نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كرسي فليح! - نبأ العرب, اليوم الخميس 28 نوفمبر 2024 08:42 صباحاً
ولذلك تعلق أبوه به بشدة، ولأن الله رزقه به بعد طول انتظار سنين عدة، ففرح به أشد الفرح، فصار يحضره معه (مجالس الرجال)، ويعتمد عليه فيما يُعتمد عليه الكبار... حتى ذاع صيته بين جماعته، وأفراد قريته الصغيرة.
وفي آخر العام الدراسي، حلت فاجعة على قلب أبي فليح، بل على معلميه، بل على القرية بأسرها.. تاه فليح في الصحراء العريضة، بحث عنه والده وأقاربه، وأهل القرية والشرطة والمسؤولون، لكن بلا جدوى، لم يعثر أحد على فليح، وبات حديث القرية والقرى التي حولهم.
انفطر قلب والده، وصار يكلم نفسه، ودمعه على خده، هائما على وجهه، يتعقب كل مكان يذكّره بابنه، يحضر صباحا الاصطفاف الصباحي في المدرسة، ويأتي إلى فصل فليح، ويمسح كرسيه، وطاولته: هنا كان يجلس، وهكذا كان يحل واجباته... رافضا فكرة موته، جازما بعودته، ورجوعه مع زملائه.
حزن المعلمون على ما آلت إليه حالة أبي فليح، وأثناء حديثهم، اقترح أحدهم فكرة: بما أن العام الدراسي أوشك على الانتهاء، فلم يبق عليه إلا أيام معدودات، فلم لا نكتب اسم فليح على طاولته، ونعتبره حاضرا، وفي وقت النتائج نكرّمه أمام والده.
فكرة رائعة! رد أحد المعلمين، وعرضوا الفكرة على المدير، واستحسنها، وتبناها منسوبو المدرسة.
فكتبوا اسم فليح على طاولته، وعلى لوحة الشرف، وفي قائمة الطلاب المتفوقين، والبارزين في النشاط...، وأُعلِن اسمه في الإذاعة تكريما له، تارة لسلوكه وخلقه، وتارة لتفوقه دراسيا، وتارة لتميزه في الأنشطة...، وهذا كله أمام والده.
وفي نهاية العام استلم والده شهادة فليح، ومعها شهادة شكر وتقدير لتفوقه.
وتصور منسوبو المدرسة أن المشكلة قد حُلت، ولكن... في العام التالي جاء أبو فليح إلى المدرسة، وقد ازدادت حالته النفسية سوءا، وعظم تعلقه بفليح.
استقبله مدير المدرسة مع بعض المعلمين، وللتهوين عليه وعدوه خيرا، ومراعاة لنفسيته أدخلوه فصلا، وأروه كرسيا وطاولة، ووعدوه أن يبقى هذا الكرسي باسم فليح، ولن يجلس أحد عليه، بل سيعتبر فليح حاضرا، في انتظار عودته وانتظامه مع زملائه في الدراسة إن شاء الله.
في نهاية الفصل الدراسي الأول صدرت الشهادات، ولم تصدر لفليح أي شهادة، فغضب أبوه، وأتى إلى مدير المدرسة شاكيا، متضجرا، فوعده المدير خيرا، وأحسن توديعه، كما أحسن استقباله، ثم استدعى المعلم، وقدم له مساءلة ملخص فحواها: لماذا رسب فليح؟
رد المعلم باستغراب: تقصد كرسي فليح؟ إنه كرسي! كيف سينجح الكرسي؟
رد المدير: نحن نعلم أنه كرسي، لكن ماذا فعلت أنت من أجله؟ هل حللت نتائجه؟ هل بينت جوانب ضعفه؟ هل تواصلت مع الإدارة، والموجه الطلابي، لدراسة حالته، والتواصل مع ولي أمره؟ هل قدمت له خططا تحسينية، وحصصا إضافية للرفع من مستواه؟ ما الإجراءات التي اتبعتها لتحسين مستواه؟
المعلم: إجراءات وتحسين ماذا؟ إنه كرسي!
خرج المعلم مشدوها مستغربا، يكلم نفسه، وفي غرفة المعلمين، قال له أحد زملائه من ذوي الخبرة: عندما ترسب طالبا - حتى لو كان كرسيا - فستعمل له خطة علاجية، ولن تستمتع بإجازتك مبكرا، وستضطر لعمل حصص إضافية، وإجراءات كثيرة، وستتعب في الأخير، وتتحمل مسؤولية رسوبه، وسيؤثر ذلك على تقييمك، وتعامل رؤسائك، وستتأثر الفكرة عن عملك في المدرسة، وعند أولياء الأمور، أما إذا نجح فلن يحسم من راتبك شيئا، وتنال الشكر من الطلاب وأولياء أمورهم، وتغدو أنت المحبوب المقرب لدى إدارة المدرسة... فلماذا لا تريح بالك وتكبر دماغك؟
فكر المعلم بكلام زميله، لكنه استصعب على نفسه تنفيذه، فتوصل مع مدير المدرسة إلى حل وسط: وهو نقل كرسي فليح إلى فصل زميله...
وبعد سنوات، وسنوات، واجهت كرسي فليح مشكلات كبيرة لم يستطع أن يتغلب عليها أبو فليح، تتمثل في تجاوز اختباري القدرات والتحصيلي، فماذا تقترحون حلا لها؟
قبل النقطة: أعلم أن القصة برمتها مبالغ فيها، لكن مقاصدها تمثل جانبا من جوانب مشكلات التعليم، فهل من واجبات التعليم أن ينجح جميع الطلاب ويتفوقون؟
Mabosaad@
0 تعليق