تحديات ما بعد القانون.. استراتيجيات مؤجري ومستأجري الإيجار القديم في التعامل مع الوضع الجديد

-مارينا ميلاد:

تحديات ما بعد القانون.. استراتيجيات مؤجري ومستأجري الإيجار القديم في التعامل مع الوضع الجديد
تحديات ما بعد القانون.. استراتيجيات مؤجري ومستأجري الإيجار القديم في التعامل مع الوضع الجديد

يعيش “عصام” حالة من الحيرة بعد أن منع صاحب العقار والدته من دخول شقتها في الأيام الماضية، بحجة أنها تمتلك مسكناً آخر، مما جعله في صراع داخلي بين اتخاذ موقف قانوني أو الانغماس في مشادات، إذ يخشى أن يستغل الطرف الآخر ذلك لإثبات أن الشقة محل خلاف، مما قد يعود عليه بالسلب لاحقًا.

تجدر الإشارة إلى أن والدته ورثت الشقة عن والدتها بنظام الإيجار القديم في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، وعاشت فيها لمدة تقارب الستين عامًا، باستثناء الفترة الأخيرة التي انتقلت فيها للعيش مع شقيقتها، والآن أصبحت مهددة بالطرد منها.

تأتي هذه الأحداث بعد أيام من تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعديلات قانون الإيجار القديم، التي أقرها مجلس النواب في يوليو الماضي، مما أدى إلى ارتباك بين بعض مستأجري الإيجار القديم والملاك، حيث قام البعض بطلب زيادة مبكرة في الإيجار، بينما منع آخرون المستأجرين من الوصول إلى بيوتهم أو سعوا لإثبات عدم سكنهم فيها، كما حدث مع والدة “عصام”.

يقول “عصام”: “أشعر بالظلم، ولم أفهم ما يجب علي فعله، فجميع هذه الأمور حدثت فجأة!”، وهو ما أكده شريف الجعار (رئيس اتحاد مستأجري عقارات الإيجار القديم) في تصريحات لـ”نبأ العرب”، حيث أشار إلى أن القانون ينصف الملاك على المستأجرين، مما دفعه لاتخاذ إجراءات قانونية ضده.

والدة “عصام”، التي تجاوزت الستين، تمثل شريحة كبيرة من المستأجرين من كبار السن الذين يعتمدون على معاشاتهم، مما يزيد المخاوف بشأن كيفية تنفيذ قرارات الإخلاء المحتملة بعد انتهاء الفترة الانتقالية.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة تعهدت بتوفير شقق كافية للمستأجرين الذين سيضطرون لإخلاء منازلهم، وأعلنت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية مؤخرًا عن بدء تلقي طلبات المستأجرين الذين تنطبق عليهم القواعد والشروط للحصول على وحدات بديلة اعتبارًا من أول أكتوبر المقبل، عبر منصة إلكترونية أو مكاتب البريد، ولمدة ثلاثة أشهر، حيث سيتمكن المواطنون من التقدم واستيفاء الطلبات للحصول على الوحدات البديلة بعد انتهاء المدة.

يبدو أن والدته لا ترغب في مغادرة منزلها، حيث يروي “عصام” أنها قضت حياتها في هذا البيت، وكل زاوية فيه تحمل ذكرياتها، موضحًا أنها لم تخرج إلا مؤخرًا لتقضي وقتًا أطول عند شقيقتها، حتى لا تبقى وحدها بعد زواجها، لكنها استمرت في دفع جميع المستحقات المالية للمنزل من إيجار ومياه وكهرباء وغيرها.

في نفس الوقت، كانت أماني فهمي (58 عامًا) تحاول بيع ما تملكه في شقة والدتها بمنطقة حدائق القبة، خوفًا من أن تتعرض لما حدث مع والدة “عصام”، حيث قد يسيطر صاحب البيت على الوحدة قبل انتهاء الفترة الانتقالية، وبالتالي لا تتمكن من التصرف في مقتنياتها.

أما هشام محمد، الذي يسكن مع أسرته في شقة بنظام الإيجار الجديد، فقد أزعجه تلقيه رسائل متكررة من صاحبة البيت تطالبه بزيادة مبكرة في الإيجار، أكثر مما نص عليه القانون، فتبادلوا الرسائل حول نصوص القانون والأخبار التي توضح أن الزيادة ستكون بواقع 250 جنيهًا بدءًا من سبتمبر حتى يتم تشكيل لجان لتصنيف المناطق.

صنفت تعديلات القانون الجديد جميع العقارات السكنية أو التجارية المؤجرة إلى فئات متميزة ومتوسطة واقتصادية، وستتفاوت قيمة إيجاراتها خلال السنوات السبع المقبلة حسب المنطقة، مع زيادة سنوية بنسبة 15%، مما يعني أن “هشام”، الذي يدفع حاليًا 55 جنيهًا كإيجار لشقته، قد يصل إيجاره إلى 400 جنيه شهريًا باعتباره في نطاق المناطق المتوسطة، أي زيادة تصل إلى عشرة أضعاف القيمة الحالية.

نظرًا لقلقه بشأن وضع شقته، قرر الرجل الستيني القيام بتجديدات فيها والبقاء فيها لأطول فترة ممكنة، “لإثبات أنه لا يزال يسكنها بشهادة جيرانه”، كما يقول، مضيفًا: “لا نملك أي وحدة، نحن نعيش بالإيجار الجديد بسبب ظروف عمل أولادي، ونعول على شقتنا القديمة الأساسية، ومع زيادة الإيجار الجديد سنويًا بشكل مبالغ فيه، قد لا نستطيع السداد العام القادم ونعود إليها في أي وقت، لكن الآن نحن لا نضمن الشقتين!”.

تاريخيًا، نظمت عدة قوانين مسألة الإيجار في مصر، بدءًا من قانون عام 1920 الذي نص على عدم جواز طرد المستأجر إلا بحكم محكمة يستند إلى قواعد معينة، أبرزها عدم سداد قيمة الإيجار، ثم جاء قانون عام 1941 الذي يمنع المؤجر من زيادة القيمة الإيجارية، وتبعت ذلك ثورة يوليو 1952 التي خفضت قوانينها القيمة الإيجارية.

ولم يمنح المؤجرون مزايا سوى قانون تنظيم إيجار الأماكن المفروشة الصادر عام 1977، إلا أن الملاك استمروا في المطالبة بتعديلات تشريعية، فصدر قانون عام 1981 لتحقيق التوازن بين الطرفين، وأشركهما في قيمة صيانة المبنى، وزاد من إيجار الأماكن المخصصة لغير السكن.

شهد سوق العقارات في مصر ارتفاعًا كبيرًا في الفترات الأخيرة، حيث توقع خبراء ومتعاملون في القطاع العقاري ارتفاع أسعار العقارات في السوق المصري بنسبة تتراوح بين 15% و45% خلال هذا العام، مدفوعة بعدة عوامل محلية وعالمية، بما في ذلك التضخم وزيادة سعر الصرف وارتفاع أسعار الفائدة وزيادة الطلب على الوحدات السكنية، فضلًا عن التوسع في المدن الجديدة.

يدرك “عصام” أن “شقة والدته أصبحت مطمعًا لمالكها، إذ قفز سعرها الآن لمليون ونصف على الأقل”، لكنه يتساءل: “كيف لوالدتي أن تستوعب بعد هذا العمر أنها أمام سبع سنوات للرحيل؟!.. وعلى أي أساس؟”.

وفي حديثه، أكد مصطفى مدبولي (رئيس مجلس الوزراء) أن مشروع قانون الإيجار القديم لا يستهدف طرد المستأجرين أو إنهاء العلاقة التعاقدية بشكل مفاجئ، موضحًا أن الحكومة حريصة على الحفاظ على التوازن بين حقوق الملاك واستقرار أوضاع المستأجرين، وأضاف خلال مؤتمر صحفي أن الخبراء القانونيين والعقاريين أكدوا استحالة استمرار الوضع الحالي دون تدخل تشريعي، لكن الحكومة تدرك حساسية هذا الملف وتسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية جميع الأطراف، دون المساس بالحقوق القانونية أو إحداث صدام بين الملاك والمستأجرين.

على الجانب الآخر، لا تخفي نشوى (أحد مالكي العقارات) سعادتها بإقرار القانون، حيث كانت تتلقى مبلغًا زهيدًا من أشقائها كل شهر، ذلك المبلغ الذي لا يتجاوز المائتي جنيه يمثل نصيبها من إيجار الوحدات السكنية بالعقارات التي يملكونها بمنطقة روض الفرج والخاضعة لقانون الإيجار القديم، ولم يزد ما تتقاضاه مع الوقت رغم زيادة أسعار كل شيء حولها، مما دفعها لتقول: “كنا بالاسم أصحاب ملك، لكننا لا نستطيع العيش جيدًا!”.

تمتلك في كل عقار من العقارات الثلاثة نحو ثلاث أو أربع شقق مغلقة، لا تجد سبيلاً مع أصحابها للتنازل عنها، مما يزيد الأمر سوءًا بالنسبة لها، إذ تتراوح الإيجارات بين 15 و50 جنيهًا مقابل تأجير وحدات سكنية وتجارية، وفوق ذلك، لم تستطع التقديم لمشاريع الإسكان أو بعض الخدمات باعتبارها “من ذوي الأملاك”، لكن الحقيقة أنها تتقاسم مع أشقائها التسعة هذا الإيجار الضعيف، مما تصفه بـ”الظلم الشديد”.

لذا ترى أن فترة السبع سنوات المحددة فرصة لكلا الطرفين لإعادة الاتفاق بشكل عادل يناسب هذا الوقت.