ورقة براك.. هل تتبادل واشنطن سلاح حزب الله بمستقبل لبنان؟

بي بي سي.

ورقة براك.. هل تتبادل واشنطن سلاح حزب الله بمستقبل لبنان؟
ورقة براك.. هل تتبادل واشنطن سلاح حزب الله بمستقبل لبنان؟

منذ اتفاق الطائف، ظل سلاح حزب الله أحد أبرز القضايا الحساسة في لبنان، حيث يظهر أحياناً ويتلاشى في كل أزمة كبيرة تمر بها البلاد.

بعد الحرب المدمرة في 2024، أصبح هذا السلاح محور مفاوضات علنية تقودها واشنطن وسط ضغوط دولية غير مسبوقة.

“ورقة براك”، خطة أمريكية مفصلة لنزع سلاح الحزب مقابل انسحاب إسرائيلي وضمانات دولية، قد تعيد تشكيل التوازنات في لبنان، فهل دخل البلد مرحلة تسليم السلاح بالفعل؟

توماس باراك وورقته في بيروت.

1_1_11zon

زار توماس باراك، سفير الولايات المتحدة لدى تركيا ومبعوثها الخاص لسوريا، بيروت لأول مرة في 19 يونيو 2025، حاملاً خريطة طريق أمريكية مؤلفة من 6 صفحات لطرحها على المسؤولين اللبنانيين، وقد عُرفت هذه الخريطة بـ”ورقة براك” وتضمنت مطالب واضحة لنزع سلاح حزب الله والفصائل المسلحة في لبنان بشكل كامل قبل نهاية 2025.

تعد الخطة الأمريكية بانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق اللبنانية المحتلة ووقف الضربات الإسرائيلية على لبنان، كما سيفتح تنفيذ نزع السلاح باب الدعم المالي الدولي لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وهو دعم تقول واشنطن إنها لن تقدمه ما لم يتخل حزب الله عن سلاحه.

شملت ورقة براك أيضاً عناصر أوسع لترتيب الأوضاع الإقليمية والداخلية في لبنان، مثل تسريع الإصلاحات المالية والاقتصادية، ومراقبة الحدود لضبط التهريب، ولضمان تنفيذ الاتفاق المقترح، عرضت الخطة إنشاء آلية بإشراف الأمم المتحدة لضمان إطلاق سراح معتقلين لبنانيين لدى إسرائيل بالتوازي مع خطوات نزع السلاح، واشترطت واشنطن إصدار الحكومة اللبنانية قراراً بالإجماع يلتزم بنزع السلاح كجزء أساسي من أي اتفاق نهائي.

أمهل المبعوث الأمريكي القادة اللبنانيين حتى 1 يوليو 2025 للرد رسمياً على هذه المقترحات، وصرّح بأنه سيعود إلى بيروت للاستماع إلى ملاحظاتهم، وبالفعل، بدأت بيروت دراسة الورقة وشكلت لجنة ثلاثية تضم ممثلين عن رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان لصياغة رد لبناني موحد، وفي الكواليس، تواصل رئيس البرلمان نبيه بري – حليف حزب الله – مباشرة مع قيادة الحزب لضمان مشاركتهم في بلورة الموقف، وحسب تقارير صحفية، لم يعارض حزب الله مبدأ التعاون مع اللجنة واستجاب لفتح النقاش، لكنه لم يقدم أي التزام أو وعد بالتخلي عن سلاحه.

النقاش الداخلي ورد حزب الله الأولي.

2_2_11zon

ما لفت الانتباه في الورقة هو تزامنها مع اشتراط واشنطن صدور قرار رسمي لبناني يلتزم علناً بتطبيقها، هذا الربط بين الالتزام السياسي والمساعدات العسكرية والاقتصادية جعل الدولة اللبنانية أمام معادلة دقيقة، بينما التزم حزب الله الصمت العلني حيال المقترح، بدأت النقاشات تدور في الكواليس، حيث دخل نبيه بري في مشاورات مباشرة مع الحزب، ووافق على الانخراط في صياغة رد لبناني موحد.

في العلن، التزم الحزب الصمت حيال مقترح براك خلال النصف الثاني من يونيو، لكن مع اقتراب موعد الرد، صدرت مواقف تصعيدية من قادته تؤكد رفض الرضوخ للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، ففي 30 يونيو 2025 – عشية انتهاء المهلة – ألقى الأمين العام الشيخ نعيم قاسم خطاباً متلفزاً أكد فيه حق الحزب واللبنانيين في قول “لا” لأمريكا و”لا” لإسرائيل.

واتهم قاسم واشنطن وإسرائيل بمحاولة استغلال الظروف الراهنة لفرض واقع جديد في لبنان والمنطقة يخدم مصالحهما، داعياً جميع اللبنانيين إلى عدم مساعدة أمريكا وإسرائيل في تنفيذ مخططاتهما.

الجولة الثانية من الوساطة: ورقة لبنانية معدلة

3_3_11zon

عاد توماس براك إلى بيروت في أوائل يوليو 2025 – تحديدًا يوم الإثنين 7 يوليو – لتلقي الرد اللبناني الرسمي، وقد حملت السلطات اللبنانية إلى المبعوث الأمريكي ورقة رد تتضمن تعديلات وضمانات مضادة تضع تصوراً لبنانياً لتنفيذ خريطة الطريق، وسلم الرئيس جوزاف عون شخصياً إلى براك “أفكاراً لحل شامل” تمثل الموقف اللبناني الموحد.

كما أعد رئيس البرلمان نبيه بري خريطة طريق تفصيلية مرحلية لنزع سلاح حزب الله تصب في إطار المقترح اللبناني، لضمان خطوات عملية لتنفيذه.

تركز الرد اللبناني على مبدأ الالتزام المتزامن بين تنفيذ أي اتفاق: لن يُبحث مصير سلاح حزب الله إلا ضمن عملية متزامنة مع انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية ووقف نهائي للاعتداءات الإسرائيلية، وأكد رئيس الحكومة نواف سلام في مؤتمر صحفي بعد اجتماعه مع براك أن النقاش تناول “خطوات مترابطة بين الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية ونزع سلاح حزب الله”

وشدد سلام على أن حصر السلاح بيد الدولة وتمديد سلطة الدولة هو مبدأ توافقي لبناني متجذر منذ اتفاق الطائف، وذكر أن حزب الله جزء من الدولة اللبنانية (فله نواب في البرلمان دعموا بيان الحكومة)، في إشارة إلى ضرورة معالجة القضية بتفاهم داخلي، وفي الوقت نفسه، ندّد سلام باستمرار الغارات الإسرائيلية على الجنوب والبقاع مؤكداً أنها مرفوضة بالإجماع اللبناني، وأن بيروت تكثف اتصالاتها عربياً ودولياً لوقفها.

بحسب سلام، تضمّن الرد اللبناني المكتوب الذي تسلّمه براك تعليقات من الرئاسة والحكومة ورئاسة البرلمان، مما يعكس تنسيقاً غير مسبوق بين الرؤساء الثلاثة حول هذا الملف المعقد، كما كشف سلام أن براك قدّم أيضاً مقترحاً لآليات تثبيت وقف إطلاق النار وضبط السلاح تدريجياً في الجنوب كخطوة أولى – ربما عبر تعزيز دور اللجنة الثلاثية للهدنة وتوسيع صلاحيات الجيش اللبناني جنوباً، وأكد سلام موقف لبنان بأن قرار الحرب والسلم هو حصري بيد الدولة ولا أحد سواها.

في هذه المرحلة، بدا وكأن لبنان والولايات المتحدة وجدا أرضية مشتركة مبدئية: الدولة اللبنانية تلتزم مبدئياً بحصرية السلاح بيدها وفق جدول زمني، لكنها تطالب بضمانات صارمة تتعلق بالانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات قبل وأثناء عملية نزع السلاح، وهذا يشمل أيضاً إطلاق أسرى لبنانيين لدى إسرائيل وتأمين دعم دولي لتعزيز الجيش اللبناني كبديل أمني

وقد كشفت تقارير صحفية أن الخطة اللبنانية المعدلة تتضمن 8 مطالب أساسية قدمها الرئيس عون في المفاوضات مع براك، من أبرزها انسحاب إسرائيلي كامل إلى الحدود الدولية المعترف بها، ووقف جميع أشكال الاعتداءات الإسرائيلية براً وبحراً وجواً بما في ذلك الاغتيالات، والإفراج عن الأسرى اللبنانيين، في المقابل تلتزم بيروت ببسط سيادة الدولة على كامل أراضيها عبر استعادة السلاح من جميع المجموعات – وعلى رأسها حزب الله – وتسليمه للجيش اللبناني الذي يكون الجهة الوحيدة المخولة بحمل السلاح، كما طلبت لبنان دعماً دولياً طويل الأمد للجيش بقيمة مليار دولار سنوياً لعشر سنوات لتعزيز قدراته إلى جانب قوى الأمن الداخلي، وتنظيم مؤتمر دولي للمانحين في الخريف لإعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد.

على الضفة الأخرى، ظل موقف حزب الله في العلن على حاله دون تنازلات، وإن حمل نبرة مشروطة، فبعد اللقاءات، خرج الشيخ نعيم قاسم يوم الأحد 6 يوليو بتصريح يوضح رؤية الحزب: على إسرائيل الالتزام الكامل بالهدنة أولًا – الانسحاب من الأراضي المحتلة ووقف العدوان بكل أشكاله والإفراج عن الأسرى – وعندئذ فقط يمكن الانتقال إلى “المرحلة الثانية” وهي بحث استراتيجية الدفاع الوطني، بما في ذلك “سلاح المقاومة”، كرر قاسم أيضاً رفض الحزب للاستسلام تحت التهديد، قائلاً: “لن نستسلم أو نلقي سلاحنا استجابة لتهديدات إسرائيل”، وفي خطاب آخر بُثّ مساء 30 يوليو، شدد قاسم مجدداً أن أسلحة حزب الله وُجدت لمواجهة إسرائيل ولن تُستخدم في الداخل، معتبراً أن أي مطالبة حالية بنزع سلاح حزب الله تخدم أهداف إسرائيل

من الواضح أن واشنطن استوعبت الرسالة اللبنانية المشروطة لكنها سعت لتسويق الخطة كصفقة متكاملة يجب انتهازها سريعاً، حرص توماس براك على طمأنة الجانب اللبناني بأن نزع سلاح حزب الله لا يستهدف إقصاء الحزب سياسياً.

وقال براك في تصريح له: “يجب أن يرى حزب الله أن له مستقبلًا، وأن الطريق المطروح ليس موجهاً ضدّه فحسب”، وفي الوقت نفسه، حذّر براك القادة اللبنانيين من التباطؤ: “المنطقة تتحرك بسرعة فائقة، وسيتم ترككم خلفها”، وأشار إلى انطلاق حوارات غير مسبوقة بين سوريا وإسرائيل بعد سقوط نظام الأسد، معتبراً أنه كما انخرطت دمشق في ترتيب أوضاع ما بعد الحرب، على بيروت أيضاً ألا تُفوّت فرصة إعادة اختراع الحوار بشأن سلاح حزب الله قبل فوات الأوان، وقد كشف مصدر دبلوماسي أن واشنطن أبلغت بيروت بأن هذه الفرصة قد لا تتكرر وعليها اتخاذ قرار تاريخي الآن

زيارة حاسمة وجلسة حكومية منتظرة.

4_4_11zon

رغم الأجواء الإيجابية الحذرة في أوائل يوليو، بقيت بعض نقاط الخلاف الجوهرية عالقة خلال الأسابيع اللاحقة، لبنان أصرّ على ترتيب الأولويات: الأمن مقابل السلاح – أي لا نزع لسلاح حزب الله قبل ضمان الانسحاب الكامل ووقف النار – فيما إسرائيل عارضت أي ربط مسبق بين التزامها وقيام حزب الله بخطوات أولاً، ووفق تقارير صحفية، فإن الولايات المتحدة نقلت إلى بيروت رفض إسرائيل طرح “الانسحاب أولاً”، ما وضع واشنطن في موقف الضغط لتليين الموقف اللبناني الداخلي، بالتزامن، واصلت إسرائيل قصفها اليومي ما أبقى التوتر مرتفعاً وزاد الشكوك في نواياها

في أواخر يوليو 2025، قدم براك إلى بيروت مرة ثالثة لتقديم الرد الأمريكي الرسمي على المقترحات اللبنانية، أوضح براك للمسؤولين اللبنانيين أن بلاده لن تستمر في إرسال مبعوثيها أو الضغط على إسرائيل لوقف هجماتها ما لم تتخذ الحكومة اللبنانية قراراً علنياً سريعاً بالالتزام بنزع السلاح، فبحسب تقرير لوكالة رويترز بتاريخ 29 يوليو، اشترطت واشنطن صدور قرار رسمي عن مجلس الوزراء اللبناني يتعهد بنزع سلاح حزب الله قبل استئناف أي مفاوضات أو جهود أمريكية إضافية، ونُقل عن مصدر لبناني قوله: “تقول لنا أمريكا: لن يكون هناك مزيد من زيارات براك ولا تبادل أوراق – على مجلس الوزراء اتخاذ قرار وبعدها نتابع النقاش، لم يعد بإمكانهم الانتظار أكثر”

في هذه الأثناء، أبلغ براك رئيس الوزراء نواف سلام صراحةً أن واشنطن لا تستطيع “إجبار” إسرائيل على القيام بأي شيء ما لم تلتزم بيروت صراحةً بخارطة الطريق، وعلى منصة أكس (تويتر)، نشر المبعوث الأمريكي رسالة صارمة بعد لقائه بالمسؤولين اللبنانيين قائلاً: “طالما أن حزب الله يحتفظ بسلاحه، فإن الكلام وحده لا يكفي، على الحكومة والحزب الالتزام الكامل والتحرّك الآن حتى لا يحكموا على الشعب اللبناني بالبقاء في حالة التعثر الراهنة”، بإشارة واضحة إلى ضرورة الانتقال من مرحلة التصريحات إلى مرحلة الأفعال الملموسة

أمام هذه الضغوط المتزايدة، استشعرت القيادة اللبنانية خطر الوصول إلى حافة الانفجار، فعدم إرضاء الشروط الأمريكية قد يعني تصعيداً إسرائيلياً كبيراً ربما يصل إلى استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، لذا سارع رئيس الحكومة نواف سلام إلى الدعوة لجلسة طارئة لمجلس الوزراء في 5 أغسطس 2025 لوضع جدول زمني لتنفيذ مسألة حصر السلاح بيد الدولة، وجاء في نص الدعوة أن الجلسة ستبحث “بسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواتها حصرياً” – وهي عبارة تُقرأ كإقرار علني بمبدأ نزع سلاح حزب الله وتسليم سلاحه للجيش، وستتناول الجلسة أيضاً “ترتيبات وقف إطلاق النار… بما فيها الأفكار الواردة في مقترح السفير براك حول تنفيذه”.

انقسام داخلي حاد قبيل جلسة الخامس من آب.

5_5_11zon

لكن مواقف الأطراف لا تزال متباينة، حزب الله جدد رفضه تسليم السلاح في ظل استمرار الغارات، نعيم قاسم قال إن الحزب لا يفاوض على السلاح قبل وقف العدوان، معتبراً أن المطالبة به الآن تخدم إسرائيل، المفتي الجعفري أحمد قبلان حذر من أن نزع سلاح الحزب سيترك لبنان بلا حماية، وفي المقابل، صعّدت قوى معارضة نبرتها، واعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية أن اللحظة تستوجب الحسم لا التردد، فيما وصف النائب جبران باسيل السلاح بأنه بات عبئاً وطنياً.

بينما يستعد مجلس الوزراء لجلسة قد تكون الأهم منذ اتفاق الطائف، تترقب العواصم الإقليمية والغربية مسار التصويت وما سيليه، فنجاح التسوية سيعني بدء عملية تاريخية لنقل سلاح الحزب إلى يد الدولة، أما الفشل، فقد يعيد البلاد إلى مربع التصعيد.

من الحرب إلى وقف إطلاق النار غير المكتمل.

6_6_11zon

في خريف عام 2023، بدأت المواجهات العسكرية تتصاعد تدريجياً على طول الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، مع تكرار عمليات القصف والاشتباك بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، لكن الشرارة الكبرى جاءت نهاية صيف 2024، بعد سلسلة من الهجمات النوعية التي نفذها الحزب، وردّت إسرائيل عليها بتنفيذ تفجيرات عنيفة استهدفت قواعد صاروخية ومراكز قيادة ميدانية، وعملية كبرى بتفجير أجهزة اتصال لاسلكية يستخدمها أعضاء حزب الله عُرفت إعلامياً باسم “تفجيرات البايجرز” وأدت إلى جرح آلاف الأشخاص وتسببت بإعاقات دائمة للكثير منهم، بعد أيام، اغتالت إسرائيل عدداً من أعضاء مجلس القيادة العسكرية لحزب الله، ما مثّل تصعيداً حاسماً في مسار المواجهة.

لكن نقطة التحوّل المفصلية جاءت في سبتمبر 2024، حين قُتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة دقيقة استهدفت أحد المقرات المحصنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، تبع ذلك قصف إسرائيلي يومي على الضاحية ومناطق واسعة في الجنوب والبقاع، ما دفع حزب الله إلى الرد بإطلاق آلاف الصواريخ على الجليل والجولان ووسط إسرائيل، ووقعت مواجهات ميدانية عنيفة امتدت لأسابيع.

تدخلت واشنطن، بدعم فرنسي وأممي، للتوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار أُبرم في 27 نوفمبر 2024، الاتفاق قضى بانسحاب مقاتلي حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، على أن تنفرد قوات الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة بالانتشار جنوباً، في المقابل، تعهدت إسرائيل بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المتبقية التي تحتلها، ووقف الغارات الجوية والعمليات الأمنية.

لكن التنفيذ كان منقوصاً، أبقت إسرائيل على خمس نقاط عسكرية قرب الحدود، متذرعةً بأسباب أمنية، وواصلت تنفيذ غارات جوية شبه يومية، تقول إنها تستهدف مواقع إعادة تموضع أو أسلحة لحزب الله أو عناصر منه، من جانبه، اتهم لبنان الرسمي إسرائيل بارتكاب أكثر من ثلاثة آلاف خرق لبنود الهدنة خلال الأشهر اللاحقة، وأشار إلى مقتل أكثر من 230 شخصاً، معظمهم من المدنيين.

الحرب الأخيرة شكّلت ضربة قاسية للحزب، فإضافة إلى الخسائر البشرية والميدانية، فقد الحزب قيادته المركزية، فبعد اغتيال نصر الله، استُهدف أيضاً هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي وخليفته المحتمل، في غارة دقيقة على الضاحية، هذا الفراغ القيادي تولاه سريعاً الشيخ نعيم قاسم، الذي بات الأمين العام الفعلي للحزب في مرحلة حرجة داخلياً وإقليمياً.

في ظل هذا الواقع، عاد ملف سلاح الحزب إلى الواجهة، لكن هذه المرة ضمن مفاوضات علنية تقودها واشنطن، في سياق تفاهمات دولية تشمل إعادة إعمار لبنان وترتيب الوضع الأمني في الجنوب.