنتاج الطاقة، وهذا اتجاه عالمي في إدارة الموارد البيئية، الهدف ليس فقط إنتاج سماد، بل أيضًا توفير مصادر طاقة صديقة للبيئة”

ومن أبرز المنتجات الناتجة عن التدوير هو الڤيرميشار، وهو منتج غني يُستخدم لتحسين خصوبة التربة، وتقليل حموضتها، وزيادة قدرتها على الاحتفاظ بالرطوبة، مما ينعكس على كفاءة الزراعة خاصة في الأراضي الجديدة.

كما تنتج الوحدة أيضًا “خل الخشب”، الذي يُستخدم كمبيد طبيعي ضد النيماتودا وأعفان الجذور، دون أي أثر متبقي على النبات أو التربة.

واحدة من التجارب الفريدة داخل الوحدة تعتمد على استخدام ديدان الأرض وحشرة الجندي الأسود لإنتاج “الڤيرمكمبوست” عالي الجودة، حيث تسهم الحشرة في تسريع عملية التدوير، وبعد انتهاء دورة حياتها، تُستخدم كمصدر طبيعي لمادة “الشيتوزان”، التي تُعد بديلاً مستدامًا وأكثر نقاءً من الشيتوزان المستخرج من قشور الجمبري.

ويقول: “نعمل على منظومة تدوير شاملة، فيها كل كائن حي له دور في دورة إنتاج متكاملة، حتى الحشرات هنا لها وظيفة بيئية مهمة”

وتضم الوحدة معامل تجريبية لإنتاج الصابون العضوي وزيت الزيتون من أوراق الشجر المتساقطة، بالإضافة إلى تجارب ناجحة لإنتاج البلاستيك العضوي القابل للتحلل من المخلفات النباتية.

“الفكرة هي أنه لا شيء نرميه، كل ناتج من المخلفات له استخدام أو تطبيق مفيد”، يشرح مدير الوحدة.

ومن أبرز النماذج التي تُطبق داخل الوحدة، مشروع متكامل يجمع بين تربية الأسماك وزراعة النباتات، حيث تُستخدم مياه الأحواض في ري المحاصيل، بينما تعمل زراعات الأرز على تنقية المياه، ثم تُعاد معالجتها باستخدام الفحم النباتي قبل أن تُضخ مرة أخرى إلى أحواض الأسماك.

“هذا المشروع نموذج حي لإدارة الموارد بشكل دائري ومستدام، دون أي فاقد أو تلوث”، يختتم الدكتور السيد عويس قائلاً إن ما يحدث داخل وحدة تدوير المخلفات الزراعية بجامعة قناة السويس ليس مجرد بحث علمي أو مشروع طلابي، بل تجربة حقيقية لبناء مستقبل بيئي أفضل، تُظهر كيف يمكن للعلم أن يُحوّل بقايا الأرض إلى طاقة، وفضلات الزراعة إلى غذاء، ومخلفات الأمس إلى أملٍ أخضر جديد.