كيف ستستفيد مصر من صفقة الغاز الإسرائيلي بقيمة 35 مليار دولار؟

أحدث إعلان شركة “نيو ميد”، الشريك في حقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي “ليفياثان”، عن توقيع صفقة لتوريد الغاز إلى مصر بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، ضجة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي، مما أثار العديد من التساؤلات حول دوافع توقيع هذه الصفقة والفوائد المتوقعة لمصر منها.

كيف ستستفيد مصر من صفقة الغاز الإسرائيلي بقيمة 35 مليار دولار؟
كيف ستستفيد مصر من صفقة الغاز الإسرائيلي بقيمة 35 مليار دولار؟

تفاصيل الصفقة

أفادت شركة “نيو ميد”، الشريك في حقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي “ليفياثان”، بأن الحقل قد أبرم صفقة لتوريد الغاز إلى مصر بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، وتعتبر هذه الصفقة الأكبر في تاريخ تصدير الغاز الإسرائيلي، وبموجبها سيتم تصدير حوالي 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر حتى عام 2040 أو حتى استيفاء الكميات المتعاقد عليها بالكامل.

بدأ حقل ليفياثان في تصدير الغاز إلى مصر بعد فترة قصيرة من بدء الإنتاج في عام 2020، وقد تم توقيع اتفاق مبدئي في عام 2019 لتوريد 60 مليار متر مكعب، ومن المتوقع أن تكتمل الكمية بحلول أوائل الثلاثينيات.

يقع حقل ليفياثان قبالة الساحل المتوسطي لإسرائيل، وتُقدّر احتياطاته بحوالي 600 مليار متر مكعب، وأشارت شركة NewMed إلى أن الحقل قد صدّر بالفعل 23.5 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر منذ عام 2020.

ماذا تستفيد مصر

صرح مصدر بقطاع البترول، لموقع “نبأ العرب”، بأن مصر تسعى لتعظيم الاستفادة الاقتصادية من الغاز الطبيعي المستورد من إسرائيل، سواء من خلال توجيهه للاستخدام المحلي أو إعادة تصديره كغاز مسال عبر مجمعات إسالة الغاز في إدكو ودمياط على ساحل البحر المتوسط.

أوضح المصدر أن مصر تعمل كمركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة، وفي حال وجود فائض من الغاز عن احتياجات السوق المحلي، تتم معالجة الغاز وتسييله ثم إعادة تصديره بأسعار أعلى، مما يعزز العائد الاقتصادي لمصر.

وأضاف أن الغاز يستخدم محليًا كمواد خام في صناعات هامة مثل الأسمدة والبتروكيماويات، مما يسهم في توفير منتجات للسوق المحلي أو تصديرها كمنتجات نهائية، مما يعزز الاستفادة الاقتصادية أيضًا.

وأشار إلى أن الأولوية حاليًا هي استخدام الغاز للسوق المحلي، لكن إذا تحسنت الظروف وزادت معدلات الإنتاج في مصر، قد يُعاد تصدير جزء من الكميات المستوردة، موضحًا أن مصر تحصل حاليًا على نحو مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الإسرائيلي.

قال الدكتور رشاد حامد، مستشار منظمة اليونيسيف لتحليل البيانات، في منشور عبر صفحته الرسمية على موقع “أكس”، إن المكاسب الاقتصادية المتوقعة تنقسم إلى ثلاثة محاور رئيسية، وهي عوائد إعادة التصدير، فإذا أعادت مصر تصدير 60% من الغاز بعد تسييله، فإنها تحقق عائدًا صافياً يُقدر بـ 22 مليار دولار حتى عام 2040.

وأشار إلى أن تفاصيل العائد على النحو التالي، تكلفة الشراء تبلغ 7 دولارات لكل وحدة حرارية بريطانية، وسعر التصدير العالمي يبلغ 15 دولارًا لكل وحدة حرارية بريطانية، والفرق الصافي يبلغ 8 دولارات لكل وحدة حرارية بريطانية، والكمية المعاد تصديرها تسجل 78 مليار متر مكعب، أي أن العائد الإجمالي يصل إلى 22.03 مليار دولار.

وتابع أن هناك مكاسب إضافية، مثل رسوم استخدام محطات الإسالة (إدكو ودمياط) التي تتراوح بين 1.5 و2 دولار لكل وحدة حرارية بريطانية، بالإضافة إلى رسوم النقل عبر شبكة الأنابيب المصرية، وعوائد الضرائب والتوظيف الناتجة عن العمليات الفنية واللوجستية داخل مصر، مما يوفر العملة الصعبة ويقلل من واردات الوقود، واستخدام الـ40% المتبقية محليًا يلغي الحاجة لاستيراد الوقود السائل، مما يحسن الميزان التجاري ويعزز احتياطي النقد الأجنبي.

وأوضح أن إجمالي المكاسب المتوقعة من إعادة التصدير تبلغ 22 مليار دولار، والمكاسب الإضافية تبلغ 30 مليار دولار، ليكون المجموع الكلي 52 مليار دولار.

وأشار إلى أنه رغم وجود خيارات نظرية، إلا أن البدائل تواجه تحديات كبيرة، فحقل “أفروديت” واعد، لكن تطويره متعثر، والخط المزمع لنقل الغاز لن يُنجز قبل 2027 أو 2028، والغاز المسال العالمي مكلف جدًا، بتكلفة تتراوح بين 9.5 و16.5 دولار لكل وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بـ 6 إلى 8 دولارات للغاز الإسرائيلي، مما يخلق فارقًا يصل إلى 27.5 مليار دولار.

تابع أنه بالنسبة للعراق وليبيا، ورغم الإمكانيات، إلا أن الأوضاع السياسية والأمنية وغياب البنية التحتية تجعل الاعتماد عليهما غير عملي حاليًا، لذا فإن النتيجة هي أن إسرائيل هي المصدر الوحيد حاليًا القادر على تلبية احتياجات مصر بكميات كبيرة، بأسعار تنافسية، وباستقرار في التدفقات.

أكد على أن الصفقة تعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، خاصة ضمن منتدى غاز شرق المتوسط، حيث تُعد القاهرة مقرًا له وتملك البنية التحتية الوحيدة المؤهلة لتسييل وتصدير الغاز إلى أوروبا.

كما تكرّس مصر كشريك رئيسي للاتحاد الأوروبي في ملف أمن الطاقة، في ظل سعي أوروبا لفك الاعتماد على الغاز الروسي، مما يمنح مصر نفوذًا دبلوماسيًا واقتصاديًا ويفتح الباب أمام تمويلات واستثمارات أوروبية في البنية التحتية.

رغم الجدل السياسي، تمثل صفقة الغاز مع إسرائيل خيارًا عقلانيًا واستراتيجيًا لمصر في الوقت الراهن، نظرًا للفوائد الاقتصادية المباشرة، والتكلفة المنخفضة، والمردود السياسي الكبير.

أشار إلى أنه رغم المكاسب، يجب على مصر أن تعمل بالتوازي على تعزيز الاستثمارات في التنقيب والإنتاج المحلي، وتسريع مشاريع الربط مع قبرص وليبيا، بالإضافة إلى الحفاظ على التوازن السياسي مع شركاء المنطقة.

ماذا قالت وزارة البترول؟

قال معتز عاطف، المتحدث الرسمي بوزارة البترول والثروة المعدنية، إن هذه الصفقة تمتد كجزء من اتفاقية قائمة منذ عام 2019، وذلك يأتي في إطار استراتيجية الوزارة لتنويع مصادر الطاقة، لعدم الاعتماد على مصدر واحد.

أكد أن هذا يهدف إلى تعزيز تداول الغاز داخل السوق المصرية وتحقيق هدف تحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، إلى جانب استخدام الغاز في الاستهلاك المحلي وإعادة تصديره.

وفيما يتعلق بمدة الاتفاقية الجديدة الممتدة حتى عام 2040 وقيمتها المعلنة البالغة 35 مليار دولار، أوضح عاطف أن هذا الرقم ليس نهائيًا، مضيفًا أن العمل بعقود طويلة الأجل يحقق لنا تأمينًا استراتيجيًا لمصادر الطاقة، بحيث إذا احتجنا الغاز يكون متوفرًا، وإذا لم نحتاجه لا تكون هناك مشكلة، لكن الأهم هو ضمان وجوده كمصدر بديل للتأمين.