القومي للمسرح يستمر في مناقشات الوعي الجمالي حول الجسد والآلة والفضاء المسرحي في قلب الجدل الفني

في الجلسة الأولى، تناول المشاركون التحولات الكبيرة التي شهدها العرض المسرحي، وخاصة في علاقته بالجسد والآلة والصورة، حيث أدار النقاش الكاتب الصحفي محمد عبد الرحمن بمشاركة المخرجة كريمة منصور، والفنانة شيرين حجازي، والمخرجة نادين خالد.

القومي للمسرح يستمر في مناقشات الوعي الجمالي حول الجسد والآلة والفضاء المسرحي في قلب الجدل الفني
القومي للمسرح يستمر في مناقشات الوعي الجمالي حول الجسد والآلة والفضاء المسرحي في قلب الجدل الفني

أشارت المخرجة كريمة منصور إلى ما وصفته بـ”التخبط الكبير” في تعريف وتلقي عروض الرقص المسرحي الحديث، مؤكدة أن هذا النوع من العروض يعتمد على الجسد كمادة خام رئيسية، ويتطلب تدريبًا طويلًا ومكثفًا من الفنانين، كما أن بنيته تختلف بشكل جوهري عن العروض المسرحية التقليدية.

وأضافت أن هذا الشكل المسرحي لا يعتمد دائمًا على الكلمة، بل يخاطب الحس الإنساني، وقد يتداخل مع عناصر متعددة مثل المكان، والمساحة، والصوت، والحركة، مما يجعله عرضًا متغيرًا باستمرار، وشددت على ضرورة إعادة النظر في المصطلحات الشائعة مثل “مصمم الاستعراضات” أو “مصمم الجيوجراف”، لأن لكل منهما وظيفة خاصة تختلف جوهريًا.

بدورها، تحدثت شيرين حجازي عن تجربتها مع الرقص المسرحي الحديث، مؤكدة أن العرض يبدأ بفكرة، يتبعها بحث مكثف، ثم مرحلة بناء تعتمد على التساؤلات التي يتم طرحها بصريًا وجسديًا، وأوضحت أن هذه العروض تتميز بالمرونة الشديدة، إذ تتغير عناصرها بتغير المساحة التي تُقدَّم فيها.

واستعرضت تجربتها مع الرقص الشرقي في مشروع “عوالم خفية”، الذي استخدمت فيه الأماكن المفتوحة، مؤكدة أن ذلك حقق تحولات جمالية ملموسة، وأسهم في تقديم شكل غير تقليدي من الأداء الذي لاقى ترحيبًا واسعًا.

من جانبها، ربطت المخرجة نادين خالد بين تجربتها في مسرح الجامعة وانفتاحها على تقنيات العرض الجسدي، مؤكدة أن الجامعة كانت منصة للتجريب والتعلم في كل عناصر العرض المسرحي، وقالت: أرى أن جسد الإنسان يحمل تاريخه، ومن خلاله يتعرف الممثل على ذاته، ونحن بحاجة ماسة إلى التصالح مع الجسد، لأن الفن يجعلنا أكثر إنسانية

في الجلسة الثانية، أدار الدكتور محمود فؤاد صدقي ندوة بعنوان “تحولات الفضاء المسرحي وأثره على إنتاج المعنى”، بمشاركة الدكتور صبحي السيد، والمهندس عمرو عبد الله، والدكتور محمد سعد، حيث تطرق المتحدثون إلى دور السينوغرافيا والديكور والفضاء في تشكيل الرؤية المسرحية المعاصرة.

وأكد مدير الجلسة أن تجاوز نمط “العلبة الإيطالية” يفتح الباب أمام أشكال جديدة من التفاعل بين الفضاء والمحتوى المسرحي، ويمنح المخرج والمصمم حرية أكبر في توليد المعنى، مستفيدين من خصوصية المكان وانفتاحه.

أشار الدكتور صبحي السيد، أستاذ الديكور المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، إلى التحولات الكبرى التي طرأت على بنية الفضاء المسرحي، موضحًا أن العلبة الإيطالية – بوصفها النموذج التقليدي – كانت تمثل السائد في معظم المسارح المصرية، حيث المساحة المحددة المغلقة والديكور الثابت، وأوضح أن تجربة الثقافة الجماهيرية ساهمت في كسر هذا النمط، عبر إدخال أنماط جديدة من العروض المسرحية، في المسرح المكشوف والمسرح المتنقل، مما فرض واقعًا مغايرًا في طبيعة التعامل مع الفضاء، وتطلب أدوات تصميم أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع البيئات المختلفة مثل الحدائق، الملاعب، أو الساحات المفتوحة.

وقال السيد: مع دراسة الفضاء المتغير، وجدنا أننا نستطيع إعادة تشكيل الفراغ المسرحي بما يخدم المعنى الدرامي، أصبحنا قادرين على استغلال المكان، وتحويله من مجرد حيز فيزيائي إلى لغة بصرية متكاملة، إن المسرح فن حي، وسحره يكمن في علاقته العضوية بالفراغ، على عكس السينما أو التلفزيون، والسؤال الأهم هنا: هل المسرح مجرد تشكيل في الفراغ؟ أم أنه وسيلة لإنتاج المعنى؟ وأنا أقول إن إعادة تشكيل الفراغ تُنتج المعنى، وتخلق منظومة دلالية متكاملة

وكشف المهندس عمرو عبد الله عن تفاصيل واحدة من أبرز تجاربه المسرحية التي قُدمت خارج مصر، وهي عرض رقص مسرحي بعنوان “أعمق مما يبدو على السطح”، موضحًا كيف تعامل مع الفضاء المفتوح باعتباره مادة حيوية للتكوين الجمالي.

وقال عبد الله: اخترت تقديم العرض في مساحة مفتوحة، واستخدمت خلفيات الأشجار الطبيعية ضمن التصميم البصري عبر توزيع الإضاءة بشكل مدروس، استطعت إنتاج ما يقرب من ثلاثين لوحة تشكيلية مستوحاة من الطبيعة نفسها، الأشجار انعكست في الإضاءة، وتحولت من مجرد خلفية إلى عنصر حي داخل العرض، وأصبح الفضاء شريكًا فعليًا في صناعة المعنى، وأكد أن التعامل مع الفضاء يجب أن يتجاوز حدود التجهيز التقني إلى فهم البيئة البصرية والدرامية، مشيرًا إلى أن طبيعة المكان قد تفرض منطقًا خاصًا على أسلوب التكوين والتمثيل والتلقي

واستعرض الدكتور محمد سعد، الأستاذ المساعد بقسم الديكور، مجموعة من التجارب المسرحية التي شاهدها في مهرجانات دولية، وركز بشكل خاص على عرض مأساة “ماكبث” الذي شاهده في مهرجان “أفينيون” بفرنسا، مؤكدًا أن هذا العرض المقدم في فضاء مفتوح أعاد تشكيل رؤيته الكاملة للديكور المسرحي، وقال أيضًا: كانت التجربة مبهرة، لم تكن المساحة مجرد إطار، بل كانت جزءًا من اللغة المسرحية نفسها، الإضاءة، والخلفيات الطبيعية، والصوت، وتوزيع الجمهور – كلها شاركت في صناعة التجربة، وجعلت العرض يتنفس خارج الحدود المعهودة للمسرح المغلق

ولفت سعد إلى ضرورة إعادة النظر في أشكال العرض التي تتعامل مع الفضاء المفتوح، خصوصًا في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها الفنون المعاصرة، ومنها دخول الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع المعزز، التي باتت أدوات حقيقية في يد الفنان المسرحي.

كما عرض سعد مجموعة من الصور لعروض دولية استعانت بالتكنولوجيا الحديثة في إعادة تشكيل الفضاء المسرحي، مؤكدًا أن هذا المسار يمثل تحديًا وفرصة لتجديد اللغة المسرحية المعاصرة.