من سيتولى مسؤولية “الكابوس الأمني” في غزة بعد الحرب في ظل قوة عربية مشتركة؟

بي بي سي.

من سيتولى مسؤولية “الكابوس الأمني” في غزة بعد الحرب في ظل قوة عربية مشتركة؟
من سيتولى مسؤولية “الكابوس الأمني” في غزة بعد الحرب في ظل قوة عربية مشتركة؟

تتواصل المحادثات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، في ظل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن خطته للسيطرة على القطاع، حيث يتجدد الحديث عن مقترح تشكيل قوة عربية مشتركة لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب.

تشمل خطة نتنياهو السيطرة الإسرائيلية الكاملة على قطاع غزة، وإزاحة حركة حماس، ثم تسليم إدارة القطاع إلى قوات عربية، وقد وافق مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر في اجتماعه الأخير على خطة السيطرة على مدينة غزة، دون تقديم تفاصيل حول السيطرة على كامل القطاع، وفي وقت لاحق، صادق رئيس الأركان الإسرائيلي على “الفكرة المركزية” للسيطرة على المدينة.

وفقاً لوكالة أنباء معاً الفلسطينية، تتضمن ملامح الاتفاق الجاري التفاوض حوله حالياً، بدعم أمريكي، وقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي، مع دخول قوات عربية تحت إشراف أمريكي، وتعيين حاكم فلسطيني يدير الشؤون المدنية ويضمن الأمن، بالإضافة إلى الإشراف على عملية إعادة الإعمار.

رفضت الرئاسة الفلسطينية فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، ووصفت ذلك بـ”المشروع الإسرائيلي”، مشددة على أن غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، وأن إدارتها من اختصاص السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الفلسطينية فقط.

لا تزال تفاصيل تشكيل هذه القوة ومدى موافقة الأطراف المتنازعة، مثل إسرائيل وحركة حماس، غير واضحة، لكن تثار تساؤلات حول إمكانية تحقيق هذا المقترح على أرض الواقع.

ظهر هذا المقترح كجزء من خطة وزير الأمن الإسرائيلي السابق يوآف غالانت “اليوم التالي للحرب”، التي تقضي بأن تشرف قوى دولية على الأمن في غزة، بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة الدول العربية.

لاقى المقترح رفضاً من بعض الدول العربية، أبرزها الأردن، حيث صرح وزير خارجيته، أيمن الصفدي، أن فكرة نشر قوات عربية في غزة “مستبعدة”، ولن “نسمح أن ينظر الفلسطينيون إلينا كأعداء لهم”.

في أبريل الماضي، اتفقت مصر والأردن على مقترح لإعادة الإعمار في غزة، يتضمن تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية تمهيداً لنشرها في القطاع بعد الحرب.

“كابوس أمني”

1_11zon

وصف الوزير السابق لشؤون الشرق الأوسط بالخارجية البريطانية، “أليستر بيرت”، مقترح تشكيل قوة عربية لإدارة الأمن في غزة بعد انتهاء الحرب بـ “الحل الأكثر عملية”، ولكنه أشار إلى أن “تنفيذه ليس سهلاً”، حيث يجب التوصل إلى اتفاق تام مع حركة حماس، لأن أي دولة عربية لن تجرؤ على إرسال قواتها طالما أن الصراع مستمر، ويجب أن تضمن تلك الدول عدم تعرضها لهجمات من عناصر حماس المتبقية.

أضاف بيرت أن أبرز الأسئلة التي ستواجه عمل هذه القوات تتعلق بـ “أمن إسرائيل ومن سيضمنه”، وكيف ستتم حماية إسرائيل حتى لا تتكرر أحداث السابع من أكتوبر، مشيراً إلى أن الوضع في غزة يعتبر “كابوساً أمنياً لأي قوة”، حيث “تمتلئ غزة بالعصابات والأسلحة والسرقات”، مما يجعل المهمة الأساسية لأي قوة هي وقف السرقات وإعادة الحياة إلى طبيعتها، وهي مهمة قد تستغرق أجيالاً.

نزع سلاح حماس أساسي

من جهته، قال رئيس المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، العميد سمير راغب، إن هذا المقترح هو فقط من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولا يوجد تصريح واضح من دول عربية أبدت استعدادها للمشاركة، مشيراً إلى أن “حماس لن تقبل بهذا المقترح إلا في إطار التسويات الشاملة التي تضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع”، حيث يعني الاتفاق على مثل هذه القوة بالضرورة نزع سلاح حماس.

تابع راغب أن هذا يعني أن حماس لن تعود للسيطرة الأمنية على القطاع، وأن هناك قوة ستُشكل لتحل محلها حتى يتم تأهيل قوة فلسطينية لتولي الترتيبات الأمنية، مشدداً على أن الوصول إلى تسوية شاملة يتطلب تفاهمات حول النقاط التي تعترض عليها كل من إسرائيل وحماس، حيث تطالب حماس بدخول المعونات والانسحاب من القطاع ووقف العمليات العسكرية لبدء إعادة الإعمار، بينما تطلب إسرائيل نزع سلاح حماس وخروج قياداتها من القطاع.

2_11zon

مفاوضات في القاهرة

يجري وفد من حركة حماس، برئاسة خليل الحية، محادثات في القاهرة مع الجانب المصري حول وقف الحرب في غزة، حيث أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أن مصر لن تعارض نشر قوات دولية في غزة لتمكين السلطة الفلسطينية من “تجسيد الدولة” وضمان أمن جميع الأطراف، وأشار إلى وجود مجموعة من 15 شخصية فلسطينية غير فصائلية جاهزة لإدارة القطاع لمدة انتقالية مدتها ستة أشهر بعد انتهاء الحرب، ثم تتولى السلطة الفلسطينية مسؤولية إدارة القطاع.

أوضح الوزير المصري أن “المطروح على الطاولة الآن هو إحياء خطة ويتكوف التي تقوم على وقف إطلاق النار لستة أسابيع، مقابل إطلاق سراح وتبادل عدد معين من الأسرى، وإدخال غير مقيد للمساعدات إلى قطاع غزة”.

تعقيدات شديدة

في السياق ذاته، يستبعد مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، العميد خالد عكاشة، مناقشة فكرة تشكيل القوة العربية في غزة في الوقت الحالي، حيث قال إن “ما تنشره الصحافة عن تشكيل هذه القوة بعيد عن الحقيقة، وإن المفاوضات الحالية تركز على مقترح مبعوث الرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف لوقف الحرب، والذي ينص على صفقة شاملة للإفراج الكامل عن الأسرى”.

أضاف عكاشة أن تشكيل هذه القوات هو مسألة شديدة التعقيد، لا تندرج ضمن المفاوضات الحالية، بل تتعلق بوقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من المحاور التي تمت السيطرة عليها في غزة، مشيراً إلى أن هناك إعلاناً مصرياً وعربياً بعدم وجود مكان لحماس بعد انتهاء الحرب، وأن حماس أعلنت أيضاً أنها لن تكون معنية بإدارة غزة بعد وقف الحرب في حال خروج القوات الإسرائيلية، وهذه هي الخطوط العريضة التي تناقشها المفاوضات الحالية.

لفت عكاشة إلى أن مقترح تشكيل أو دخول قوات للإسناد قد تتم مناقشته في وقت لاحق، ولكن حالياً لا توجد رغبة من أي دولة عربية، بما في ذلك مصر، لأن تكون قوة احتلال بديلة لإسرائيل.

3_11zon

تشمل خطة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف لوقف الحرب في غزة، إعلان وقف لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، والإفراج عن 9 أسرى أحياء و18 جثة أسير على مرحلتين، خلال أسبوع واحد، مقابل انسحاب إسرائيل من محور نتساريم، وخلال هذه المدة تجري مفاوضات لإنهاء الحرب، وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق في نهاية المفاوضات، قد تعود إسرائيل إلى القتال أو تواصل المفاوضات مقابل إطلاق سراح المزيد من الأسرى.

تعطلت جولة مفاوضات سابقة قبل ثلاثة أسابيع في قطر، حيث اتهم ويتكوف حركة حماس “بعرقلة المفاوضات وبأنها لا ترغب في وقف إطلاق النار”، فيما رفضت حماس هذه الاتهامات، وأكدت أنها تعاطت بإيجابية مع جميع الملاحظات التي تلقتها.

من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريحات صحفية إنه لن يقبل بأي صفقات جزئية لإعادة الأسرى، مشيراً إلى أنه يتجه لعقد صفقة شاملة لإعادة جميع الأسرى بشروط تحددها إسرائيل، كما أشار إلى أنه وجه بتقليص مدة تنفيذ احتلال مدينة غزة.

بين التصريحات الإعلامية المتناقضة وجولات التفاوض، يئن نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة تحت وطأة حرب دامية، أسفرت عن استشهاد 60 ألف شخص خلال أقل من عامين، وفقاً لإحصائيات وزارة الصحة في القطاع، إلى جانب الأوضاع الإنسانية التي وصفتها منظمات دولية بأنها “تجاوزت الكارثة”.