الشرقية – ياسمين عزت:

مقال له علاقة: تحرير 125 ألف مخالفة مرورية في 24 ساعة.. تعرف على تفاصيل الحملة الجديدة للمرور
لم تتوقع أسرة الشاب محمد علي ذقن، ابن قرية تلبانة التابعة لمركز منيا القمح بالشرقية، أن يعود ابنهم الأصغر جثمانًا في صندوق خشبي بعد رحلته بحثًا عن الرزق، حيث كانت أخبار وفاته غريقًا في إيطاليا كالصاعقة التي نزلت على والدته وشقيقته الوحيدة، وقد تركت القرية بأسرها في حالة من الحزن العميق.
“محمد” كان أصغر أبناء والديه، نشأ في أسرة بسيطة، حيث كان والده نجارًا مسلحًا ووالدته ربة منزل، وكان هو شابًا موهوبًا في مهنة الدهانات الاستورجي، أنهى دراسته الثانوية الفنية، وبدأ يساعد والده في تأمين لقمة العيش، ولكن عندما حان موعد تجهيز شقيقته الوحيدة للزواج، أدركت الأسرة أن الدخل المحدود لا يكفي.
اجتمع محمد مع والده وقررا خوض رحلة الهجرة إلى بلاد اليورو بحثًا عن الرزق، آملاً في حياة أفضل، وفي يوم الرحيل، حزم حقيبته وركب قاربًا غير قانوني عبر البحر المتوسط، حيث أطلقت الأم دعواتها لتسبقه قبل سفره، بينما ودعه الأب بقلب مثقل، وبكت شقيقته على فراقه.
تحدى “محمد” أمواج البحر الأبيض المتوسط، ونجا من خفر السواحل، حتى وصل إلى شواطئ إيطاليا، حيث بدأ حياته من جديد، وعمل بجد، وبدأ يرسل رسائل الأمل إلى أسرته، لكن القدر لم يمهله طويلاً، إذ توفي والده بعد عام واحد من سفره، تاركًا جرحًا عميقًا في قلبه، إذ لم يتمكن من رؤيته للمرة الأخيرة.
استمر محمد في العمل بجد لمدة عامين كاملين، وكان يحلم بالعودة لأحضان أمه وأخته، وفي أحد أيام الإجازة، قرر أن يرفّه عن نفسه قليلًا، فخرج مع أصدقائه المصريين والإيطاليين إلى البحر، نزل إلى المياه مبتسمًا، لكن دقائق قليلة كانت كافية ليختفي تحت الأمواج، ورغم محاولات رفاقه لإنقاذه، كان البحر أسرع، ليكون الخبر الفاجع “محمد” غريقًا جديدًا في شواطئ أوروبا.
الآن تنتظر أسرته عودته الأخيرة، لا تحمل بيده الهدايا، ولا يسبق خطاه الحلم كما كان في يوم سفره، بل جثمان ملفوف ينتظره مطار القاهرة قبل أن يُدفن في مقابر القرية.
من نفس التصنيف: تطورات جديدة في العلاقات الإيرانية المصرية على لسان دبلوماسي إيراني
بكاء الأم لا ينقطع، والأخت تردد بين دموعها: “كان نفسه يرجع عريس مش جثمان..”، أما أهالي القرية، فلا حديث لهم إلا عن “محمد” الذي لم يكمل العشرين من عمره، لتبقى قصته جرحًا مفتوحًا في ذاكرة الجميع.