-مارينا ميلاد:

اقرأ كمان: مبعوث ترامب للرهائن يعبر عن تفاؤله بقرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة
يعيش “عصام” حالة من الحيرة بعد أن منع صاحب العقار والدته من الصعود إلى شقتها، بحجة أن لها مسكنًا آخر، مما جعله يتساءل عن الخطوة التالية التي يجب أن يتخذها، فهو يخشى من الدخول في مشادات أو تحرير محضر قد يُستخدم ضده لاحقًا لإثبات أن الشقة محل خلاف، في حين أن والدته ورثت الشقة عن والدتها بنظام الإيجار القديم في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، وقد أقامت فيها لمدة تقارب ستين عامًا، باستثناء الفترة الأخيرة التي انتقلت فيها للعيش مع شقيقتها، والآن أصبحت مهددة بالطرد منها.
جاء ذلك بعد أن صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعديلات قانون الإيجار القديم التي أقرها مجلس النواب في يوليو الماضي، مما أدى إلى ارتباك بعض مستأجري الإيجار القديم مع الملاك، حيث طالب البعض بزيادة مبكرة في الإيجار، في حين سعى آخرون لمنعهم من الوصول إلى بيوتهم أو لإثبات أنهم لا يسكنونها، كما حدث مع والدة “عصام”.
يقول “عصام” إنه يشعر بالظلم، ولم يفهم كيف حدثت هذه الأمور فجأة، ويدعم حديثه شريف الجعار (رئيس اتحاد مستأجري عقارات الإيجار القديم) الذي صرح لـ”نبأ العرب” بأن القانون ينصف الملاك على المستأجرين، وأشار إلى اتخاذه إجراءات قانونية ضدهم.
تمثل والدة “عصام” الفئة الأكبر من المستأجرين من كبار السن المعتمدين على معاشاتهم، مما يزيد المخاوف بشأن كيفية تنفيذ قرارات الإخلاء المتوقعة بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
مقال مقترح: حادث انقلاب ميكروباص في أسيوط يسفر عن إصابة 16 شخصًا وتحويله إلى خردة
لكن الحكومة تعهدت بتوفير شقق كافية للمستأجرين الذين سيضطرون لإخلاء منازلهم، وأعلنت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية مؤخرًا عن بدء تلقي طلبات المستأجرين المنطبق عليهم القواعد والشروط اللازمة للحصول على وحدات بديلة اعتبارًا من أول أكتوبر المقبل، وذلك من خلال منصة إلكترونية أو مكاتب البريد ولمدة ثلاثة أشهر، حيث سيتمكن المواطنون عبر تلك المنصة من التقدم واستيفاء الطلبات للحصول على الوحدات البديلة بعد انقضاء المدة.
تبدو السيدة غير راغبة في مغادرة المنزل، حيث يروي “عصام” أنها قضت عمرها كله في هذا البيت، وكل زاوية تحمل ذكرياتها، موضحًا أنها لم تغادره إلا مؤخرًا لتقضي وقتًا أطول عند شقيقتها، حتى لا تبقى وحدها بعد زواجها، لكنها استمرت في دفع جميع المستحقات المالية المتعلقة بالبيت من إيجار ومياه وكهرباء وغيرها.
في الوقت نفسه، كانت أماني فهمي (58 عامًا) تحاول التصرف في شقة والدتها بمنطقة حدائق القبة، خشية أن يحدث معها ما جرى مع والدة “عصام”، مما قد يسمح لصاحب البيت بالسيطرة على الوحدة قبل انتهاء الفترة الانتقالية، وبالتالي عدم تمكنها من التصرف في مقتنياتها.
أما هشام محمد، الذي يسكن مع أسرته في شقة بنظام الإيجار الجديد، فيزعجه تلقيه رسائل متكررة من صاحبة البيت تطالبه بزيادة مبكرة للإيجار أكثر مما ينص عليه القانون، حيث تبادلوا الرسائل حول نصوص القانون والأخبار التي توضح أن الزيادة ستكون بواقع 250 جنيهًا بداية من سبتمبر حتى يتم تشكيل لجان لتصنيف المناطق.
صنفت تعديلات القانون الجديد جميع العقارات السكنية أو التجارية المؤجرة إلى متميزة ومتوسطة واقتصادية، وسوف تتفاوت قيمة إيجاراتها خلال السنوات السبع المقبلة حسب المنطقة، على أن تزيد سنويًا بنسبة 15%، مما يعني أن “هشام” الذي يدفع 55 جنيهًا كقيمة إيجار شقته، قد يُضطر لدفع قرابة 400 جنيه شهريًا باعتباره في نطاق مناطق متوسطة، مما يعني زيادة كبيرة في القيمة الحالية.
لذلك، قرر الرجل الستيني أن يقوم مع زوجته بعمل تجديدات في الشقة والبقاء فيها لأطول فترة ممكنة، حتى يثبت أنه لا يزال يسكنها بشهادة الجيران، كما يقول، ويضيف: نحن لا نملك أي وحدة، فنسكن إيجار جديد لفترة بسبب ظروف عمل أولادي، ونعول على شقتنا القديمة الأساسية، ومع زيادة الإيجار الجديد سنويًا بصورة مبالغ فيها، فقد لا نستطيع السداد العام القادم ونعود إليها في أي وقت، لكن الآن نحن لا نضمن الشقتين!
في الماضي، نظمت عدة قوانين مسألة الإيجار في مصر، بدءًا من قانون عام 1920 الذي نص على عدم جواز طرد المستأجر من الوحدة إلا بحكم محكمة يستند إلى عدة قواعد، أبرزها عدم سداد قيمة الإيجار، وتلاه قانون عام 1941 الذي يمنع المؤجر من زيادة القيمة الإيجارية، ثم جاءت ثورة يوليو 1952 لتخفض قوانينها القيمة الإيجارية.
لم يمنح المؤجرين مزايا سوى قانون تنظيم إيجار الأماكن المفروشة الصادر عام 1977، لكن الملاك استمروا في المطالبة بتعديلات تشريعية، مما أدى إلى صدور قانون عام 1981 لتحقيق التوازن بين الطرفين، حيث أشركهما في قيمة صيانة المبنى وزاد من إيجار الأماكن المخصصة لغير السكن.
شهد سوق العقارات في مصر ارتفاعًا كبيرًا مؤخرًا، حيث توقع خبراء ومتعاملون بالقطاع العقاري ارتفاع أسعار العقارات بنسبة تتراوح بين 15% إلى 45% خلال هذا العام، مدفوعًا بعدة عوامل محلية وعالمية، بما في ذلك التضخم، وزيادة سعر الصرف، وارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة الطلب على الوحدات السكنية، فضلًا عن التوسع في المدن الجديدة.
يدرك “عصام” أن “شقة والدته باتت مطمعًا لمالكها، حيث قفز سعرها الآن لمليون ونصف على الأقل”، لكنه يتساءل: كيف يمكن لوالدتي بعد هذا العمر أن تتقبل أن يقولوا لها أمامك سبع سنوات للرحيل؟ وعلى أي أساس؟
أكد مصطفى مدبولي (رئيس مجلس الوزراء) في حديثه أن مشروع قانون الإيجار القديم لا يستهدف طرد المستأجرين أو إنهاء العلاقة التعاقدية بشكل مفاجئ، موضحًا أن الحكومة حريصة على الحفاظ على التوازن بين حقوق الملاك واستقرار أوضاع المستأجرين، وأضاف خلال مؤتمر صحفي أن الخبراء القانونيين والعقاريين أكدوا استحالة استمرار الوضع الحالي دون تدخل تشريعي، لكن الحكومة تدرك حساسية هذا الملف وتسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية جميع الأطراف، دون المساس بالحقوق القانونية أو إحداث صدام بين الملاك والمستأجرين.
من جهة أخرى، لا تخفي نشوى (أحد مالكي العقارات) سعادتها بإقرار القانون، إذ كانت تتلقى مبلغًا زهيدًا من أشقائها كل شهر، وهو مبلغ لا يتجاوز المائتي جنيه يمثل نصيبها من إيجار الوحدات السكنية بالعقارات التي يملكونها بمنطقة روض الفرج، ولم يزد ما تتقاضاه مع الوقت رغم زيادة أسعار كل شيء حولها، ما دفعها لتقول: كنا بالاسم أصحاب ملك، لكننا لا نستطيع العيش جيدًا!
لديها في كل عقار من العقارات الثلاثة نحو ثلاث أو أربع شقق مغلقة، ولا تجد سبيلاً مع أصحابها للتنازل عنها، مما يزيد الأمر سوءًا بالنسبة لها، إذ تتراوح الإيجارات ما بين 15 إلى 50 جنيهًا مقابل تأجير وحدات سكنية وتجارية، وفوق ذلك لم تستطع التقديم لمشاريع الإسكان أو الحصول على بعض الخدمات باعتبارها من ذوي الأملاك، لكن الحقيقة أنها تتقاسم مع أشقائها التسعة هذا الإيجار الضعيف، مما تصفه بـ”الظلم الشديد”.
لذا ترى أن فترة السبع سنوات المحددة تمثل فرصة لكلا الطرفين لإعادة الاتفاق بشكل عادل يناسب هذا الوقت.